Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق خبر الإلحاد في السعودية


الخبر:

نشر موقع فرانس 24 خبرا في 2014/4/7 بعنوان: نسبة الإلحاد مرتفعة في السعودية والسلطات تعتبره إرهابا جاء فيه:

أظهرت دراسة أعدها معهد غالوب الدولي الذي يتخذ من زوريخ مقرا له أن نسبة الإلحاد في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 5 و9 بالمئة من مجموع عدد سكان المملكة.

هذه النسبة هي الأكثر ارتفاعا مقارنة مع دول عربية حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان حيث أن هذه الدراسة بينت أن نسبة الإلحاد في هاتين الدولتين لا تتجاوز 5 بالمئة من مجموع السكان.


التعليق:

موقع فرانس 24 نشر خارطة “للإلحاد” مأخوذة من الواشنطن بوست، فاتجهنا إلى موقع تلك الصحيفة لنجد تلك الخارطة قد نشرت في تقرير حول الإلحاد في العالم في 2013/5/23 أي قبل سنة تقريبا.

اتجهت للبحث عن المعهد المذكور واستطلاعه، فتبين أن التقرير صدر عن المعهد في 2012/8/6، أي قبل أكثر من عام ونصف.

راجعنا محتويات الاستطلاع فوجدنا أن الاستطلاع جرى على عينة من 51 ألفا تقريبا في دول كثيرة في العالم، أما بخصوص السعودية تحديدا فقد كانت النتائج:

 

من أجاب عن السؤال: هل أنت متدين، غير متدين، ملحد مقتنع فكانت النسب كالتالي:

75% متدين، 19% غير متدين، 5% ملحد مقتنع

نظرنا في كيفية استطلاع الرأي في السعودية فقال التقرير أنه تم بواسطة التلفون في المناطق الحضرية، وأن من أجرى الاستطلاع بالنيابة هو “المركز العربي للبحوث والدراسات الاستشارية” ومدير مكتبه في الرياض وجدة هو توني بروديان.

تتبعنا الأخبار المشابهة لهذا الخبر في الانترنت فوجدنا عددا من المواقع تعيد نشره كما هو أو تزيد أو تنقص. ولكنها تركز على الـ 9% التي لم نعلم من أين أتوا بها.

إن نسبة الخمسة بالمئة المذكورة تفترض أن أكثر من 1.4 مليون ملحد في السعودية لوحدها، بحسب المعطيات السكانية لعام 2012 والتي تقول أن عدد سكان السعودية يفوق 28 مليون نسمة.

بعد سرد هذه المعلومات فإننا نقف عند هذا الخبر من زاويتين:

الزاوية الأولى هي الفبركة الإعلامية وتزوير الحقائق التي أصبحت سمة الإعلام المقروء والمرئي والمسموع عامة، حتى تلك الوسائل التي تدعي “الحرفية” و”النزاهة” و”الحياد” في عملها. فتجدها أبعد بكثير عما تصف نفسها به، ولا يخفى ما وراء تلك الوسائل الإعلامية من أجندات وسياسات تحركها والتي تجعلها أبواقا “محترفة” في الكذب والتدليس والتزوير أيضا، علاوة على تشويه الحقائق بل وقلبها بل والتعمية عليها.

أما ما يسمى بمراكز الدراسات والاستطلاعات فهي وإن كانت تدعي الحياد والنزاهة واستخراج الحقيقة كما هي فإنها إنما تحترف قبل كل شيء استصدار المعلومات التي تريدها أصلا، وإن احتاج الأمر استعملت أساليب أقل ما يقال فيها إنها عمياء، ففي المثال السعودي نجد أن الاستطلاع كان عبر التلفون، من خلال معهد أبحاث وسيط ودون ذكر عدد من استُطلعت آراؤهم!

ولا حاجة لبسط الحديث عن الاستطلاعات “الهاتفية” في بلاد المسلمين على وجه الخصوص ونتائجها، هذا على افتراض أنها حصلت فعلا!

أما الزاوية الثانية فهي مرتبطة بقانون الإرهاب الجديد في السعودية والذي لفت انتباه وسائل الإعلام فيه فقط هو المادة الأولى والتي تنص على معاقبة كل من يحمل “الدعوة للفكر الإلحادي بأي صورة كانت، أو التشكيك في ثوابت الدين الإسلامي التي قامت عليها هذه البلاد”، ولم تلتفت إلى نفس القانون الذي يجرم المجاهدين في الشام وغيرها، ومن ينتمي إلى حزب أو جماعة إسلامية حتى ولو كانت لا تتبنى العمل المادي.

نحن نعلم أن آخر ما يشغل بال حكام السعودية هو الإلحاد والتشكيك بثوابت الدين، لأن قصورهم يديرها ملحدون علمانيون وأن فصل الدين عن الحياة هو منهجية واضحة عندهم تماما كبقية بلاد المسلمين.

تنقل فرانس 24 في الخبر ذاته عن رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الرياض أنور العشقي قوله أن هذه الظاهرة “تسللت إلى المجتمع السعودي نتيجة عدة عوامل من أبرزها التطبيق المتشدد لمبادئ الديانة الإسلامية في المجتمع السعودي والتربية الصارمة التي يتلقاها الأبناء داخل الأسر وفي المجتمع إجمالا والتي تولد ردود فعل عكسية بدفعهم إلى الإلحاد عوض التدين المفرط”.

ويحق لنا أن نسأل عن أي تطبيق “متشدد” لمبادئ الديانة الإسلامية يتحدثون؟

عن منع قيادة المرأة للسيارة؟ أم عن المطوعين؟ أم عن إقفال المحال التجارية في أوقات الصلاة؟

فهل هذا هو المقصود بالتشدد؟ ولكن ماذا عن نظام الحكم ومخالفته الواضحة للإسلام؟ ماذا عن النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي لا علاقة له بالإسلام؟ ماذا عن سياسة الدولة الخارجية المنبطحة أمام أعداء الإسلام؟ ماذا عن القواعد العسكرية التي تمكن المستعمرين من أرض الإسلام؟ ماذا عن النفط والثروات الهائلة التي تسلب ليل نهار من المسلمين؟

ثم ماذا عن الإعلام الذي يحقن الناس بكل شيء سوى الإسلام، بدءا بالعربية والإم بي سي وروتانا وأخواتها وبناتها وبنات عمها وخالها… من قنوات الفجور ونشر الفكر الغربي حتى بين الأطفال؟ وأين هو التشدد الذي يلهي يوميا الشباب بكرة القدم؟

قد يكون هناك أفراد ملحدون في السعودية وفي غيرها من بلاد المسلمين، وقد يجاهر بعضهم بذلك أحيانا كما فعل أحدهم عندما كتب على ورقة وهو أمام بيت الله الحرام “أنا ملحد وأفتخر”، وقد يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك كما يلاحظ على مواقع ما يسمى بالتواصل الاجتماعي أحيانا مثل الإعلان عن “مليون دولار لمن يثبت وجود الله”… قد يحدث كل ذلك وأكثر في بلد يدعي حكامه أنه قائم على الإسلام ومطبق للإسلام… والإسلام من أفعالهم براء.

وهنا يحق لنا أن نسأل مشايخ السلطان من رئيس هيئة كبار العلماء فما دونه من مشايخ يتبجحون بالدفاع عن الدين والذود عن حياض السنة، واتباع منهج السلف الصالح، والفرقة الناجية، والطائفة الظاهرة… يحق لنا أن نسألهم أين أنتم من كل هذا الذي يحدث في بلاد الحرمين، يا من تعتبرون الملك “إمام أهل السنة والجماعة في عصره”، هل تستطيعون بما عندكم من “علم” مواجهة موجة الإلحاد والعلمانية تلك؟

كيف تسكتون عن منكرات حكامكم التي أوردت الأمة المهالك، فكنتم شهود زور على أفاعليهم من نشر الفساد والرذيلة ونهب الخيرات، وإفقار الناس، وبيع البلاد، والتآمر مع الأعداء عليها، وفصل الدين عن الحياة، وإلهاء الناس برضاع الكبير، وقيادة السيارة … وتدرسون الدين وكأن وراء كل حجر أو شجر معتزلي أو جهمي… ولم نر منكم علما مفيدا يعرض معالجات الإسلام أمام الهجمة الرأسمالية العلمانية الشرسة بأفكارها ومفاهيمها في الحكم والاقتصاد والاجتماع وسياسة الرعية… ثم إنكم لا تكتفون بالسكوت بل تشتركون معهم في الوزر.

أين أنتم يا من تبرزون لمهاجمة المخلصين من أبناء الأمة ممن يعملون لإعادة الإسلام ـ كل الإسلام ـ إلى واقع الحياة بإقامة دولة تطبق شرعه ـ كل شرعه ـ ؟ دولة تقطع الغني قبل الفقير إذا سرق، دولة توزع عوائد الثروات على المسلمين بالعدل والقسط، دولة تستقل بقرارها، دولة تنصر المسلمين وتحمي بيضتهم، دولة يعفّ خليفتها ولا يرتع كما عفّ الفاروق فعفّت رعيته!.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسام الدين مصطفى