خبر وتعليق مهرجان موازين
الخبر:
“عرف مهرجان موازين أول أمس الجمعة إحياء المغني الشهير بميوله الجنسية ريكي مارتن لحفل صاخب بمنصة السويسي بالرباط والتي حضرها حوالي 150 ألف شخص، واستمر إلى وقت متأخر من الليل. وفي سابقة في تاريخ المغرب الإسلامي وفي عهد حكومة الإسلاميين، أقدم مجموعة من المثليين على رفع علم النضال أو بالأحرى علم الفخر بالمثلية كما يصطلح عليه فيما بينهم، كما يظهر في المقطع للفيديو الذي تم تداوله على الفيسبوك.” نقلا عن موقع هبة بريس يوم 2014/06/08، كما نشر موقع أخبارنا أن “مجلة أصوات للمثليين المغاربة (aswat magazine)نشرت “فيديو عن هذا الحدث وقالت أن المغني المثلي ريكي مارتن قام بشكر هؤلاء النشطاء على ذلك وحيا من رفع علم الفخر بالمثلية”.
التعليق:
فيما أصبح الآن تقليداً سنوياً، تعقد هذه الأيام الدورة الـ13 من مهرجان موازين سيئ الذكر (بمشاركة 1500 مغنٍّ ومغنية!)، ورغم وجود شبه إجماع على إنكار انعقاد هذا المهرجان منذ انطلاقته صيف 2001 لما يمثله من فساد أخلاقي وتبذير للأموال، فإن المهرجان استمر في الانعقاد سنة بعد سنة، ضارباً بعرض الحائط كل الانتقادات.
والعجيب أن هذا المهرجان يعقد سنوياً في فترة امتحانات البكالوريا بما يترتب على ذلك من إشغال للطلبة وإلهاء لهم عن التحضير. ورغم كل المطالبات بتأجيله إلى ما بعد الامتحانات إن كان أصحابه مصرين على إقامته، إلا أن منظمي المهرجان يصرون على عقده في الفترة نفسها.
وقد يتساءل البعض عن سبب الإصرار على عقد هذا المهرجان، وما يبرر إنفاق المبالغ الضخمة على المغنين القادمين من شتى أصقاع الأرض، فيما تعاني شرائح عريضة من إخواننا من الفقر والتهميش، وفي وقت تضطر الدولة إلى الاقتراض لسداد عجز الميزانية وتمويل المشاريع (آخرها قرض من البنك الدولي بقيمة 459 مليون دولار أعلنت عنه وزارة الاقتصاد والمالية في 2014/05/28). كما قد يتساءل البعض عن سبب عجز كل المطالبين مع كثرتهم عن ثني الدولة عن عقد هذا المهرجان حيث أثبت المهرجان على مر السنين أنه أقوى من كل الهيئات السياسية وما يسمى حركات المجتمع المدني بما أن كل مطالباتهم ذهبت أدراج الرياح. لقد كان حزب العدالة والتنمية الحاكم حالياً، حين كان في المعارضة، يرفع عقيرته إلى السماء مطالباً بإلغاء هذا المهرجان، وإنفاق الأموال فيما ينفع الناس، لكنه حين سُلِّم الحكم لحس مطالباته وتراجع عن العمل لإلغائه.
أما إصرار الدولة على عقد المهرجان، فيجب ملاحظة أن هذا المهرجان ليس الوحيد الذي يعقد وإن كان أكبرها وأكثرها كلفة وبالتالي إثارة للجدل، فهناك إلى جانب موازين عشرات المهرجانات الغنائية التي تعقد سنوياً في طول البلاد وعرضها. أي أن المهرجانات تدخل ضمن مخطط سياسي متكامل وليس عملاً فردياً أو ارتجالياً تقوم به جهة هنا أو هناك. وقد برزت معالم هذا المخطط شهوراً بعد تفجيرات الدار البيضاء في 2003/05/16. وقد نسبت هذه التفجيرات كما هو معروف “للمتطرفين الإسلاميين”، وقيل حينها أن “التشدد الديني” هو المغذي الفكري لها. لذلك فالحل هو، بالإضافة طبعاً إلى شقه الأمني القاضي باعتقال كل من يشتم فيه رائحة الانتماء للحركات الإسلامية “المتطرفة”، هو إعلان الحرب على القيم الدينية بتشجيع المهرجانات الهابطة وإنتاج الأفلام والبرامج التي تروج لاختلاط الرجال بالنساء وإشاعة الفساد. وقد سارت الدولة على هذا المنهاج من ذلك الحين إلى اليوم ولم تبدل تبديلاً بل عمدت إلى زيادة الجرعة يوماً بعد يوم حتى صار ما كنا ننكره بالأمس القريب شيئاً مقبولاً وعادياً اليوم. تداولت المواقع الرقمية مؤخراً (2014/05/12)، خبر توقيع اتفاقية بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزارة الصحة تهدف إلى «تخفيف التمييز والمحافظة على حقوق الفئات السكانية الأكثر عرضة» لخطر الإصابة بالسيدا، وكذلك تلك المتسمة بـ«الهشاشة» و«المتعايشين» مع الفيروس المسبب لهذا المرض. وتضم هذه الفئات أساسا العاملات في الجنس والمثليين المصابين إلى جانب المتعاطين للمخدرات التي تؤخذ عبر الحقن. وأوضح أحمد الدريدي، المنسق العام لفروع الجمعية المغربية لمحاربة السيدا أن «التمييز يؤدي إلى الوصم، وبالتالي المنع من الوقاية والعلاج. فعاملات الجنس والمثليون لا يتمكنون، مثلا، من إجراء التحاليل، وبالتالي لا يدخلون منظومة الوقاية»، كما أن «عاملة الجنس التي يوظف الأمن العازل الطبي الذي يعثر عليه بحوزتها كدليل يدينها ستمتنع عن استعماله، وبالتالي، نفتح المجال أمام مزيد من احتمال نشر الفيروس». وأياماً قليلة بعد هذا الإعلان، صرح أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في 2014/05/15 رداً على سؤال في مجلس النواب بخصوص حملة أطلقتها إحدى المجموعات للمطالبة بحقوق الشواذ بوجوب التعاطي مع هذه الظاهرة بالحكمة والموعظة الحسنة! سبحان الله، فقط حين يتعلق الأمر بالدعارة والشذوذ الجنسي يظهر الحنان والرعاية والحكمة والموعظة الحسنة، أما المحتاجون ممن ينهش الفقر والبرد والظلم لحومهم، فهؤلاء ما لهم من الحنان نصيب!
أما عجز الجميع عن إلغاء المهرجان، فمن جهة لما ذكرنا سابقاً من كونه سياسة ثابتة للبلد لها هدف محدد، ومن جهة أخرى لكون المهرجان يعقد تحت “الرعاية السامية للملك”، وكونه كذلك يعني أن كل الإمكانيات يجب أن تسخر لخدمته مهما كانت التكاليف، وأن الوقوف في وجهه يعني الوقوف في وجه الملك وهذا ما لا تقوى أي حركة سياسية على فعله، وهذا سبب تراجع حزب العدالة والتنمية عن موقفه.
بقيت مسألة يحتج بها المدافعون عن هذا المهرجان، وهي أن الدولة، ابتداءً من 2011، لم تعد هي من يُموِّل المهرجان كما كان الأمر سابقاً وإنما أصبح يتم تمويله من طرف الحاضنين وبيع التذاكر والمساحات الدعائية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تبذير لأموال الدولة. فإن افترضنا صحة هذا، وهو ليس صحيحاً، فقد ظهرت مؤخراً وثيقة على المواقع (الاجتماعية) تثبت تمويل المكتب الشريف للفوسفات لمهرجان موازين 2014 بمبلغ 2 مليون درهم. نقول وإن افترضنا صحة هذا، فإن الموقف من المهرجان ليس نابعاً فقط من كونه يبذر أموال الأمة في وقت تحتاج فيه إلى كل درهم من أموالها وهذا لا يشكك أحد في حرمته، ولكن أيضاً من كونه حراماً لما يلازمه من اختلاط وفسق وعري ودعوات إلى الفجور، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
إن القول بحرمة مهرجان موازين وكل مهرجانات الفساد التي تعقد سنوياً هي مما لا يختلف فيه من أوتي أدنى نصيب من العلم الشرعي، لكن الدولة عندنا عودتنا أنها لا تقيم وزناً لأحكام الشرع، لذلك فقد فقدنا الأمل في إمكانية أن تراجع موقفها من نفسها، لكننا نعيب على العلماء والمخلصين من أهل الفكر والرأي، إلا من رحم الله، أنهم لا يأخذون على أيدي الدولة ولا يشددون عليها النكير، ويتركون السفهاء يعيثون في الأرض فساداً، يبذرون الأموال ويشيعون الفاحشة.
إن انعقاد هذا المهرجان وأمثاله، والشيوع المتعاظم يوماً بعد يوم للفاحشة والفساد بين أبنائنا هي نتائج مخطط لها لسياسة مقصودة، وهي قبل ذلك إحدى ثمار بعدنا عن تطبيق شرع ربنا، فمن كان منكم حريصاً على وقف هذا المهرجان ووضع حد لهذا التدهور الأخلاقي، فالحل معروف، دولة تطبق الشرع، وتلغي فوراً كل ما يخالف أوامر ربنا. فهل من مستجيب؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله