Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق تربية الجيل القادم من المسلمين في بريطانيا تصبح جريمة (مترجم)

إننا بصفتنا جالية مسلمة تعيش في بريطانيا نعلم أننا نتحمل مسؤولية ضخمة تتمثل في تربية أولادنا على نحو يتمسكون فيه بدينهم. ولذلك نريد أن نربي أشخاصاً كباراً يرعوننا عندما نطعن في السن، ويحملون القرآن في قلوبهم، ويعتنون بجيرانهم، ويقولون الصدق في كل حين بغض النظر عن النتائج، ويمشون على الأرض هونا. وذلك لكي نكون مطمئنين من أنه، بعد أن يدركنا الموت، سيكون الإسلام هو الهادي والدليل لجاليتنا.

غير أننا نعرف كذلك العقبات التي تعترض حمل الإسلام على هذه الصورة، ونعلم ما يواجه هذا الحمل من تحديات. فقد جعلت مسودة تقرير أوفستيد الملعونة بشأن المدرسة الإسلامية في لوتون وقضية حصان طروادة المشؤومة بشأن مدارس بيرمنغهام، جعلا الآباء والمربّين المسلمين يشعرون أن جهودنا مع أمّة الغد مشكلة حقيقية.

إن هذه الحملة التي تشنّ ضد الجالية المسلمة، كما لو كانت خارجةً على المجتمع، لتدل على شيء واحد، وهو أنه بالرغم من وجود مجموعة واسعة متنوعة من المدارس الدينية التي تتبع جاليات كثيرة، نصرانية ويهودية وهندوسية، فإن مدارس المسلمين وجهود الآباء المسلمين وحدها هي التي ينظر إليها على أنها تهديد للمجتمع. فالجالية النصرانية، التي تمتلك أكبر عدد من المدارس الدينية في طول البلاد وعرضها، ما زالت في معظمها تعتقد بالفعل أن المِثلية الجنسية خطيئة. وقد أصدر كبير الأساقفة في الآونة الأخيرة توجيهاً لمعالجة رُهاب المِثل في المدارس ما زال يُقرّ فيه بالنظرة الدينية لهذا الأمر. كما أن اليهود الأرثوذكس يؤمنون بالفصل بين الجنسين، وهذه مدارسهم منفصلٌ بعضها عن بعض في بريطانيا. ولذلك يبدو أن الإسلام وحده هو الذي يُتخذ كيس لَكْمٍ لآراء جروف (Grove)، الذي يمعن في نثر كُناسته التحريضية حول مدارس المسلمين. وكل ذلك لأن أي شيء يعادي الجالية المسلمة يمكن أن يُتلقّى بالاستحسان تحت شعار معالجة التطرّف.

وقد تبدو هذه الحملة الضارية كعملاق ضخم يصعب التغلب عليه، كما كانت الحال مع فصل الجنسين عن بعضهما في الجامعات ووضع النقاب في الحياة العامة. إلا أنه يجب علينا الصمود في وجهها ومحاولة ردّها على أعقابها، واثقين من أن الله سبحانه وتعالى سيقف معنا ويعيننا على ذلك. ويجب علينا كوننا جالية كذلك أن نقف وقفة رجل واحد، وأن نرفض ونقاوم هذا الضغط الذي يجرّب أن يحول بيننا وبين تنشئتنا وتربيتنا لجيلنا القادم على أساس الإسلام. فهذا أمرٌ لا يمكننا التنازل عنه ولو قيد شعرة. أما إن تساهلنا في ذلك، أو ساومنا عليه، فإننا لن نحصد سوى شرعنة الحط من قدر جيلنا وتشويه سمعتنا. لذا، يتعين علينا أن ندوس ونتجاوز الفكرة التي يجري ترويجها، من أننا نحاول تعليم أطفالنا أشياء ضارّة بالمجتمع، ما يولّد الكراهية ويُنجب الإرهابيين! إن قضية تربية أولادنا على الإسلام، كما نعلم، لا يمكن لها بأي حال أن تتخطى قول الله عز وجل، وقوله الحق: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [سورة التحريم: 4].

ذلك أن هذه الآية الكريمة تثبت حُجّيتها اليوم كما ثبتت بالأمس وكما ستثبت غدا. وهي تفرض علينا أن نبذل أقصى طاقتنا لوقاية أطفالنا من نار جهنم، على الرغم من الضغط الهائل الذي نشعر به في مواجهة عمالقة وسائل الإعلام والساسة المعادين للإسلام. خصوصاً وأن الكثير منا ما زالوا بحاجة لأن يثيروا، خلال اجتماع أولياء أمور الطلبة في المدارس، مسألة كيف سيتجاوز أولادنا اليوم الدراسي في رمضان في ظل هذا المناخ، كما أن من المفيد التفكير في إرسال أطفالنا إلى مدرسة إسلامية كي يدرسوا الدين هناك. يجب علينا أن نتحلى بالشجاعة وأن نواصل المسير. وقد حان الوقت لنضاعف جهودنا، لا أن نقلّصها.

إن المدارس الإسلامية، والحق يقال، كانت واحداً من أكبر إنجازات السكان في بريطانيا. لقد جمعت الجالية المسلمة، على الرغم من أنها أقلية، الأموال التي كانت في أمسّ الحاجة إليها من أجل إنشاء ثروة كبيرة من المدارس التي باتت تنتشر في البلاد طولاً وعرضا. وسعت هذه المدارس جاهدةً لتغرس في الجيل القادم القيم النبيلة، التي لا يمكن لها إلا أن تنفع المجتمع الذي سيعيشون فيه. إذ إن فكرة استشعار وجود الله عز وجل مع الإنسان في كل زمان ومكان، وإحساس المرء بأنه مسؤول عن أفعاله، وقيم الرأفة والرعاية والمسؤولية عن مد يد العون لأفراد المجتمع، التي يتشرّبها الأطفال من التربية الإسلامية، كلها تعدّ أموراً حاسمة وحيوية لمن سيصيرون غداً كبارا. والحقيقة أن المدارس الإسلامية تخرّج أطفالاً تشتد حاجة الجالية المسلمة اليوم بالذات إليهم، وعلى وجه خاص في هذا الوقت الذي تلفّ الشبابَ النزعةُ الماديّة والفرديةُ الأنانية وثقافةُ المُتع فيه من كل جانب. ومن ثم فإن الزعم بأن المدارس الإسلامية تنتج أناساً مؤذين للمجتمع ليس تشهيراً مفضوحاً بأخسّ صورِه فحسب، بل وباعثٌ على الضحك سخريةً أيضا. ولينظر من يدّعون ذلك إلى الأعداد الكبيرة من مدارس الدولة التي تعاني الأمرّين في محاولة جعل الطفل يحترم معلِّمه.

صحيحٌ أن المسألة هي في نهاية المطاف هجومٌ جديد على ديننا وعلى طريقة عيشنا، وقد نشعر أننا لا نملك القوة الكافية للوقوف في وجهه. فلنتذكر هنا أن نبيّ الله داود عليه السلام هو الذي تقدم الصفوف ووقف في وجه العملاق جالوت، بالرغم من معرفته بأن معركته تبدو لا أمل فيها ظاهريا. إلا أنه عليه السلام كان يعرف أيضاً الأهمية الكبرى للوقوف حينها نصرةً للحق.

كان والده قد أمره عليه السلام حتى بعدم القتال، لأنه كان يظنه صغيراً جداً وضعيفا. إلا أنه تقدم وثابر، وكما قال الله تبارك وتعالى، كان هو جلّ شأنه الذي أعطاه ملَكة اتخاذ القرار الصائب الحاسم، حيث قال سبحانه: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [سورة ص: 20].

إن شعورنا بأنه تجري محاولات حثيثة لحشرنا في الزاوية له ما يبرره، حيث إننا جالية قليلة العدد وإمكانية وصولنا إلى وسائل الإعلام محدودة. غير أن قصص الأنبياء عليهم السلام التي نقرأها لأطفالنا تعطينا درساً بليغاً في المثابرة، بالرغم من صعوبة ذلك. إننا لا نشكّل الأحداث كنتيجة لما نبذله من جهد. بل الله عز وجل وحده هو الذي يملك القوة والقدرة على ذلك.

أخيراً، لو قُدّر لنا أن نغوص في مستقبلنا مدة خمسين عاماً من الآن، لنرى جالية لم يكن إسلامها سوى جزءٍ من اسمها، لا غير، لحلّ بنا الدمار. فالحياة لمجرد الحياة لا تعني شيئا، وما يعطيها قيمة هو أن نعيشها مع إسلامنا، وفي ظل، دين ربّنا سبحانه وتعالى.

إن السبيل للحفاظ على الإسلام وصونه لم تكن مهمةَ آخِر رُسل الله سبحانه وتعالى فقط، وإنما أصبحت كذلك هي مهمة هذه الجالية قليلة العدد في بريطانيا في القرن الـ 21.

 

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شوهانة خان
الممثلة الإعلامية للنساء في حزب التحرير في بريطانيا