خبر وتعليق ليس بالقصف وحده يقتل حاكم شعبه.. وكم من محمد فقد أمه؟
الخبر:
نقل هذا الخبر عن صحيفة الانتباهة في يوم 2014/7/6 لكاتبته نجلاء عباس:
“محمد الابن الأكبر والوحيد بين ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن «2 / 6 / 9» سنوات بينما لم يتجاوز محمد الـ«11» عاماً عندما توفي والده وصارت المسؤولية الكبرى على عاتقه بمساعدة والدته التي لا مجال لها سوى أن تتخذ من «بيع الكسرة» مصدراً لدخلها حتى تتمكن من تربية أبنائها ولم يجد محمد طريقاً سوى أن يترك التعليم حتى لا تكثر عليهم المصاريف ويشتغل صبي ميكانيكي مع أحد معارف والده بالمنطقة الصناعية وقبلت الأم قرار ابنها وهي مكرهة في الوقت الذي كانت تتمنى لابنها أن يدرس في أفضل الكليات الجامعية ويشتغل في وظيفة مرموقة في المجتمع يستفيد منها ويفيد غيره، لكن علمها التام بالظروف المادية التي يمرون بها جعلها توافق وتفوض أمرها إلى الله عسى ولعل يتمكن ابنها من مواصلة الدراسة بعد أن يتحسن وضعهم وبمرور عامين عمل فيهما محمد مع صديق والده وكان في تصليح السيارات ليساعد والدته في مصروفات شقيقاته الصغيرات لكن القدر كان أقسى على محمد عندما رجع من عمله ليجد والدته تشكو من المرض ودرجة حرارتها مرتفعة جداً وشقيقاته الصغيرات يبكين حولها ولا يعرفن كيف لهن أن يتصرفن لمعالجة والدتهن وأسرع محمد وأحضر الماء البارد ومنديل محاولاً أن يخفض حرارتها لكنه لم يفلح في ذلك حتى أصبح عليهم الصبح وهم في حالة توتر وقلق على والدتهم وعزم محمد أن يفعل المستحيل لتشفى والدته لأنه ليس على استعداد أن يفقدها كما فقد والده، وذهب محمد وتضرع إلى الله لشفاء والدته وذهبت الأخت الكبرى لتستعين بجارتها وأخبرتها أن والدتهم في حالة مرضية سيئة وذهبت معها الجارة للمنزل وجلست جوار الأم المريضة وقالت للأولاد أن أمهم تحتاج إلى مراجعة الطبيب ليعطيها العلاج المناسب وأخذ الأولاد أمهم إلى المستشفى وأخبرهم الطبيب أن مرضها ليس بالمزعج فقط يجب عليهم أن يشتروا لها العلاج المناسب لتشفي تماماً ورجع محمد وأسرته للمنزل وانتابهم شيء من الاطمئنان على أمهم لكن كان يحمل هماً من أين يأتي بمصاريف العلاج والروشتة التي كتبها الطبيب تكلف ألف جنيه وهو لا يملك في جيبة أكثر من «20» جنيهاً يومية العمل مع الميكانيكي ولم يجد محمد أمامه سوى أن يذهب ويستلف من معارفه وزملائه في العمل المبلغ على أن يسدده لهم في أقرب فرصة وبدأ بصاحب المحل الذي يعمل معه لكنه رده خائباً وذهب لغيره وغيره ولم يجد أحداً يقف معه على أن محمد طفل صغير والمبلغ الذي يطلبه كبير ولا يستطيع أن يرده لهم وانقضى يومان دون أن يحضر محمد علاجاً لوالدته وفي الصباح ذهب للعمل ووجد هناك رجال يلبسون ثياب فخمة ونظيفة ويبدو عليهم أنهم من الطبقات العالية في المجتمع ولهم عربات فخمة فقط يريدون من الميكانيكي وزن التكييف للعربات وأسرع محمد ليقف بالقرب منهم ويلبي لهم الخدمات المطلوبة وكان محمد يأمل في نفسه أن تتاح له فرصة ويجد مبالغ مالية وبالفعل ترصد محمد المواقف حتى تمكن من الدخول للعربة بمفرده بحجة أنه يفحصها ووجد بالدرج ثلاث ورقات مالية فئة دولار وأخذها وكانت الفرحة تغمره وبعد أن سلم «ورديته في العمل» ذهب للسوق وتبديل الدولار إلى عملة محلية وبلغت القيمة أكثر من ألفي جنيه واتجه إلى الصيدلية واشترى الأدوية وبعدها البقالة وشراء مأكولات مغذية لوالدته وعدد من أنواع الفواكه لكن لم يمر يومان حتى اكتشفت السرقة وحضر الرجل إلى الميكانيكي وأخبره أنه فقد عملات أجنبية وأنه يشتبه فيه وبالتحري والتقصي وإبلاغ الشرطة توصلوا إلى أن محمد هو السارق وخلال الاستجواب اعترف محمد بالسرقة وأوضح لهم كل الأسباب التي جعلته يسرق بالرغم من أنها ليست صفاته ولا أخلاقه لكن الأم هي أغلى ما نملك ولها يفعل المستحيل ومع تلك الأسباب أحيل البلاغ إلى المحكمة للفصل فيه.”
التعليق:
قصة مؤلمة تتكرر في كل يوم إن كان في السودان أو في بلد آخر من بلاد المسلمين، تعددت الحالات والقتل واحد! فأين وصل بنا الحال ليحال ابن الحادية عشرة من العمر الفقير البائس إلى المحاكم؟ أمن أجل لقمة عيش أو الدواء يتحول شباب الأمة الإسلامية إلى “لصوص” تحت ضغط الحاجة الملحة ثم يتعرضون لمحاسبة القانون الوضعي الجائر والقضاء العاجز عن محاكمة اللصوص الحقيقيين أي الحاكم وبطانته الذين نهبوا ثروات البلاد وأطلقوا القيود لوحوش المحاكم ممن يبحثون عن المصلحة والقضاء العلماني لنهش المستضعفين.. قضاء ظالم يحكم بقانون وُضع بحسب مصالح النظام الظالم والذي يقضي بحسب تأليف أناس بعيدين كل البعد عن الإسلام وأحكامه السمحاء، والتي إن طُبقت تمنع وقوع الظلم، إلا أنهم أناس انعدمت الرحمة في قلوبهم تعودوا على الظلم مهما كان صغيراً أو كبيراً، والدليل على ذلك أن محمداً أصبح في نظرهم المجرم الذي يستحق العقاب، لكن أليس السؤال أيُحاسب محمد وفق الأحكام الشرعية على ما قام به؟ والسؤال لماذا الدواء غالي السعر ومن المسؤول عن ذلك إن لم يكن النظام الحاكم؟ سنجد أن محمداً يدفع ثمن تفريط رويبضات الحكومة.. فكيف يتحمل محمد هذا الضغط النفسي الرهيب الذي أدى به إلى سرقة المال لإنقاذ أمه؟ كيف نتحمل نحن ذلك عنه؟ هذا المال البسيط مقارنة بما تنهبه الدوائر الحكومية من الشعب.. ونسألكم بالله من منا يصبر على براثن المرض والجوع والفقر إلا من رحم ربي؟! ومن لأسرة محمد غير إمام عادل غائب يرعى الشؤون ويحفظ الحقوق فيرفع الظلم؟ موقف كهذا الموقف يتعرض له الآلاف من فلذات أكبادنا بات مشهداً عادياً، لا نملك إلا أن نشعر بالحسرة والمرارة ونعلم أن الناس تلعن الحكام على ما اقترفوه من جرائم تتمثل في هذه الأوضاع المزرية. فليس بالقصف وحده يقتل حاكم شعبه بل بكسر المعنويات وتضييق السبل وقتل التفكير لتقع في مصيدة العيش الضنك وضياع الحقوق والإهمال ثم يحاسبك ويعاقبك القانون نفسه الذي أباح السرقة والإفساد لحيتان النظام! أيها الناس في شهر رمضان المبارك؛ شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران؛ شهر الانتصارات والفتوحات الإسلامية العظيمة، لن يكون الشهر كما ينبغي ونحن نتحاكم إلى الطواغيت وهذا أساس الظلم ولن يكون رمضان شهر الخير والظلم باقٍ بيننا: قال سبحانه: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45]. وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾ [إبراهيم: 42]. يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ، وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ، ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: 113]. إن من الظلم، الرضا بالظلم والإعانة عليه أوالسكوت عنه أو الركون والميل إليه، فكلنا ظلم محمداً إن لم نعمل لتغيير الواقع الفاسد ولاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام في شهر القرآن، وإلا فويل لأمة العدل والأمان..
إذا جار الأمير وحاجباه *** وقاضي الأرض أسرف في القضاء
فويل ثم ويـــل ثم ويـــل *** لقاضي الأرض من قاضي السماء
ولا حول ولا قوة إلا بالله
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين