(إسـرائيلُ) وأخـواتُها
ما زال كثيرٌ من أبناءِ أمَّتنا الإسلامية يستغرِبون ويتعجبون من حالة الصمتِ التي تسودُ المواقفَ الرسمية العربية والإسلامية حيال ما جرى في فلسطين على مَرِّ عقودٍ وما جرى في غزة في الأمسِ وما يجري في غزةَ هذه الأيام، أقول ما زال كثير من المتعلمين والمثقفين يستغرِبون هذا الصمت.
وهذا الاستغرابُ يدلُ دلالة واضحةً على أن الرؤيةَ ما زالت غيرَ واضحةٍ عند كثير من أبناء أمتنا تجاه ما يجري من أحداث سياسية وعسكرية على أرض بلادنا، ولا أَدَلَّ على هذا التشتت في الرؤى حيال ما يجري الآن من أحداث في غزة إلا هذا الاستغراب الملحوظ والملامة الشديدة التي يُبْدِيها البعضُ على أنظمة الدول العربية والدول القائمة في البلاد الإسلامية، ولعل ما يجري في غزة من أحداثٍ إجراميةٍ وعربدةٍ صهيونيةٍ وصمتٍ، لا بل تواطؤ عربيٍ ودولي، أقول لعل ما يجري الآن في غزة يخلق مناسبة تفرض علينا أن نُذَكِّرَ مرةً أخرى ونضع النقاط على حروفها بلغة واضحة وأسلوب لا لَبْس فيه، بحيث لا يمكن معها إلا فهمُ هذا الصمتِ المُشين الذي يتوارى خلفهُ أولئك الذين طالما سموا زعماءَ أو ملوك أو رؤساء دويلاتِ العالم العربي والإسلامي الذين استطاعوا مع أسيادهم للآن وبجدارة أن يكبحوا جماح الأمة الإسلامية عن رغبتها الجامحة في نصرةِ أهلِ فلسطين وغزة، والسيطرةَ على جيوش الأمـة من أن تتحرك أي تحركٍ إيجابي نحو قضايا أمتها.
يجري هذا وشبابُ أمتنا ثائرٌ حائرٌ في كل بلد من بلداننا، ثائرٌ على ما يعانيه في بلده من ظلم وتجويع وإذلال، وحائر لكثرة الفتن والمؤامرات السياسية التي تحاك له هنا وهناك، إلا أن ما يجري في غزة وفلسطين وعلى الدوام يضع الواحد منا أمام مسؤوليات ولو بشكل فردي تفرض عليه أن يحسم أمره في فهم هذا المشهد على حقيقته لأن العدو هنا ظاهر لكنه في بلادنا ربما ليس بهذا الوضوح لدى الكثير منا.
ففي فلسطين وغزة هناك (إسرائيل) تُلقي بجحيم حِممها على رؤوس المسلمين العزل في بيوتهم، أما هنا في بلادنا فإن الذي يُلقي براميل الموت على المدن السورية ليس كيان يهود، فدولة سوريا تقتل رعاياها، كما أن الذي يغتال ويقتل المسلمين في ليبيا ويقصف بنغازي بالطائرات ليس كيان يهود، فبقايا الدولة العميقة بحفترها تقف للمسلمين بالمرصاد، وليس كيان يهود من يدير الأحداث في اليمن وليس هو من يقمع المحتجين من المسلمين أمام سفارة (إسرائيل) في عمان، وليس هو الذي قام بمجزرة رابعة العدوية بمصر، ولا هو الذي يواجه المحتجين التواقين للحرية والعيش الكريم في شوارع مصر، وليس هو من يخنق المعتقلين أحياء في عربات الترحيلات في أرض الكنانة، وليس هو الذي هاجم الفلوجة والمدن السنية في العراق، نعم ليس كيان يهود من يفعل ذلك وأكثر منه في بلادنا العربية من محيطها إلى خليجها.
ولكنك إذا ما عرفت أن كل هذه الدول القائمة في عالمنا العربي هي دول شقيقةٌ (لإسرائيل) من رَحِمِ أمٍّ واحدة، إذا عرفت ذلك فيجب أن يزول عنك العجب والاستغراب من صمتِ أنظمة الدول العربية حيال ما يجري في غزة، فدولة يهود ودولة الأردن ودولة مصر ودولة سوريا ودولة لبنان (دول الطوق) وغيرهم لا تستثني منهم أحداً، كلها دول شقيقة (لإسرائيل) وُلدت جميعا من رحم اتفاقية سايكس بيكو، بعد أن قام الغرب الكافر بقيادة بريطانيا وفرنسا بعد أن هزموا دولة المسلمين “دولة الخلافة الإسلامية العثمانية” قاموا بتقسيم العالم الإسلامي بعد احتلاله إلى دول كرتونية وضعوا عليها مدراء يديرون شؤون الناس حسب ما يريدون هم وسموهم زعماء، تقتصر مهمتهم على أن يسمعوا ويطيعوا لأسيادهم في إدارة البلاد بالطريقة التي يريدون لإرضاء أسيادهم كي يبقوا في مكان الزعامة المزيفة الخائنة العميلة التي لم تتغذ يوما إلا على أجسادنا ودمائنا ومقدرات بلادنا، فهم كلهم متآمرون على أمة الإسلام، ففي كل مكان يتحرك فيه المسلمون طلبا لحريتهم وكرامتهم، تجدهم يتحركون لقمعهم متضامنين متكاتفين، فهم من جينات سياسية واحدة، وكلهم في الإجرام سواء، فما الفرق بين براميل الموت التي يمطرها مأفون دمشق على رؤوس أهلنا في سوريا فيدمر المكان على من فيه، وبين ما يلقيه يهود الجبناء من صورايخ على البيوت فوق رأس ساكنيها في غزة، ثم ما الفرق بين فض (إسرائيل) للمظاهرات والاعتصامات حول الأقصى أو في أي مكان من ربوع فلسطين وبين فض النظام المصري لجموع المعتصمين في ميدان رابعة العدوية وخنق المعتقلين في سيارات الترحيل بالغازات، ما الفرق؟!
فمن هؤلاء يا ترى الذين تفوَّقوا بإجرامهم فينا على يهود أضعاف المرات؟! من يا ترى؟! إن الشبه كبير بين (إسرائيل) وأخواتها في عنفهم وإجرامهم وتجرؤهم على حرمات المسلمين، فملة هذه الدول كلها واحدة، وكلها عدوة للإسلام وللمسلمين، فسكوتهم على ما يجري بغزة، لأنهم إن اعترضوا على (إسرائيل) فإنما يعترضون على أنفسهم، فهم يعلمون أنهم أشقاء وأشقياء، وُلِدوا في وقت واحدٍ وأن زَوالهم سيكون في وقت واحدٍ، بل هم فوق ذلك توائم من حملِ سفاحٍ واحد، فقد وُلِدوا جميعا لأبٍ واحد وأُمِّ واحدة وبمخاض واحد.
يا قومنا نحن لسنا طرفاً ثالثاً، فالبلاد بلادنا وهي محتله عسكريا منذ ما يقارب القرن، وما أن استقر الحال للمحتلين حتى صنعوا لنا حكاما وجيوشاً أفنوا حياتهم يخبطون الأرض بأرجلهم، رافعين التحية لهذا الحاكم ومن يورث من بعده في إيقاع عسكري يوهمنا أن لدينا جيوشاً نعتمد عليها ضد أعدائنا، ولكن للأسف فإن أعداءَنا ليسوا هم أعداءَ حكامنا.
إن الحقائق أصبحت جلية لكل من يريد أن يعمل على نهضة أمته واستعادة مجدها لرفع الظلم عن كاهل أهلنا في كل مكان، ولكن تجلية الحقائق وحدها لا تكفي، فبناء الدول يحتاج إلى رجال يقودون المسيرة ويبذلون في سبيل ذلك كل غالٍ ونفيس، أما أن نقف ونتفرج على الصواريخ والبراميل المتفجرة التي تنهال علينا من كل حدبٍ وصوبٍ ونحصيها، ونقف مكتوفي الأيدي نتفرج على طائرات قواتنا المسلحة يقودها أبناء أمتنا وهي تقصف بلا رحمة ولا هوادة بيوتنا ونساءنا وأطفالنا، وأما أن نتسابق في تصوير هذه المشاهد المروعة لنبثها لبعضنا على ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي فنـزداد ولولة وتحسراً على ما يجري كأن الأمر لا يعنينا إلا من ناحية إنسانيةٍ، وأما أن نكتفي بنقل الصور ونبثها إلى الهيئات والمنظمات الحقوقية ونناشد هيئة الأمم المتحدة لتقف بجانب قضيتنا فتحمينا كما فعل “عباس” الذي قرر أن يطلب من الأمم المتحدة حماية الشعب الفلسطيني، فهذه قمة الجهل السياسي والهوان ذلك أن هذه المنظمات المزعومة من أشد المناصرين (لإسرائيل) وأخواتها، يدعمها غرب كافر لا هم له في منطقتنا إلا أن نبقى تحت سيطرة هذه الدول لتبقى مصالحهم بعيدة عن أي تهديد حقيقي، نحن بهذا نفعل هراءً، ونزيد ضعفنا ضعفاً، لماذا لا نتوجه إلى تلك الجحافل من الرجال في جيوشنا ونخاطبهم بشكل واضح أنه لا بد لهم أن يتحملوا مسؤولياتهم فيتحركوا لنصرة دينهم وأهلهم، ما نوع هذا الدم الذي يجري في عروقهم، وإذا لم يكونوا لمثل هذه اللحظة فما ضرورة وجودهم، كيف يقبلون على أنفسهم أن تكون مهمتهم هي حماية الزعيم الخائن العميل من شعبه وهم جزء من هذا الشعب، وإذا لم يستجيبوا لكم ورضوا بالركون إلى حياة الذل والهوان، فما علينا إلا أن نتحرك لإسقاط هؤلاء الحكام الخونة ونقيم دولة العزة دولة الخلافة لتكون حرباً على أعدائنا وأعداء الله سلماً على المسلمين، لا أن يكون حرباً علينا وسلما على يهود.
نعم نريد إقامة دولتنا التي لا غنى لنا عنها دولة الخلافة الإسلامية، وسنُلقى بدولة يهود وأخواتها إلى جهنم وبئس المصير.
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو حذيفة – مصر