خبر وتعليق الغرب يخير أوغندا بين المعونات والرذيلة
الخبر:
قال الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في خطاب ألقاه في محفل ديني نصراني “إن ربط المساعدات الغربية بمطالب لمعاملة عادلة مع الشاذين جنسيا شيء غير أخلاقي وخاطئ والأفارقة لا يحتاجون للمساعدة إذا توقفوا عن النوم وعملوا بجد”. وأضاف “أوغندا دولة غنية لا تحتاج لمساعدات.. نحن يجب أن نتحد لنرفض المساعدات.. والمساعدات تكون هامة فقط عندما ينام الشعب” كما قال، ووصف الأمر بأنه “إثم ونذير شؤم، ونرتكب خطيئة إذا قدمت تلك المساعدات واستقبلناها” (الإندبندت 2014/7/4).
التعليق:
تأتي هذه التصريحات بعد موجة من التنديدات الغربية التي تلت تصديق الرئيس الأوغندي على قانون تجريم الشذوذ الجنسي في 24 شباط/فبراير الماضي والذي يقضي بعقوبات صارمة على أي شخص يثبت ارتكابه للرذيلة وإصراره عليها. وقد قابلت الدول الغربية هذا القانون بالويل والوعيد لأوغندا وربطت على الفور بين التصديق على القانون وقطع المعونات عن هذه الدولة الأفريقية المتعثرة كما ربطت بين القانون وما يسمى حقوق الإنسان. البيت الأبيض قال إن الرئيس تراجع بأوغندا خطوة إلى الوراء، والأمم المتحدة اعتبرته انتهاكا لحقوق الإنسان. وقد نفذت الدول الأوروبية تهديداتها بأن خفضت كل من هولندا والنرويج والسويد والدنمارك تمويلها، بينما حجبت بريطانيا مبلغ 83 مليون جنيه إسترليني عن الحكومة الأوغندية بذريعة الفساد علما بأن المبلغ تنفقه بريطانيا سنويا من قبل وزارة التنمية الدولية وعبر الجمعيات الخيرية في أوغندا. أما الولايات المتحدة فقد أوقفت المعونة كلياً في الشهر الماضي وفرضت قيوداً على منح التأشيرات وإلغاء تدريبات عسكرية كان مخططا لها مع الجيش الأوغندي.
صرح الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني في مقابلة حصرية معCNN يوم 2014/2/25 بأن كون الإنسان مثلياً أمر غير طبيعي، وليس من حقوق الإنسان. قال أيضا بأن الغرب يجب أن لا يفرض معتقداته على الأوغنديين “وأن يحترم المجتمعات الأفريقية وقيمها” وأضاف أن “الغربيين جلبوا الشذوذ إلى بلاده، وأفسدوا المجتمع بتعليم الأوغنديين الشذوذ. والغربيون أيضا ساعدوا في جعل الأطفال في المدارس شواذ، من خلال تمويل جماعات لنشر الشذوذ” على حد قوله. قابل المجتمع الغربي مثل هذه التصريحات بالتنديد والشجب والتذمر من عدم توافق الحكم في أوغندا مع تطلعات المجتمعات المدنية الحديثة ولم تكن هذه النظرة حكراً على أوغندا بل شاركتها عدة دول أفريقية صرحت برفضها لإملاءات المجتمع الغربي وتعارض ما تم التصديق عليه في المحافل الدولية مع قيم ومعتقدات هذه المجتمعات الأفريقية.
عجيب أن تتشدق الدول الغربية بشعارات حقوق الإنسان بينما تبتز الدول الفقيرة وتساومها على حقها في العيش وتخاطب فيه غريزة البقاء. جدير بالذكر أن المعونات التي قطعت أو حجبت تتعلق بقطاعات حيوية تمس حياة الناس في واحدة من أفقر بلدان العالم حيث يعيش 37.7% من الشعب على أقل من 1.25 دولار يومياً (وفقاً لإحصاءات البنك الدولي 2012/2/10) والمعونة الأمريكية على سبيل المثال أدت لتعثر برامج صحية متعددة أهمها مشاريع مكافحة وعلاج مرض الإيدز الذي يهدد القارة الأفريقية. أوقفت المشاريع دون سابق إنذار أو توفير بدائل لمن هم في أمس الحاجة وتركوا في أيدي حكومة ليس لديها سوى الجعجعة والشعارات الرنانة والخطابات المملولة. تركوا في أيدي حكومة تابعة لا يهمها سوى كرسي الحكم ورجل عجوز انتهز القضية كفرصة لكسب ود الشعب المطحون.
صدق موسيفيني حين قال أن أوغندا دولة غنية وهي بالفعل غنية بثرواتها وبأراضيها الخصبة البكر وبتركيبة سكانية فريدة من نوعها إذ تحتل أوغندا المركز الثاني من حيث معدل الخصوبة الكلي (وولد فاكت بووك 2010) ولدى أوغندا أصغر شعب في العالم حيث إن نصف تعداد الشعب دون سن الخامسة عشر مما يؤهلها لأن تكون قوة عاملة شابة ذات طاقة وحيوية. إلا أن مشكلة أوغندا وغيرها من البلاد الأفريقية ليست في قلة الموارد والطاقات ولا في مخدر المعونات بل في الحكومات التابعة التي رهنت الشعوب للمستعمر وسلبتها إرادتها بسلسلة من صكوك الرق المسماة بالاتفاقيات. هذه الحكومات التي تتباكى اليوم وتطالب باحترام خصوصية شعوبها ونبذ الرذيلة هي ذاتها التي تاجرت بشعوبها وبخصوصيتها الثقافية وارتضت أن تكون لها اليد السفلى من أجل كرسي الحكم الفاني وحفنة من الدولارات.
إن هذا العبث وهذه البلطجة التي نشهدها اليوم لا تخص أوغندا وحدها بل تشمل دولاً أفريقية أخرى تجرم الشذوذ مثل نيجيريا وتهدف لفرض النظرة الغربية للعلاقات في المجتمع عبر الربط بين الحرية الجنسية وحقوق الإنسان ومن السذاجة أن يوصف بنذير شؤم لأنه بات أمراً واقعاً في الكثير من البلاد ولا تخفى عوارضه على أحد. والدول الأفريقية تساوم على الشذوذ الجنسي بينما تساوم مناطق أخرى على الشذوذ الفكري والانحراف السياسي. إن هذه المعونات القذرة لم تجلب سوى الاتكالية والفساد والذل والعار ولم تزد الفقراء إلا فقراً وتبعية.
نسأل الله أن يعتق رقاب العباد من قيد الاستعمار قديمه وجديده وأن يمكن لأهل الحق حتى يغيروا هذه المنظومة الدولية الآثمة الفاسدة.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد