خبر وتعليق سبب الاختراقات البركانية التي يتلظى بها السودان
الخبر:
أوردت صحيفة الشروق بتاريخ 2014/4/10 خبرا جاء فيه: ظاهرة العمالة الأجنبية بالسودان بصورة كبيرة أصبحت تؤرق الجميع على المستويين الشعبي والرسمي بسبب الآثار السلبية التي تهدد أهل السودان عبر بث ثقافاتها وممارساتها التي تتنافي مع قيمنا وعاداتنا.
الجهات الرسمية قالت إنها تسعى لرقابة وضبط وتقنين الوجود الأجنبي، فما هو الدور المطلوب تجاه هؤلاء، وكيفية حصرهم وتحجيم المخاطر الأمنية والمجتمعية والتفلتات التي تبدر بين الحين والآخر من بعضهم، حلقة “إشارة حمراء” ناقشت قضية الوجود الأجنبي بكل تفاصيلها مع ضيوفها اللواء شرطة/ أحمد عطا المنان، مدير الإدارة العامة للجوازات والهجرة، ودكتور/ ياسر عنقال مدير مركز أبحاث الجريمة، وزاهر عبد الرحمن عباس، الباحث الاجتماعي.
التعليق:
من يستمع للضجة الإعلامية التي تثيرها الجهات الرسمية والمواطن في السودان حول ظاهرة تزايد العمالة الأجنبية يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء يحتلون وظائف وأعمالاً كبيرة تسببت في التضييق على المواطن، ولكن الحقيقة أن ما يسمونه بعمالة أجنبية يعملون في أعمال بسيطة جداً (عمال نظافة في البيوت أو المحلات التجارية والكافتريات ….الخ)، أعمال لا يقوم بها إلا من اضطرته الحاجة والعوز، مع العلم أن هؤلاء في الغالب من دول الجوار (أغلبهم مسلمون) قد اضطرتهم أحوال معيشية صعبة للمجيء إلى السودان والعمل في مثل هذه المهن. وفي الزمن القريب كان (قبل سيطرة الأفكار الرأسمالية على الرأي العام)، كان من المفاخر أن السودان يجمع الناس من كل الدول ويحتضنهم ويوفر لهم أسباب الحياة لأنه:
بلاد ناسا تكرم الضيف
حتى الطير يجيها جعان ومن أطراف تقيها شبع
تشيل الناس وكل الناس وسع بي خيرو لينا يسع
ديل أهلي ديل أهلي
يبدو الغير على ذاتم
يقسموا اللقمة بيناتم
يدو الزاد حتى إن كان مصيرم جوع
ولكن أصبحت هذه القيم من الماضي بعد ضنك المعيشة التي أفقدتنا حتى أن تكون لنا لقمة كريمة، بل أصبح الجوع ضجيع الكثيرين.
والآن بعد ما أصاب البلاد من ضياع وتدهور في كل مجالات الاقتصاد توقفت المشاريع الزراعية الكبيرة وخُصخصت موارد مرتبطة مباشرة بقوت الناس، أصبح السودان مع ضخامة الموارد وشعارات (سلة غذاء العالم) بلدًا يقول الجهاز المركزي للإحصاء أن عدد الأسر الفقيرة (5.159.012)، والأسر الأشد فقراً (2.288725). الأولى (363.527)، والثانية (1679944) والثالثة (245.254)، بل لا نجافي الحقيقة إن قلنا إن المواطن في السودان أصبح يحلم بوطن آخر يوفر له حياة كريمة ولو كان بلدًا عدوًّا ظاهر العداوة، بل لو كانت النتيجة مخاطرة بالحياة على ناقلات نجاتها من مياه البحر محفوفة بالمخاطر (سنبك).
وبدلاً عن الجدية في حل مشكلات الناس الاجتماعية والاقتصادية وغيرها انغمس الجميع في إثبات أن الوجود الأجنبي هو سبب المشاكل، ومن الجهات الرسمية التي قامت بدراسات للكشف عن الآثار السلبية للوجود الأجنبي خاصة على الناحية الاجتماعية والاقتصادية. في هذا الإطار قام مركز دراسات المجتمع (مدا) بدراسة استطلاعية لقياس الرأي العام حول ظاهرة الوجود الأجنبي في ولاية الخرطوم، وكشفت الدراسة عن الآثار الاجتماعية والثقافية والأمنية والاقتصادية للوجود الأجنبي.
إن الآثار السلبية التي أصبحت حجة وحيلة لمطاردة وملاحقة هؤلاء هي نتاج القوانين الوضعية التي تطبق في البلد، ما أوجد آثارا سلبية من أهل البلد لم تكن في أسلافهم بشهادة العديد من المسئولين. في الماضي القريب كانت الأسرة السودانية وحدة اجتماعية، تتميز بعادات وخصائص متعددة منها التعاون والتسامح والتكافل والعلاقات الاجتماعية الممتدة وتوارث الأجيال والأب هو رب البيت الآمر الناهي، ويتم غرس هذه القيم الفاضلة في نفوس الأطفال منذ الصغر، وتنتقل من جيل إلى جيل، ولكن بمرور الزمن ثمة تغيرات طرأت بسبب انتشار قيم أخرى، فرضت نفسها بقوة وهي (الحريات) فأصبحت الأسرة مكونة من أفراد، كل شخص حر حتى البنت، تخرج من منزلها على شكل عروس ليلة زفافها والأب يجلس هو وابنه أمام الباب، فهي حرة وهذه حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولو نبس أحدهم ببنت شفة فقد يسمع ما لا يسره.
السودان جزء لا يتجزأ من هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة جدا وما يحدث في كل العالم يشاهد عندنا في السودان في نفس اللحظة ونتيجة طبيعية لرقة وهزال الدعامة التي كانت تحميه من الانحرافات (العادات والتقاليد) التي أصبحت أرق بالضغوط الشديدة والانفتاح والعولمة وانعدام الوازع الديني عند الأفراد الذين يتصلون مع بعضهم بعلاقات دائمية (أفكار ومشاعر وأنظمة) لا تقيم أي وزن إلا للدنيا ولا تراعي للانضباط على أساس الدين أي قيد، كل ذلك سهل الاختراقات البركانية للمجتمع الذي يتلظى كل يوم فيها، أدت إلى تفكك في الأسر وزيادة معدلات الطلاق وانتشار ظاهرة التسول والتسرب من المدارس وغيرها، والميل للفردية، وترك العمل الجماعي.
وفي الماضي كانت الموبقات موجودة علناً والآن مع أنه ممنوع لكن عدم تفعيل القوانين وجديتها ومراعاة الحريات، دخلت موبقات تجعل الولدان شيبا، وأهم أسباب تدهور الأخلاق نتج عن تدهور الخُلق والثقافات الخارجية والغزو الثقافي والعولمة، نعم لا كلام ولكن الضابط الأوحد والأهم هو وجود أحكام الله في حياة الناس، وهو الغربال الذي يحجب الغث ويسمح للسمين ليغذي المجتمع بما يحتاجه من إضافات تسهم في حركة نموه وتقدمه.
وما لم تضطلع الدولة متمثلة في مؤسساتها الرسمية والشعبية لتؤسس لثوابت مجتمعية ربانية متينة لحماية المجتمع مما يعانيه بتطبيق شرع رب العالمين المتين عن طريق توجيه التعليم والإعلام لمصلحة المجتمع الإسلامي وعدم تسليطه فقط لمصلحة السلطة وحفظ كرسيها بخضوعها لإملاءات الغرب ببسط الحريات التي أجهزت على المجتمع في الغرب وجعلته يتقلب في بهيمية ستقطع نسله من الدنيا ما لم نحمل لهم الإسلام ليصلح حالهم الأعوج. وما لم تقم الدولة بذلك فإن الكارثة ستحل بالناس.
بهذا يصلح حال المجتمع ويحمى ويرتق نسيجه على أساس تقوى الله فيكون في مأمن من أي خلل ومن يأتي للعيش في مجتمع كهذا يلزم بالتقيد بقوانينه بطبيعة الحال فتصلح أحواله فيكون فردًا صالحًا في مجتمع صالح.
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب – غادة عبد الجبار