Take a fresh look at your lifestyle.

ثورة العراق تصيب أمريكا بالأرق

 

إن التطورات السريعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، على الصعيدين السياسي والعسكري، جعلت الغرب المستعمر قلقا جدا على مصالحه في المنطقة ومستقبله دوليا. الأمر الذي جعل أمريكا أكثر حذرا وقد بدأ التخوف على الإدارة الأمريكية من أن ينفلت الوضع من بين أيديهم. فخروج الأمر من تحت أيديهم يعني بشكل قطعي لهم أن مشروع الأمة الإسلامية، ذلك المارد الذي يخشون قيامه، بدأ بالنهوض.

 

وفي قراءة للمستجدات الأخيرة في العراق، نشر معهد راند للدراسات السياسية مقالا لبراين مايكل جنكيس -المستشار الأول لدى رئيس معهد راند للدراسات السياسية – على واقع الصراع العراقي وحيثياته سياسيا وعسكريا وأثره في المنطقة تحت عنوان “نظرات على العراق” بتاريخ 19 جوان 2014.

 

يقول براين “المشهد العراقي اليوم ليس امتدادا لحرب العراق. عراق اليوم يختلف بشكل ملفت للنظر عن 2011 بعد رحيل القوات الأمريكية. أصبحت ديمقراطية العراق الوليدة أكثر وأكثر استبدادية طائفية.” لم يكتفِ نظام المالكي بعزل ومنع السنة والأكراد من تقلد مناصب في الحكم بوصفهم أهل البلد بل ارتكب جرائم في حقهم تتعدى خدمة المصالح الغربية في المنطقة وإرضاء المستعمر، فهي إفشاء لغليل العصبية الطائفية في حق أهل العراق، قلب الحضارة الإسلامية وعاصمة الخلافة لقرون. وقد ساهمت إيران الصفوية في التضييق على أهل العراق. فحالة الامتعاض والغضب التي يعيشها السنة والأكراد وغليان الشارع بسبب ظروف المعيشة القاسية والرعب المرافق لحياة العراقيين حتى صار القتل والتفجير من اليومي المعاش، من المتوقع أن تكون كل هذه الأسباب فتيل اشتعال ثورة في أي لحظة في وجه حكومة المالكي.

 

بعد خروجها من العراق لم تلتزم الولايات المتحدة بأي اتفاق فعلي أو عهود مبرمة أو حتى التزامات أخلاقية، إلا أن التطور الحاصل بالمنطقة وامتداد رقعة القتال المسلح على الأراضي السورية إلى الأراضي العراقية يجعل أمريكا تقلق بجدية على مصالحها خوفا من فشل حكومة المالكي في السيطرة على الثورة وما قد يترتب عليه خروج العراق من تحت السيطرة. فوجب على أمريكا ربح الوقت بما أنها لا تستطيع التدخل عسكريا مباشرا من دون حلفاء. ولهذا العمل القذر لن تجد أمريكا أفضل من إيران لتقوم به تحت غطاء الطائفية وهكذا تضمن أمريكا عدم الاستقرار حتى يتسنى لها الوقت لتتخذ قرارها. “تأمل العراق أن تساهم القوات الجوية الأمريكية لتدريب المليشيات الشيعية الموالية. مع ضمان عدم تكرار أسلوب القصف العشوائي كالحاصل في سوريا، فالقوات الأمريكية ليست متواجدة على الأرض لتتمكن من تحديد المواقع بدقة مع غياب المعلومات الإستخبارتية الكافية فإن مخاطر الإصابات الجانبية قد تكون مكلفة.” على حد تعبير براين.

 

صار تقسيم العراق إلى أشلاء مطلباً بعد التطورات الأخيرة وخاصة بعد أن صارت الحدود بين سوريا والعراق في حكم الملغية “أن الحدود التي رسمها المستعمر قد مسحت” على حد تعبير المستشار براين، إذاً لا حل لأمريكا لتجنب تطور الثورة ومخافة أن يعلو سقف المطالب فيطلب المسلمون الوحدة في دولة واحدة تجمعهم غير تأجيج نار الفتنة الطائفية والعرقية. فحلف طهران بغداد دمشق وما يرتكبه من مجازر في حق السنة يدفع الوضع للتأزم وخاصة أن أي تدخل عسكري أمريكي سيبدو بمثابة ميل لحكومة المالكي ذات الأغلبية الشيعية على حساب السنة، وهذا لا يساعد أمريكا في المحافظة على مصالحها. الاقتتال الداخلي بين الحركات المسلحة فيما بينها في سوريا وامتدادا للعراق يمثل للولايات المتحدة أملا في تواصل الأزمة ولكن تبقى مخاوفها كبيرة خاصة بعد انتشار الوعي عند الناس أن الحل هو في دولة تمثل الأمة تقوم على أساس الإسلام، ففرضية استفاقة المخلصين من المسلمين وإعادة التفكير في وضعيتهم مما قد يؤدي إلى نبذ الخلافات بينهم تؤرق الإدارة الأمريكية.

 

أصبحت سوريا ممزقة أشلاء ما بين الثوار والنظام وواصل هذا الأخير التنكيل بالمدن الثائرة قصفا عشوائيا بالبراميل المتفجرة مما أسفر عن محو عديد المدن والقرى وأدى إلى جعل 40 بالمائة من السوريين لاجئين. والآن جاء دور العراق لتقسم على نحو يضمن التشتت والفرقة: امتد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام ليشمل بعد شرق سوريا غرب العراق. كما استولى الأكراد على كركوك والشمال. أما الشيعة فقد سيطروا على الشرق والجنوب بمساعدة إيران. فهل ستحافظ أمريكا على التزامها بتأمين أراضي الدول الوطنية القائمة أم ستتكيف سياستها مع ما يحدث على أرض الواقع؟

 

وتبقى تعلة محاربة الإرهاب، القديمة المتجددة، هي المشرع الوحيد للتدخل الأمريكي. وباعتبار أن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام في نظر الإدارة الأمريكية نسخة أكثر تطرفا من قاعدة أسامة بن لادن فإنها تحاول نشر مخاوفها من قيام كيان متطرف أمام ما اعتبره براين مايكل جنكيس “انتصارات مبهرة وما تغنمه من المال ويحقق لها مزيد الدعم وإمكانية زيادة عدد المجندين”. وكما حدث سابقا في العراق أيام الدولة الإسلامية في العراق سيتوجه القتال من قتال ضد مستعمر إلى قتال مذهبي طائفي بين أهل البلاد لأسباب يراها المغرر بهم عقائدية وهي في الأساس حماية صرف النظر وتحويل مسار المواجهة عن الاستعمار.

 

إن ما يعيشه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية من تخبط تجاه التطورات القائمة في البلاد العربية والإسلامية وما يعانيه من صعوبة في التعامل مع الأحداث القائمة دليل على أن الغرب قد بدأ يستنفد أوراقه حتى صار يبحث في خطط توقيعية ضيقة المدى. في المقابل ما تتكبده الأمة من خسائر في الأرواح والمال ما هي إلا آلام المخاض المبشرة ببزوغ فجر يوم يعز فيه الإسلام والمسلمين في ظل مشروع الأمة الحقيقي الذي يحفظ عرض الناس وحقوقهم وعزهم وغاية إقامته هو حمل الإسلام نورا وعدلا للعالم.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أسامة بن شعيب

2014_07_08_Art_Iraqi_Revolution_infect_America_in_insomnia_AR_OK.pdf