خبر وتعليق زيف الاقتصاد الرأسمالي وعوراته
الخبر:
أعلن البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس الموافق 2014/06/05 التخفيض في نسب الفائدة الى مستويات قياسية وأعلن – وفي سابقة لم يشهدها النظام الرأسمالي – اعتماد نسبة فائدة أقل من الصفر (-0,10%) على إيداعات البنوك التجارية الأوروبية بالبنك المركزي الأوروبي (المستقرّة منذ جويلية 2012 في 0%). هذا يعني أنّ البنك الذي يودع مليون يورو مثلا بالمؤسسة المالية الأوروبية يكون رصيده في السنة الموالية 999000 يورو فقط وفي السنة الموالية 998001 يورو فقط وهكذا. أي أنّ المودعين عوض أن يحصلوا على فائدة من الإيداع يتحمّلون كلفة الايداع.
التعليق:
يشهد الاقتصاد الأوروبي بطئا في النمو يتزامن مع انخفاض في نسبة التضخّم وارتفاع لقيمة اليورو مما يزيد النمو بطئا ويدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة تلقي به في مستنقع الركود والكساد.
إنّ رئيس البنك الأوروبي يرى أنّ هذا الإجراء قد يمكّن الاقتصاد الأوروبي من الخروج من تلك الحلقة المفرغة. حيث إنّ التخفيض في نسبة الفائدة يجعل البنوك تتجنّب إيداع أموالها بالبنك المركزي الأوروبي وتلجأ إمّا إلى إقراضها للمستهلكين والمستثمرين ممّا يحرّك السوق ويحفّز النمو أو إلى إيداعها بعملات أجنبية ممّا يقلّل من ارتفاع قيمة اليورو فيحفّز تدفّق الاستثمارات الأجنبية ويدفع النمو داخل الاتحاد. وبذلك يخرج الاقتصاد من الحلقة المفرغة.
إنّ رئيس المؤسّسة المالية الأوروبية باتخاذه هذا الإجراء يكون قد اهتمّ بمعالجة النتائج دون البحث في علاج الأسس. ويكون قد جهل أو تجاهل أسس الرأسمالية الفاسدة والفاشلة في معالجة المشكلة الاقتصادية.
إنّ الرأسمالية مبنية على عقيدة فصل الدين عن الحياة التي تفقد الإنسان الوازع الروحي ولا تترك فيه سوى الدوافع المادية الرخيصة. هذه العقيدة تجعل الدافع الوحيد للعمل والإنتاج هو تحقيق الربح المادي الذي إن انعدم أو قلّ يفقد الإنسان دوافع العمل والإنتاج.
إنّ الرأسمالية ترى أنّ المشكلة الاقتصادية تكمن في الفجوة ما بين حاجات الإنسان ووسائل إشباعها وأنّ علاج هذه المشكلة الاقتصادية يكون بالوصول إلى أرفع مستوى ممكن من الإنتاج الأهلي. ولزيادة الإنتاج عوّلت الرأسمالية على دافع الإنتاج وهو الربح الذي انفصل عن الإنتاج وصار بحد ذاته هدفا. فلم يعد الإنسان موضع الاهتمام والعلاج بل صار ينظر له في النظام الرأسمالي بمقدار ارتباطه بالناتج الاقتصادي. ولم يعد الإنتاج في النظام الرأسمالي موضع الاهتمام بل صار ينظر له بمقدار تحقيقه للربح. لذلك فالتشخيص الخاطئ للمشكلة الاقتصادية هو السبب في عدم التوصَل إلى حل هذه المشكلة.
ألغت الرأسمالية الذهب عن كونه الغطاء النقدي، واعتمدت نظام النقود الورقية الإلزامية الذي يجعل قيمة النقد معرضة للتقلّبات بين الحين والآخر. ولا أدل على ذلك من أن نقد جميع الدول بدون استثناء تعرّضت قيمته للتقلّبات ولم تسلم منه حتى الدول والتكتّلات المتقدّمة اقتصاديا. فارتفاع قيمة اليورو مثلا يقلّص تدفّق الاستثمار من خارج الاتحاد بسبب ارتفاع كلفته.
إن البورصات في الرأسمالية هي أسواق مالية تقوم على التجارة والمضاربة في الأوراق المالية، مثل السندات والأسهم. أريد من هذه الأسواق في أول أمرها أن تكون وسيلة لتمويل المشروعات الإنتاجية الكبرى، إلا أنها ما لبثت أن أصبحت بذاتها تجارة ومضاربة في الأوراق المالية بمعزل عن أي إنتاج وبفعل تلك المضاربات في الأسواق المالية أصبحت هناك تجارة وهمية تفوق بمئات المرّات التجارة الفعلية. وبذلك صار هناك ربح مفصول عن المشروعات الإنتاجية والاقتصاد الحقيقي.
إن البنوك في الرأسمالية هي وسيط بين المودعين والمقترضين. فتدفع للمودعين نسبة فائدة على إيداعاتهم وتقرض أموال المودعين للمقترضين قصد تمويل مشروعاتهم الإنتاجية وتأخذ منهم نسبة فائدة أعلى. أريد من البنوك أيضا في أوّل أمرها أن تكون وسيلة لتمويل المشاريع الإنتاجية لكنّها سرعان ما أصبحت شركات تسعى إلى تحقيق أرباح ربويّة على حساب المودعين والمقترضين والمشروعات الإنتاجية.
إنّ الرأسمالية فاسدة في الأسس وفاشلة في المعالجات. وإنّ اعتماد نسبة فائدة تحت الصفر الذي أعلنت عنه المؤسّسة المالية الأوروبية والذي يضاف إلى العديد من سلوكيّات الحكومات الرأسمالية من تدخّل في الأسواق المالية بصورة مباشرة وتأميم لكبرى البنوك والذي يعتبر تجاوزا للمفاهيم الأساسية التي ينص عليها المبدأ الرأسمالي ليدلّ على أنّه مهما كانت الإجراءات التلفيقية المتّخذة فلن تتمكّن الاقتصاديّات الرأسمالية من الخروج من مستنقع الأزمات التي كشفت زيفها وأظهرت عوراتها وسوءاتها وهشاشتها.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ لسعد بن رمضان – تونس