Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق عندما يتحول الفقر إلى مشروع سياحي


الخبر:

تتوالى أصداء التقرير الإخباري الذي نشرته التلفزة البريطانية في 2014/4/22 على قناتها الرابعة بعنوان “جولة مع سياح العشوائيات في كينيا” حيث قام فريق العمل بمرافقة سياح من أستراليا قدموا إلى منطقة “كيبيرا” في نيروبي والتي يسكنها مليون شخص ويقيم معظمهم في أكواخ صغيرة من الطين والصفيح المموج. وقد تعرض التقرير لظاهرة سياحة العشوائيات “Slum Toursism” أو الجولات المنظمة والمدرجة في البرامج السياحية لزيارة أحياء فقيرة من أجل التقاط الصور والإطلاع على حالة الفقر المدقع والعوز والبؤس التي يعيش فيها سكان العشوائيات.


التعليق:

سياحة العشوائيات لا تقتصر على حي كيبيرا في نيروبي بل لها رواج كبير في أحياء فافيلاس في ريو دي جانيرو بالبرازيل وحي الزبالين في مصر وضاحية سويتو في جنوب أفريقيا وحي مكوكو في لاغوس بنيجيريا وعشوائيات مومباي الشهيرة وغيرها. والجدير بالذكر أن الشركات السياحية تجدّ في تطوير منتجاتها السياحية ووضع دراسات لكيفية التقدم بهذا الاستثمار دون الإخلال بسلامة السائح الأجنبي أو تجاهل رغباته، وتعد لتدريب السياح على الطريقة الأمثل للتعامل مع أهل العشوائيات حتى تكون الزيارة تفاعلية ومثمرة. وبالرغم من هذه النصائح فإن أهل العشوائيات يشعرون أنهم يعاملون كما الحيوانات ويأتي الأغنياء من أجل التسلي على حساب كرامتهم وإنسانيتهم.

لا حول ولا قوة إلا بالله.. عجباً لحال هذه الرأسمالية التي استأصلت الرأس والذنب ولم تترك وراءها شيئا! حتى الفقر وضنك العيش يريدون أن يستثمروه ويجنوا الربح من ورائه. يُسيّرون الأفواج السياحية من أجل أن يلتقط السائح الثري صوراً لطفل بائس متسخ ويرتدي ملابس مقطعة يقف بجوار القمامة ليعود بها ويعرضها في بلده. أي إنسانية هذه وأي قيم تحكم هكذا مجتمعات؟! إن المبدأ الرأسمالي آفة تهدد البشرية وتنحدر بالإنسان لأدنى المراتب، ولا يقيم وزناً لأي قيمة سوى قيمة المادة فهي تعلو ولا يعلى عليها، وهذا أمر متجذر في مبدئهم الذي يركز على البحث عن الربح بأي وسيلة والسعي الدائم للمنافسة والمبالغة في التزاحم لجني الربح والسعي نحو الثراء السريع وبالتالي فقد فصلت الرأسمالية الفرد عن إنسانيته وأعمت عينه عن أي قيمة سوى قيمة المادة.

إن الرأسمالية تصنع الفقر وتسلب حقوق البشر ثم تتاجر بمأساتهم لتجني المزيد من الربح وتشعر الأثرياء أنهم في نعمة، هي في حقيقة الأمر تبعد أنظارهم عن الظلم الواقع على أهالي الدول الغنية أنفسهم من حيث تكدس رأس المال في أيدي فئة معينة جمعت بين الاحتكار والتفرد في الوسط السياسي. هذه الهيمنة المطلقة لأصحاب رؤوس الأموال في الاقتصاد والسياسة جعلتهم يُحكمون القبضة على مجريات الأمور في بلادهم، بينما يصورون لشعوبهم أنهم ينعمون بديمقراطية متطورة وتوازن سياسي واجتماعي يحسدون عليه.. يلتقطون الصور في العشوائيات البعيدة وكأنهم يجهلون أن الفقر منتشر ومتزايد عندهم. هذا التركيز على حال دول العالم “الثالث” لا يسلي السياح فقط بل ينفع غيرهم فكلما ازدادت الصورة قبحاً في جنوب القارة وعشوائياتها كلما لمع بريق الشمال بمؤسساته واقتصاده.

نسأل الله أن يعجل بالفرج لينعم البشر بنظام يخلصهم من المتاجرة بالإنسان وصناعة الفقر والتفنن في مص دماء البشر.. نظام يحدد كسب المال للأفراد على الوجه الصحيح ويعالج الفقر بدلاً من أن يعرض الفقراء للاستغلال.


﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾




كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد