تنبيه الحكومة لحزب التّحرير: شهادة على حسن السيرة والسلوك!
قد ضللتم العنوان وطرقتم الباب الخطأ. ففكرتم وقدرتم ثم فكرتم وقدرتم ونظرتم ولمّا لم تجدوا لنا كيدا ومكرا، جمعتم فتات غبائكم فاستكبرتم وأرسلتم لنا تنبيها لنراجع موقفنا من الدّستور ومن مدنية الدّولة واعتبرتم كل ذلك مخالفات في حق مبادئ الجمهورية.
فاعلم أنك – يا رئيس الحكومة ومَن وراءك – أكبر مخالفة للثورة وأهدافها وللأمة ومشروعها، نعلم أنه يغيظك حزب التحرير الذي كشفك وعمالتك من البداية حين أقامت لك بريطانيا test psycho-technique حتى تؤهلك لما أنت فيه. يا سيد جمعة أنت المخالف حتى لمنظومتك المهترئة من كونك وحكومتك لم يفرزك صندوق ديمقراطي يستجيب لمبادئ جمهوريتك ولو خداعا. إن أنتم إلا مجرّد إسقاطات على المشهد السياسي جاؤوا بك وجئت بهم على عجل وكنت انبثاقًا عن رباعي مقيت انتهازي ولّى أمره امرأة (بوشمّاوي) تلازمك في حلّك وترحالك ترشدك وتوجّهك… بل ربّما تراقبك. رباعي تتمترس وراءه أحزاب ليس لها بين الناس رصيد بل تحتقر الأمّة ودينها وتضادّ مشروع الأمة بل العقيدة بل الآية والحديث.. رباعي فيه رجال سيماهم على وجوههم من أثر العمالة والخيانة والتآمر والانتهازية… يا رئيس الحكومة أنت “مؤقّت” والحزب والمبدأ والأمة والخلافة والثورة هم “الباقون”، لست أنت من سينظر في أمر حزب التحرير فهو ذاك الحزب الذي في السياسة شيخ وهو يمارسها في أعلى درجات رشدها مستنيرا بمصابيح الوحي والوعي فهي في ذمّته أمانة ومسؤولية وأنت تمارسها في أدناها ولو بمفهومها البراغماتي المكيافيلي ولا زلت تعاني مراهقة سياسية. بل حزب التّحرير قد قضي لديه الأمر ونظر في أمرك ولم يجد لك ولا لحكومتك عزما بل نحن نعلم يقينا أنك لا تتحرك إلا بأمر ولا تسكن إلا بنهي من أسيادك..
لقد ابتلانا الله بكم – حكام ما بعد الثورة – تتعقبون كل نفس ثوري وخاصة إذا كان بالإسلام ومن أجل الانعتاق من ربقة الاستعمار ومن أجل القطع مع الماضي حقّا وحقيقة لتقتلوا هذا النفس وتكتموه، حكام ما بعد الثورة لا تعصون الغرب ما أمركم وتفعلون ما تؤمرون، إن أنتم إلا إداريون لدى السّفارات تنفّذون إرادة الاستعمار .. ولكن سل عنّا الدول الكبرى التي تحضر حفلات أعيادها الوطنية. سل عنّا تلك التي لا زالت تظنّ أنها امبراطورية لا تغيب عنها الشّمس. بل سل عنّا أمريكا ودعوة الخلافة التي تقرع آذانهم في عقر دارهم بل في أمريكا حزب التّحرير يقيم المؤتمرات ويمنع الصحافة الأمريكية من الحضور والتصوير والمواكبة لتعلم شوكة هذا الحزب وقوته وعزّته المستَمدّة من عزّة الله ورسوله والمؤمنين ..سل عنّا المخابرات العالمية التي تترقب آراءنا السياسية المتعلقة بالقضايا الدّولية وتقيم عليها المترجمين وعلى ضوئها تحسن فهم الأحداث.
وبالتالي ما قدّمته لنا فضلا على ما فيه من ركاكة في التّعبير وخواء في المضمون وسوء تأتّ فهو عدم توقير للكبير. فحزب التّحرير أكبر من تونس ما بعد الاستقلال المزعوم بثلاث سنوات.
أما عن العلم والخبر فنحن واقع موجود رغم أنوف الحاقدين المتواطئين الجبناء المنهزمين قبل المعركة بل الذين باعوا الذمّة والهمّة ورضوا أن يكونوا أتباعا وأذنابا وصغارا ومتآمرين … لا بل نحن الواقع الموجود، نحن قدركم والخلافة قائمة لا محالة – شئتم أم أبيتم – فيها أرشيف جرائمكم لن تغادر صحائفها كبيرة ولا صغيرة من خياناتكم إلا أحصتها ولكنّ العلم والخبر حقّ طبيعي لنا – ليس منّة منكم حتّى تتبعوه بالأذى – ضمنه لنا سياق الأمة والوضع الثّوري … بل نحن من يجب أن يكون لأنّنا لا نستعين بالأجنبي ولا نجلس على موائده ولا نعرض عليه قضايانا لنستنير برأيه .. حاشا وكلاّ أن نمرّغ كرامة أمّة ودينها ونمتهن شرفها في التّراب ..إذ ذاك عندنا انتحار سياسيّ وخيانة لله ورسوله والمؤمنين ويكون مثلُنا كذاك الذي يطلب من قاتل أمّه العدالة والإنصاف فيكون الجاني هو القاضي والمجرم هو رجل الإطفاء. كما أنّنا لا نتبنّى العمل المادّي والعنف في عملنا للتّغيير من أجل الوصول إلى هدفنا، وهذا وذاك ليس تملّقا للشعب ولا تزلّفا للحاكم ولا تنازلا للدّيمقراطية الدجالة الخادعة بل حكم شرعيّ في ذمّتنا متبوع بقوّة الدليل وحسن التنزيل…
ألم تر أنّ أحزابا من كلّ حدب ينسلون يأتيهم رزقهم رغدا من الغرب، تختلي بالسفراء ويختلون بها بعيدا عن أضواء الكاميرات؟ آه عفوا ذاك شأن داخليّ للأحزاب لا علاقة لك به… وكأن تلك الأحزاب دول داخل الدولة لها سياسة داخلية وأخرى خارجية وربّما هي من تقرّر الحرب والسّلم في المدن والجبال..
ألم تر أن أحزابا “ذهب ظمؤها وابتلّت عروقها” على مائدة إفطار السّفير الأمريكي دون حياء ولا خجل بل إنّ صورهم مكشوفة للرّأي العام ليزيد الاستعمار في إذلالنا وكأنّه يقول لنا ضاحكا مستهزئا بلهجة التّعالي والكبر على هذه الأمّة ودينها وثورتها: “كبراؤكم هؤلاء هم تلاميذ عندي أعلّمهم السياسة وأؤهلهم للانتقال … وعندي في سفارتي أرسم ملامح ثورتكم بأيدي أبنائكم الذين وجدوا عندي النّعيم المقيم”! وهناك ترى أشباه السياسيين شاخصة أبصارهم في سيّدهم يسمعون له كأنّ على رؤوسهم الطّير يمتثلون أمر السيّد الغربي ونهيه.. أم أنّك تغضّ البصر عن نقابات أمنية تبرم مقابلات مع السّفير البريطاني؟ أم أنّك لا تريد أن تسمع بأحزاب جعلت من مقرّاتها ثكنات عسكرية؟ إنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصّدور…
نعلم أنّ حزب التّحرير القائم على أمر الله وعلى قضايا الأمة المركزية التي غادرها أشباه السياسيين الذين يمّموا وجوههم قِبَل الكافر المستعمر وجعلوا من سفاراته مزارات يقتاتون فيها على موائده قد أقض مضاجع أسيادك وتجاوز الخطوط الحمراء التي وقف عندها كل السياسيين الطّامعين الانتهازيين – باستثناء المخلصين وهم كثر في هذه الأمّة من فضل الله – حتى يرضى عنهم السيد الغربي – الأمريكي والأوروبي – ولا يُحكم عليهم بالإعدام السياسي لينالوا كرسيّا في الحكم أو في البرلمان معوجّةَ قوائمه لا يستوي حتى يسقط…
هاكم بعض هذه الخطوط:
1. ملفّ الثروات من فوسفات ونفط وغاز الذي يمثّل شرايين أوروبا وخصوصا بريطانيا عبر شركاتها الاستعمارية من بريتش غاز وبيتروفاك وغيرها، إذ لا ننسى هروب السفير البريطاني من مسلك فلاحي خائفا مذعورا ثم أقلع في طائرة عسكريّة أمام وقفة عزّ وإباء للشباب المسلمين في قرقنة حيث رفعوا في وجهه أنّ ثروة هذا البلد هي ملكيّة عامّة وليست وقفا لمصّاصي الدّماء وآكلي لحوم الشّعوب وكانت وقفة بقيادة شباب حزب التّحرير.. وقد كنّا سبّاقين ولنا الشرف في فتح هذا الملف وفضح المؤامرات وقد وجد من الأمّة العديد من المخلصين فخشي الاستعمار أن تتحوّل هذه القضيّة إلى رأي عام فتصل إلى مداها ويسمع ما سمعه عملاؤه: “ديقاج”
2. الانتخابات التي أصبح فشلها ظاهراً لكل ذي عينين وعزوف الناس عنها أصبح يؤرق السياسيين وأسيادهم خوفا من أن تكون تلك الأصوات قد انقلبت وعيا وتأييدا وانخراطا في مشروع الخلافة الذي يدعو له حزب التّحرير الذي يزداد يوما بعد يوم شعبيّة واحتضانا له ولدعوته من قبل هذا البلد الطيّب أهله!
3. أمّا الدّستور فحدّث ولا حرج وأظنّك يا رئيس الحكومة ستجد نفسك كذلك ملزما بإرسال رسالة تنبيه أيضا إلى هذا الشّعب الكريم المسلم – كما فعلت مع حزب التّحرير – لأنّه ارتكب مخالفة طرد النوّاب من الولايات وتمزيق الدّستور في وجوههم. وغيرها الكثير…
نعم قد ضللتم العنوان وطرقتم الباب الخطأ… واعلموا أنّ تنبيهكم هذا شهادة لنا بحسن السّيرة والسّلوك من كوننا أتقياء أنقياء لأنّكم ترون أنّ الاستعانة بالأجنبي في ممارسة العمل السياسي هو طبيعيّ بل شأن داخليّ للأحزاب يستأهل توضيحا منكم وبيانا على عجل عندما اتّهمتم بالامتعاض من لقاء قادة الأحزاب بالسّفراء.. ولكنّنا نرى أنّ حجر الزّاوية في العمل السياسي هو كشف خطط الاستعمار وتبنّي مصالح الأمة… نحن نلعن الاستعمار ويلعننا وأنتم تحبّونه ويحبّكم.! حزب التّحرير هو من يجب أن يكون لأنّه انبثق استجابة للوحي ولقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد بن حسين – تونس