حزب التحرير: التنظيم الأكثر إرعابا للغرب وعملائه
شهدت بداية القرن الماضي أفظع مرحلة مرّت بها الأمة الإسلامية وبداية أسوأ حقبة تعيشها البشرية. فبعد دخول المستعمر أراضي الأمة الإسلامية، وتمزيق الخلافة أشلاء، لقي أهل البلاد بصفة عامة والمسلمون بصفة خاصة أبشع أنواع العذاب والتنكيل على يد القوات الإنجليزية والفرنسية والروسية وغيرها. وقد ظهر في أقوالهم وعلى أفعالهم أثار حقد دفين عمره مئات السنين ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر﴾. فهذا اللورد ألنبي يصرح بكل تشفٍ حين دخل فلسطين “الآن فقط انتهت الحروب الصليبية”. أما الجنرال غورو فقال أمام قبر صلاح الدين الأيوبي “ها قد عدنا يا صلاح الديّن”.
وهذا الحقد لا زال يتدفق في قلوبهم إلى اليوم، وتصريحات زعماء العالم الغربي على مدى هذا القرن لا تزال تحمل من البغض والكره للمسلمين ما يجعل هذا الأمر بالنسبة لهم بمثابة العقيدة. فلم تخلُ حياة أي من زعماء الغرب من تصريح يبث فيه سمومه تجاه المسلمين. حتى إن جورج بوش الابن وصف حملته على العراق وأفغانستان بالحرب الصليبية المقدسة وأن هذه الحرب هي وحي إلهي لإنقاذ العالم من إمبراطورية الخلافة على حد تعبيره.
ولكن منذ أواسط القرن الماضي شهد العالم الإسلامي صحوة إسلامية شملت البلاد العربية خاصة والإسلامية بصفة عامة مع بروز عدة مفكرين وأدباء وسياسيين، أفرادا وجماعات، أسست لبروز أحزاب وجمعيات تدعو المسلمين للعودة إلى دينهم، بدأ الغرب يقلق ويتململ خشية نهضة الأمة التي تعني زوال ملكه. فما لبث أن بدأ يحوك المؤامرات ويعد الخطط لإفشال الصحوة الإسلامية واختراق صفوفها وتحويل وجهتها.
نجح الغرب في الالتفاف على الصحوة الإسلامية باختراق بعض التيارات فكريا وشراء ذمم أخرى وحتى في صناعة نموذج مسخ لفكره ألبسه لباس الإسلام في بعض جزئياته حتى يلبس على الناس دينهم ويشوش فكرهم ويضرب مفاهيمهم.
ولكنه فشل منذ نصف قرن من الزمن على التأثير على حزب التحرير الذي لمع فجره في الأقصى على يد الشيخ تقي الدين النبهاني سنة 1953 وانتشرت دعوته في قلوب أبناء الأمة المخلصين كالنار في الهشيم. فجعلت منهم سياسيين أثروا في كل مكان يتواجدون فيه فتهوي إليهم الأفئدة وبالمقابل تتهاوى عليهم أيادي النظم الجائرة منعا وتضييقا مستعملين كل الوسائل في محاولة يائسة للحد من تفشي دعوة حزب التحرير بين أبناء الأمة.
وإلى اليوم تلقى دعوة حزب التحرير – رغم أنهم يدركون أن حزب التحرير لا يتبنى الأعمال المادية منذ قيامه – الشدة والعنت من قبل النظم وأجهزتها. فلا تكاد دولة لحزب التحرير فيها وجود إلا ويلقى فيها من العنت والشدة ما يلقى.
فها هو في أوزبكستان يقدم آلاف الشهداء على يد المجرم كريموف وزمرته. وكذلك أمره في الدول التي كانت خاضعة للنظام الشيوعي في ظل الاتحاد السوفياتي. أما في الشام فيلقى من صنوف التضييق ما يلقى فلا تفتأ أنظمة الإجرام الضرار سواء في الأردن أو السلطة الفلسطينية إلا ويقبضون على شباب حزب التحرير في كل مناسبة. وبلغت بهم الدناءة للتعدي الجسدي على شباب حزب التحرير داخل بيوت الله.
وها هي دول منظمة شنغهاي تعقد مؤتمرا في طشقند بهدف التعاون الاستخباراتي في ما بينها لتبادل المعلومات في شأن نشاطات حزب التحرير وشبابه باعتباره تنظيما إرهابيا في دول الاتحاد الروسي قائلة “عدد القضايا الجنائية ضد متطرفي حزب التحرير قد ازدادت مؤخرا على أراضي الاتحاد الروسي، ولا بد من تكثيف الجهود المشتركة والتنسيق بين دول منظمة شنغهاي فيما يتعلق بهذه المسألة، مسألة تبادل الخبرات العملية” في محاولة فاشلة لنسبة الأعمال المادية لحزب التحرير.
وكما عودنا سياسيو البلاد الإسلامية والمتحكمون فيها فإنهم لا يضيعون فرصة يتقربون فيها إلى أسيادهم برفع التقرير لهم وأخذ تعليماتهم ومنعهم حملة الدعوة من تبليغهم أمر ربهم. العملاء يتسابقون لإرضاء المستعمر بتقديم الولاءات له ولو على حساب جراحات الأمة ضاربين بمشاعرها عرض الحائط وقد تراكمت مصائب الأمة ومآسيها من بورما إلى الصومال وأفريقيا الوسطى مرورا بسوريا والعراق. وها هي غزة. جرح الأمة الحي، يعود للنزف من جديد. دون أن ننسى معاناة مسلمي الصين الذين يذوقون الأمرين من حكومة جائرة تضيق عليهم حتى داخل بيوتهم وتجبرهم على إفطار رمضان.
أما في تونس فبعد تضييق دام ثلاثة عقود من الزمن لقي حزب التحرير فسحة في الوصول للناس في ظرفية سخرها الله بفضل ثورة مباركة. إلا أن المتنفذين في البلاد يسعون في كل مرة لإيجاد صيغة تشرع لهم منع حزب التحرير. وانتهى الأمر بحكومة التكنوقراط، بعد أن نغص عليها حزب التحرير عملها بأن ترسل لحزب التحرير تنبيها تحذره فيها بحله إن لم “يصحح” أفكاره بما يوافق المبدأ الرأسمالي ونظام الحكم الجمهوري وديمقراطيتهم المقدسة.
وإرضاءً للمستعمر وضمانا لمصالحه، أصدرت رئاسة الحكومة بيانا توجهت فيه لحزب التحرير بالتحذير لارتكابه ما أسمته مخالفات في “حق مدنية الدولة ودستورية القانون” إثر المؤتمر المبهر الذي انعقد يوم 22 جوان 2014 تحت عنوان “إقامة الخلافة وقلع الاستعمار”. فالنظام الجمهوري المقدس الذي تقوم عليه حكومة التكنوقراط يخلخل أسسَه حزبُ التحرير ودعوة إقامة الخلافة. فهذه الدعوة تؤسس إلى رعاية شؤون الناس فردا فردا بما يكفي لهم الكفاية والرفاه على عكس النظام الرأسمالي الذي يتغذى من دم الفقير والمحتاج والمسكين لتكون أموالهم دولة بين الأغنياء منهم.
وقد تسابقت وسائل الإعلام لنقل تنبيه رئيس الحكومة مهدي جمعة لحزب التحرير كل حسب صياغته. فبالنسبة لهم – وأغلبهم ذو خط تحرير علماني يبغض كل دعوة لله شكلا ومضمونا – هذا القرار يشفي غليلهم حتى نفسيا، وإن كانوا يدركون تمام الإدراك أنه نباح على سحاب من قبل من لا يملك حتى رفع يده إلى رأسه دون إذن من أسياده. فهم يعُون أن حزب التحرير الذي تجتمع الدول لحربه وتسهر مراكز الدراسات والمخابرات في محاولة لإيقافه، لا تؤثر فيه مثل هذه المحاولات. فلعله نسي أن حزب التحرير لم تقف دعوته ولم تمنع إقبال الناس عليه أجهزة مخابرات دول تستعمل ضد شبابه أقذر وسائل وأساليب القمع من تضييق وسجن وقتل واختطاف…
إن دعوة حزب التحرير في تونس وغيره من بلاد الإسلام لم توقفها لا التحذيرات ولا التنبيهات ولا حتى التضييق والملاحقات منذ أن تأسس إلى اليوم. ولم يثن عزمه الجبابرة طوال عقود ولن يفعل الرويبضات. وسيبقى هو السباقَ دوما عملا واشتغالا على قضايا الأمة المصيرية، وسببَ القلق والأرق الأول للاستعمار وأذنابه، والمترجمَ الرؤوف لمشاعر أمته الداعي إلى الخير والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم.
﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسامة بن شعيب – تونس