مع الحديث الشريف باب ما للرجل من مال ولده
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في حاشية السندي، في شرح سنن ابن ماجة “بتصرف” في باب “باب ما للرجل من مال ولده”.
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ إِسْحَقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: “أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ”.
(يجتاح) أي: يستأصله، أي: يصرفه في حوائجه بحيث لا يبقى لي شيء، وظاهر الحديث أن للأب أن يفعل في مال ابنه ما شاء، كيف وقد جعل نفس الابن بمنزلة العبد مبالغة، لكن الفقهاء جوزوا ذلك للضرورة. وفي الخطابي يشبه أن يكون ذلك في النفقة عليه بأن يكون معذورا يحتاج إليه للنفقة كثيرا، وإلا يسعه فضل المال، والصرف من رأس المال يجتاح أصله ويأتي عليه، فلم يعذره النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يرخص له في ترك النفقة، وقال له: أنت ومالك لوالدك على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منه قدر الحاجة كما يأخذ من مال نفسه.
إن أحكام الإسلام أحكام شاملة لجميع مناحي الحياة، ولا تقف عند حد الصلاة والصيام، فإذا تحدثت عن العلاقات الدولية تجد أحكاما تتعلق بها، وإذا تحدثت عن فراش الزوجية وجدت أحكاما تتعلق بها، وإذا تحدثت عن علاقة الإنسان بنفسه وبخالقه وبغيره من الناس، وجدت أحكاما تتعلق بها، ونحن في هذا الحديث بصدد بيان علاقة الابن بأبيه، من خلال هذا الحكم الشرعي، إذ لا يمكن أن يصل الأمر، أن تكون النفس والمال- وهما أغلى ما يملك الإنسان- ، مقابل رضى الأب، إلا بعد مرحلة طويلة من الاحترام والتقدير والطاعة من قبل الابن لأبيه، وكلها أحكام شرعية، ويكفي في ذلك أن نعرف أن الله تعالى، جعل مكانة للأب وللأم لا تضاهيها مكانة، وذلك من خلال قوله تعالى:”وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا”، فأي مكانة بعد هذه المكانة؟ وأي شرف بعد هذا الشرف؟
إلا أن الأمر- أيها المسلمون- لم يعد كذلك أي ليس وفق أحكام الإسلام، وما ذلك إلا لابتعاد المسلمين عن حقائق هذه الأحكام، وانغماسها بالحياة المادية الجافة من كل رحمة، فلا البنت تراعي أمها في حديثها وأفعالها، ولا الابن يكترث بأبيه وبكبر ِسنّه، إلا من رحم ربي، وما هذه الأجواء إلا لأننا ابتعدنا عن أحكام الله، بفعل حكامنا الذين خلقوا لنا الأعباء والهموم في حياتنا، فعلام – بعد ذلك – نسكت على وجود من يريد إلغاء وجودنا؟ وعلام لا نعمل على تطبيق شرع ربنا الذي فيه سعادتنا في الدارين؟
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.