مع الحديث الشريف باب وجوب صوم رمضان
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني بتصرف في ” باب وجوب صوم رمضان”:
حدثنا قتيبةُ بنُ سعيدٍ حدثنا إسماعيلُ بنُ جعفرٍ عن أبي سُهيلٍ عن أبيهِ عن طلحةَ بنِ عُبيدِ الله، أنّ أعرابياً جاء إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثائرَ الرأسِ فقال: يا رسولَ الله أخبرني ماذا فرضَ اللهُ عليَّ من الصلاة؟ فقال: الصلواتُ الخمس، إلا أنْ تَطَوَّعَ شيئاً. فقال: أخبرني ما فرضَ اللهُ عليَّ من الصيام؟ فقال: شهرُ رمضان، إلا أنْ تَطَوَّعَ شيئاً. فقال: أخبرني بما فرضَ اللهُ عليَّ من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائعَ الإسلام. قال: والذي أكرمك لا أتطوعُ شيئاً ولا أُنْقِصُ مما فرضَ اللهُ عليَّ شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إنْ صَدَقَ، أو دخل الجنة إن صدق.
إن ممّا جاء في الحديث، أن الصومَ فرضُ عينٍ على كل مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ، فهو ركنٌ من أركانِ الإسلامِ الخمسة، وقد ثبت وجوبُهُ بالقرآنِ، والسنة، والإجماع، فقال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “. وقال تعالى:” فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ “.
وقد أجمع الصحابة والمسلمون من بعدهم على فَرْضِيَّةِ الصوم، وعاش المسلمون في عهد الإسلام شهورَ رمضانَ، صياماً وقياماً وتعبداً وذكراً وطاعةً وتقوى، بعيدين عن كل ما يُنَغِّصُ حياتَهم التعبدية، فأَعْطَوْا رمضانَ حقَّهُ الذي عليهم، ونَهَلوا منه ما نَهَلوا، وتمتعوا بهذه العبادة أيَّما تمتع.
إلا أننا اليوم نستقبلُ رمضانَ، هذا الضيفَ الكريمَ، وحالُنا لا يَسُرُّ صديقاً، نستقبل هذا الضيفَ بالدماءِ التي تسيلُ من أبناءِ هذه الأمةِ، في كافةِ الميادين، فأينما وضعت إصبعك على خارطة المسلمين، رأيت جرحاً غائراً، ونَزْفاً يتدفقُ، نستقبلُ هذا الشهرَ الكريمَ، بالحكامِ الذين أشبعوا الأمةَ بالمسلسلاتِ الساقطةِ، والمسابقاتِ والفوازيرِ والمسرحياتِ الهابطة، وخِيَمٍ أطلقوا عليها زُوراً وبهتاناً خِيَماً رمضانية، ورمضانُ منها بريء، وغير ذلك الكثيرُ الكثيرُ من البرامج التي تَهْدِفُ إلى إبعادِ الأمةِ عن هذا الفرضِ العظيمِ، ما جعل المسلمين، يفقدون هذه المتعةَ في التعبد، وجعلهم يستصعبونَ هذه العبادةَ، حتى إنَّ بعضَهم تركها، أو صامها خَجَلاً وتماشياً مع الواقع والأعراف.
أيها المسلمون: إن رمضانَ حتى يُعاشَ كما أمَرَ اللهُ، لا بدَّ من اكتمالِ تطبيقِ الإسلامِ، فأحكامُهُ آخِذٌ بعضُها برقابِ بعضٍ، لا بدَّ من نظامٍ سياسيٍّ يَجْمَعُ شَمْلَ الأمةِ أولاً، فيشعرَ المسلمُ أنه عزيزٌ، وأنّ هناك مَنْ يحميْهِ ويدافعُ عنه، ولا بد من نظامٍ اجتماعيٍّ، يَمْشِيْ المسلمُ من خلالِهِ في الأسواقِ فلا يرى كاسياتٍ عارياتٍ، ولا بد من نظام تعليمي، يتعلمُ من خلالِهِ المسلمُ أمورَ دينِه ودنياه، فلا يُعلّمُ أو يتعلمُ “خَمْرِيَّاتِ أبي نُوَاسٍ” في هذا الشهرِ الكريمِ ولا في غيرِهِ. ولا بد من نظام قضائي واقتصادي وغيرِه من الأنظمة التي تديرُ دِفَّةَ المجتمع على أساس الإسلام. هذه كلُّها أجواءُ رمضانَ، وليستْ أجواؤُهُ السَّهَرَاتِ الرمضانيةَ ومبارياتِ كرةِ القدمِ ومسابقاتِ الْجَمالِ والألعابِ، فهذا الضَّياعُ جعلَ رمضانَ ضيفاً ثقيلاً على بعضِ المسلمين. ويَعُدُّهُ بعضُهم شهرَ أكلٍ وشربٍ، وشهرَ سهَراتٍ، وشهرَ مسلسلاتٍ وأفلامٍ.
وحتى يعودَ إلى عُهودِهِ، شهرَ العزةِ والانتصارات، شهرَ بدرٍ وفتحِ مكةَ وحطينَ وعينِ جالوتَ، لا بد من عودةِ أجواءِ الإسلام، فَتُطَبَّقَ الأحكامُ وأنظمةُ الإسلام، في كافة المجالات، وعلى رأسها عَقْدُ اللواء، وإعلانُ الجهاد، عندها فقط تعيشُ الأمةُ رمضانَ ربِّها، فترضى عنه ويرضى عنها.
فإلى العمل ندعوكم أيها المسلمون، لإقامة صرح الإسلام” الخلافة” جامعةِ الأحكام، كي تعيشوا حياةَ رمضانَ، وحياةَ الإسلامِ من جديد. اللهم افتحْ بينَنا وبين إخواننا بالحق وأنت خير الفاتحين.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.