خبر وتعليق الإسلام لا يقتصر على حل المشاكل المتعلقة بالمأكل والمشرب (مترجم)
الخبر:
خلال الأسابيع القليلة الماضية، سيطرت على وسائل الإعلام الماليزية قضية منتجات شوكولاته “كادبري”. وأكدت وزراة الصحة الماليزية أن عينات من شوكولاته “كادبري” بالبندق والحليب وأخرى بالحليب واللوز تحتوي على الحمض النووي للخنازير. وبعد يوم، أوقفت دائرة التنمية الإسلامية الماليزية إسناد شهادة “حلال” للمنتجات المذكورة. وقال المدير العام لهذه الدائرة، “داتوك عثمان مصطفى” أن هذا الإجراء اتخذ بعد تحليل أجرته وزارة الصحة الماليزية، كما أنه ستجرى المزيد من التحقيقات بشأن مصدر التلوث بالخنزير. ولكن بعد بضعة أيام، أكد رئيس مجلس الفتوى الوطني أن منتجات “كادبري” هي حلال، بالضبط كما كانت قبل التلوث المزعوم. واستند الحكم على حالة “عموم البلوى”، وهي حالة من سوء حظ أو مشقة سائدة ويصعب تجنبها. وما أثار استغراب الكثيرين، هو تراجع دائرة التنمية الماليزية عن موقفها وقالت أن اثنتين من عينات منتوجات شوكولاته “كادبري” لا تحتوي على الحمض النووي للخنازير. هذا بالإضافة إلى مفاجأة من وزارة الصحة الماليزية التي دافعت سابقا عن قرارها، والتي ادعت أيضا في وقت لاحق احتمال ارتكاب خطأ في إعلان وجود آثار الحمض النووي للخنازير في اثنين من منتجات شوكولاته “كادبري”.
التعليق:
إن قصة شوكولاته “كادبري” قصة مليئة بالتناقضات. فقرارات مجلس الفتوى الوطني ووزارة الصحة الماليزية ودائرة التنمية الإسلامية الماليزية المثيرة للجدل، في محاولة لــ”إعادة إضفاء الشرعية” على شوكولاته “كادبري” بعد أن تم تشخيص احتوائها للحمض النووي للخنزير، هي في الواقع قرارات غريبة ومربكة. فقد أفقدها هذا مصداقيتها وأثار حولها تكهنات وشكوكاً بوجود ضغوطات واتجاهات محددة هي وراء تغيير قرارات هذه المؤسسات تغييرا جذريا. إذا كان هذا صحيحا، فإنه من المتوقع من إحدى الشركات العالمية كـ “كادبري” أن تفعل أي شيء ممكن ولن تسكت على أمر قد يسبب خسارة كبيرة لأعمالها، خاصة مع دعم المتحكمين في السياسة لها. أما المسلمون بشكل عام فلن يلمسوا منتجات “كادبري” مجددا فهذه هي حساسية المسلمين في ماليزيا في القضايا المتعلقة بالغذاء، حيث إنهم مستعدون لقطع مسافات طويلة من أجل ضمان أن الأغذية التي يستهلكونها 100% حلال.
هذا أمر جيد، ويعكس بالتأكيد الاهتمام الذي يبديه المسلمون في ماليزيا للطعام الحلال. ولكن، لماذا يتوقف هذا الاهتمام وهذه العقلية على الطعام الحلال فقط؟ من المؤسف بالتأكيد أن حساسية المسلمين على الطعام الحلال آتية من حرمة منتجات الخنزير وهو “كل شيء” بالنسبة لهم كما لو أنه يمثل وحده مفهوم “الحرام”، ويا للتناقض، فقد أهملت العديد من المحظورات الأخرى باستمرار، والتي ينظر إليها كأنها لم تكن جزءا من الإسلام. فإذا كان المسلمون يدركون جيدا حرمة لحم الخنزير، فينبغي عليهم أيضا أن يتركوا جميع المعاملات الأخرى المحرمة مثل الربا، إظهار العورة، الكذب، إيذاء المسلمين الآخرين من خلال القذف والتشهير، الصمت تجاه طغيان القوانين الوضعية، القتال تحت راية عصبية ووثنية وترك مسؤولية حمل الدعوة. من المؤسف بالتأكيد أنه في القضايا المتعلقة بطبيعة تحريم لحم الخنزير يضطرب المسلمون، لكن في قضايا أخرى أكثر خطورة تجدهم غافلين وغير آبهين بها.
كما نشكر ونثني على اتخاذ إجراءات سريعة من قبل دائرة التنمية الإسلامية الماليزية بشأن هذه المسألة. ولكن المؤسف للغاية هو اتخاذ هذه الإجراءات في ما يخص حرمة الخنزير فقط. لماذا لم تثر إلا مسألة الخنزير ولم يتم التحرك إلا من أجلها؟ لماذا لا تتخذ دائرة التنمية الإسلامية الماليزية إجراءات بشأن حرمة النظام الاقتصادي السائد في البلاد والقائم على أساس الربا. لماذا لا تتخذ إجراءات ضد نظام وضعي تتخذه الحكومة الماليزية والذي أدى إلى الوقوع في العديد من المحرمات الأخرى؟ الحقيقة هي أن النظام الرأسمالي العلماني الديمقراطي الذي تطبقه الحكومة، ككل، له جذور عميقة في أذهان المسلمين، ليس فقط في ماليزيا بل في العالم الإسلامي كله. وباعتبار أنه متجذر في أذهان المسلمين، فإنهم غافلون عن حرمته والأسوأ من ذلك يتم قبول هذا النظام بمجمله كقاعدة! وإذا تم فهم هذا فإنه من السهل فهم لماذا قد فشلت دائرة التنمية الإسلامية الماليزية كمؤسسة حكومية إسلامية وستفشل دائماً في تقديس وحماية الإسلام كعقيدة.
وحتى لو كان القادة غافلين أو واعين جدا على حقيقة أن النظام الذي يطبقونه هو على طرفٍ نقيض من الإسلام، فيبقى واقع النظام الحالي لا يحمل أي نية لتطبيق أو حماية أو نشر الإسلام بوصفه عقيدة. ويبدو أن الحكومة مهتمة جدا بهذه الحلقة الأخيرة، لأن القادة هم أنفسهم مسلمون، كما معظم مسلمي ماليزيا، قد تلقوا تثقيفاً بوجهة النظر العلمانية للإسلام وهي كونه لا يتعدى المسائل الشخصية. وحيث يكون دور الحكومة في ما يخص الإسلام، مقتصراً فقط على نطاق محدود جدا من الإسلام. فلا ينظر للإسلام أبداً كدين في مجمله، ولا كحل لجميع مشاكل الإنسان!
يا الله! اهدنا إلى الطريق الصحيح وانصرنا لإعادة دولة الخلافة التي يطبّق فيها الإسلام كله ويكون فيها دينك هو المقياس الوحيد لمعاجلة مشاكلنا.
كتبه لإذاعة المكتب الاعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد – ماليزيا