Take a fresh look at your lifestyle.

المستوطنات الإعلامية الغربية في البلاد الإسلامية

 

لقد بلغ الإعلام مرحلة من الفاعلية والمقدرة في التأثير على الشعوب والأمم، حتى إنهم نعتوه (بالسلطة الرابعة)، وهذا النعت فيه شيء من الصحة فالإعلام سلطة تمارس سلطانها على العقول، والأفئدة فتشكل الأذواق المعينة وتطوع المشاعر في الاتجاه الذي تريد.

والإعلام الذي يقوم في بلاد المسلمين لا يعتبر إعلاماً ذاتياً، وإنما هو مستوطنات غربية في البلاد الإسلامية، فهو إعلام مرتبط بشكل مباشر بالمنظومة الرأسمالية العالمية، بل هو أحد أعمدة النظام الرأسمالي، فهو لا يقل أهمية عن مجلس الأمن، والأمم المتحدة، وجيوش العملاء والمأجورين في الداخل والخارج، ولا يقل أهمية عن البارجات وحاملات الطائرات، وكل أشكال الآلة العسكرية، وتكمن أهمية الإعلام في كونه يساهم في تشكيل الرأي العام لدى الجماهير، مما يؤدي بشكل مباشر إلى تحرير الشعوب من ربقة المستعمر وهذا ما يعتبره الغرب مهدداً حضارياً ومادياً ولذلك فهو يسعى لمنع أي نشاط سياسي أو فكري يساهم في إيجاد الوعي لدى جماهير الأمة.

وهناك شواهد كثيرة من الواقع السياسي تدلل على أن الكفار الغربيين يستخدمون الإعلام لمواجهة دعاة التحرير في بلاد المسلمين ومباشرة الحملات الإعلامية المشوهة في مستعمرات النفط والثروات حتى تحافظ على غياب الوعي وتركز السطحية لدى الجماهير.

إن وسائل الإعلام الغربية المعاصرة نجحت في تقديم رسالة إعلامية قذرة حرصت فيها على تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وذلك عن طريق سرعة انتشارها وتطورها وتحكمها العالمي، وقد شهد شاهد من أهلها وهو (د. جاك شاهين)؛ المؤلف والناقد الإعلامي المعروف والمستشار الإعلامي السابق بقناة “سي بي إس” الذي قام بدراسة مئات الكتب، ومتابعة الأفلام والمسرحيات.. الأمريكية ولاحق مدى تأثيرها على المواطن الغربي والدور الخطير الذي تقوم به في رسم صورة مشوهة عن الإسلام ثم أعطى ملخصاً لما توصل إليه وقد نشر في جريدة الحياة عدد (10989) 1993م تحت عنوان (حرب الخليج) كتب يقول: (دلت أبحاثي على أن كلمتي عربي ومسلم تثيران ردود فعل عدائية يصعب معها على الجمهور أن يميز الحقيقة من الخيال، لم يتعرض أي شعب في العالم لسوء الفهم كما يتعرض ال270 مليون عربي كما قد يكون الإسلام الذي يعتنقه أكثر من بليون إنسان بينهم 6-8 مليون أمريكي أكثر الأديان معاناة من جهل الآخرين بحقيقته).

ويشير (د. شاهين) إلى أن هوليود قدمت منذ حرب الخليج ما يزيد على 40 فيلماً منها (لعبة القتال) و(نينجا الأمريكي والإبادة) و(الشمس) و(الدرع البشري) وغيرها، وغالت هذه الأفلام كلها في تشويه سمعة العرب والمسلمين إذ عرضت شريطاً لا ينتهي من الصور التي يبدو فيها المسلمون أشبه بشعوب منقرضة لشدة تخلفهم ويمثلون في الوقت نفسه خطراً رهيباً يتهدد الآخرين.. ولعل هذا يفسر ما قام به جلين بيك (Glenn Beck) وهو مذيع ومقدم برامج تلفزيونية وكاتب ومعلق سياسي أمريكي. يقدم برنامج غلين بيك (The Glenn Beck Program) وهو برنامج إذاعي حواري ذو انتشار واسع في الولايات المتحدة تذيعه بريمير راديو نيتوركسPremiere Radio) (Networks فضلاً عن برنامج الأخبار على قناة فوكس نيوز. اشتهر بتأييده القوي لإسرائيل وكراهيته للمسلمين. تصدرت ستة من كتبه قائمة النيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً حيث حلت خمسة منها في المرتبة الأولى عند صدورها. وبيك هو المؤسس والرئيس التنفيذي لـميركيري راديو أرتس ((Mercury Radio Arts وهي شركة إنتاج تتولى إنتاج المحتوى للإذاعة والتلفزيون والنشر والمسرح والإنترنت.

في برنامجه على قناة (فوكس نيوز) تلك الحلقة التي قال في بدايتها أنها ستكون تفسيراً لثورات الربيع العربي وقد بدأ البرنامج وهو يقف جوار شاشة كبيرة غطت الحائط خلفه وعنون الحلقة بـ((The new Islamic khilaphe الخلافة الإسلامية القادمة وقد حاول جاهداً (جلين بيك) في تلك الحلقة أن يشيطن العالم الإسلامي ويصوره باعتباره بعباً قادماً من خلال الخلافة.. وقد استهل برنامجه قائلاً: (سوف أحدثكم اليوم عن أسوأ السيناريوهات التي يمكن أن تحدث وهذا ما يعمل له أولئك الذين يطلبون النصرة ثم يشير إلى خارطة العالم الإسلامي ويقول إذا أشرت إلى منطقة وأضأت باللون الأخضر فهذا يعني أنها قد ضمت إلى دولة الخلافة ثم يشير إلى الأردن فيقول إن الملك فيها هو دمية في أيدينا لكنهم يطالبون بالتغيير هناك، وسوريا أيضاً حاكمها هو دمية متحركة ولكنه يعاني من الثورة عليه أتعرفون ماذا سيحدث؟ وأنتم تحصلون على نفطكم من هذه الأماكن ونيجيريا والصومال والسودان كلهم يطالبون بالشريعة الإسلامية وهناك تواجد للقاعدة في الجزائر وكلها دول ساخنة تشكل منطقة نشاط للقاعدة، وإذا انتقلنا إلى المغرب نجد أن الملك فيها يناضل ضد القاعدة التي لها جنود هناك أيضاً، وفي العراق وجميع الذين في هذه المنطقة يريدون المنطقة أن تكون مجالاً لخلافتهم والخلافة يمكن أن تقوم في العراق، ثم ينتقل إلى السعودية فيقول إن حكامها يواجهون مجموعات صغيرة من القاعدة.. ماذا سيحدث الآن جميع الدول ضعيفة أمام دعاة الخلافة ثم يصيح يالله يالله يالله الخلافة ستقوم الخلافة ستقوم ثم تقوم الخلافة فنخسر آسيا والمنطقة برمتها، ثم ينتقل إلى المغرب فيقول إذا انتقلت الخلافة إلى هنا قد تغلق هذا المضيق وقد كانت إسبانيا في السابق جزءًا من بلاد المسلمين وهناك وجود كثير للمسلمين فيها وهي الآن في خطر، إليكم ما سيحدث إنه أسوأ كابوس للغرب لكنه أفضل ما تتمناه الأحزاب الإسلامية التي تطالب بالنصرة ونحن لا نتكلم عن عامة الناس وإنما نتكلم عن الأشخاص الذين يطلبون النصرة) ويقول في نهاية برنامجه: (إنهم يخدعونكم إن الإعلام يخدعكم عندما يقول لكم إن هذه الشعوب تطالب بالديمقراطية والحرية إنها ليست ديمقراطية بل خلافة إسلامية) وهكذا يحاول (جلين بيك) أن يشيطن المسلمين ويصور للغرب أن الثورات التي تقوم بها شعوب المنطقة هي ثورات البربرية والهمجية وهي خطر على الغرب وعلى مصالحه في المنطقة، ولعل هذا يتماشى مع ما كتبته (زينو باران) مديرة قسم الأمن الدولي في مركز نيكسون في عدة حلقات دراسية عن أهداف حزب التحرير ومما جاء في هذه الحلقات:

“هذا الحزب ليس تنظيماً دينياً، إنه حزب سياسي يستخدم الدين كأداة”، وقد قدمت شهادتها إلى إحدى لجان الكونغرس فقالت: “إن حزب التحرير يشكل مجموعة من التهديدات للمصالح الأمريكية، وهو يساهم في خلق تمايز وانفصال بين الغرب والمسلمين ويسهم في بث روح العداء لأمريكا والسامية”، وأضافت محذرة الكونغرس: “إن حزب التحرير هو الحزب الوحيد الذي يتحدث عن الخلافة بمفهوم جامع لكل الأمة وليس في الدولة أو الدول التي يدعو فيها مثل الجماعات الأخرى”، وقالت في تقريرها: “يجب على الدول الغربية أن تتفق على منع الحزب عن العمل وتوصي بأن أفضل الحلفاء للغرب في هذا الصراع هم المسلمون المعتدلون، ويجب إعطاؤهم مساحة سياسية كي لا يبقى الإسلام أسيرا في أيدي المتطرفين”.

ولعل هذا ما يفسر التعامل (الباهت) و(الميت) الذي يباشره الإعلام في بلاد المسلمين مع حزب التحرير ودعوته للخلافة وهنا يجدر بنا أن نسوق مثالاً حياً على المسامع والأبصار حتى يعلم القاصي والداني حجم المؤامرة التي تتعرض لها الأمة الإسلامية من قبل وسائل الإعلام التي تحجب الأخبار التي تتقاطع مع مصالح الغرب حيث كانت آخر تلك التصرفات من الإعلام ما ظهر من خلال ذلك العمل السياسي الكبير الذي قام به حزب التحرير يوم 4 رجب 1435هـ حيث عقد الحزب مؤتمراً عالمياً بكل معنى الكلمة حيث توافدت المكاتب الإعلامية للحزب من كل دول الربيع العربي؛ تونس ومصر وسوريا واليمن وكان المؤتمر تحت عنوان: (طوق النجاة رؤية إسلامية صادقة حول المعالجات الصحيحة لمشاكل السودان دون انتكاسات الربيع العربي)، وقد عرض المؤتمرون رؤية كفاحية بينوا فيها فرضية العمل لإخراج الاستعمار بكل أشكاله من بلاد المسلمين والعمل على قطع يد المستعمر وطالب المؤتمرون أبناء الأمة بالقيام بثورة حقيقية على أساس الإسلام حتى تقام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

ولما كان العمل الذي يقوم به حزب التحرير مصادماً لمصالح الغرب كان طبيعياً أن تتخذ وسائل الإعلام موقفاً يتوافق مع مصلحة المستعمر فليس من مصلحة الغرب أن تتسع دائرة الوعي لدى الأمة الإسلامية لأن الوعي هو بداية الانعتاق والتحرير ولأن الثورة المبدئية الإسلامية إنما تعني خروج المستعمر من بلاد المسلمين، ومن هنا فقد استعمل الإعلام نظرية البوابة لمنع مثل هذه الخطابات التوعوية الثورية.

وما تقوم به هذه المستوطنات الإعلامية في بلاد المسلمين من صد ومنع للفكر الإسلامي من النشر لهو أبلغ دليل على أن هذا الإعلام في منطقتنا الإسلامية هو عبارة عن مستوطنات إعلامية غربية بامتياز تعمل هنا للحفاظ على مصالح المستعمر، والواجب يحتم علينا العمل لإيجاد نظام الخلافة الذي يقوم فيه الإعلام برسالة نهضوية صادقة من أجل سعادة البشرية.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام الدين أحمد أتيم
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

 

2014_05_12_Media_settlements_in_Islamic countries_AR_OK.pdf