مع الحديث الشريف تأجير الأرض للزراعة المزارعة
نحييكم جميعا أيها في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روى أبو داوود في سننه قال:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: “كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَ عُمُومَتِهِ أَتَاهُ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا, وَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا وَأَنْفَعُ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أرض فَلْيَزْرَعْهَا أو فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ وَلَا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلَا بِرُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى”.
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(كُنَّا نُخَابِر): أَيْ نُزَارِع أو نَقُول بِجَوَازِ الْمُزَارَعَة وَنَعْتَقِد صِحَّتهَا. قَالَهُ الْقَارِيّ
(فَذَكَرَ): أَيْ رَافِع، (أَتَاهُ): أَيْ رَافِعًا، (فَقَالَ): أَيْ بَعْض عُمُومَته
(وَطَوَاعِيَة اللَّه): أَيْ طَاعَته وَهُوَ مُبْتَدَأ وَخَبَره أَنْفَع. (وَأَنْفَع): كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ
(وَمَا ذَاكَ): أَيْ الْأَمْر الَّذِي كَانَ لَكُمْ نَافِعًا
(فَلْيَزْرَعْهَا): مِنْ زَرَعَ يَزْرَع بِفَتْحِ الرَّاء أَيْ لِيَزْرَعهَا بِنَفْسِهِ
(أو لِيُزْرِعهَا): مِنْ بَاب الْإِفْعَال أَيْ لِيُعْطِهَا لِغَيْرِهِ يَزْرَعهَا بِغَيْرِ أُجْرَة
(وَلَا يُكَارِيهَا): وَفِي بَعْض النُّسَخ “وَلَا يُكَارِهَا” بِالنَّهْيِ
يستفاد من هذا الحديث أنه لا يجوز لماك الأرض أن يؤجر أرضه للزراعة مطلقاً. فلا يجوز أن يؤجرها مقابل نقود ولا يجوز أن يؤجرها مقابل جزء من إنتاجها لأنه كله إجارة, وإجارة الأرض للزراعة غير جائزة كما يدل حديثنا وكما دلت أحاديث أخرى كثيرة على النهي عن إجارة الأرض منها ما جاء في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه”.
وما جاء في صحيح مسلم: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذ للأرض أجر أو حظ”.
وجاء في سنن النسائي: “نهى رسول الله عن صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض. قلنا: يا رسول الله إذن نُكْرِيْها بشيء من الحب, قال: لا, قال: وكنا نُكْرِيْها بالتبن, فقال: لا, وكنا نُكْرِيْها بما على الربيع الساقي, قال: لا, ازرعها أو امنحها أخاك”.
فهذه الأحاديث كلها صريحة في النهي عن إجارة الأرض للزراعة وشاملة لكل حالات إجارة الأرض للزراعة …وهي وإن كانت تدل على مجرد طلب الترك إلا أن هناك قرينة تدل على الطلب الجازم, أي التحريم ……وهذه القرينة هي إصراره صلى الله عليه وسلم على النهي فقد قالوا له: نكريها بشيء من الحب فقال: لا, ثم قالوا: نكريها بالتبن, فقال: لا, ثم قالوا: كنا نكريها على الربيع فقال: لا, ثم أكد على موقفه بقوله: “ازرعها أو امنحها أخاك”, فهذه المحاورة توضح إصراره صلى الله عليه وسلم على منع تأجير الأرض للزراعة مما يفهم منه التحريم.
وقد يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد أجر أرض خيبر فلِمَ هذا التناقض (الظاهري) بين قوله وعمله؟ ولنوضح أنه ليس هناك تناقض بين قوله وعمله عليه الصلاة والسلام, علينا أن نعلم أمرين اثنين:
الأول: طبيعة أرض خيبر: فخيبر لم تكن أرضها ملساء أي تزرع موسمياً بل كانت شجرية أي مزروعة بالشجر بدليل ما روى ابنُ اسحق في السيرة عن عبد الله بن أبي بكر: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث إلى أهل خيبر عبدَ الله بنَ رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود فيخرص عليهم …….ثم أصيب عبد الله بن رواحة بمؤتة يرحمه الله فكان جبار بن صخر ابن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة”.
والخارص هو الذي يقدر الثمر وهو على أصوله قبل أن يُقطَفَ فهذا صريح بأن أرض خيبر شجر وليست ملساء.
ثانياً: أن المزارعة (أي تأجير الأرض للزراعة) غير المساقاة والتي هي تأجير الأرض الشجرية لسقيها والعناية بها مقابل أجر.
والمساقاة مباحة وهي ما ينطبق على معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر.
أما المزارعة فهي ما نهى عنه الرسول الكريم في الحديث.
ومما نريد التأكيد عليه هو أن تحريم إجارة الأرض منصب على تأجيرها للزراعة, أما تأجيرها لغير الزراعة فهو مباح ….فلصاحب الأرض أن يؤجرها مخزناً للبضاعة …. أو مَراحاً للإبل …. أو ملعباً ….. أو لأي منفعة أخرى عدا الزراعة وليس عليه أو على المستأجر من بأس.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.