خبر وتعليق غزة ووهم الوطنية ومحدودية الأمن القومي المصري
الخبر:
تناقلت أجهزة الإعلام والصحف المحلية والدولية المبادرة المصرية لوقف القصف المتبادل بين الفصائل الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي وكيان يهود (إسرائيل).
وفي السياق ذاته، أوضحت شبكة “سي.إن.إن” الإخبارية، الثلاثاء، أنه كان من المقرر أن يسافر كيري من فينا، حيث يشارك في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، إلى مصر ثم قطر فى الأيام المقبلة لتمهيد الطريق لاحتمال وقف إطلاق النار بين الجانبين. وقد دعت مصر، أمس الاثنين، إلى وقف إراقة الدماء بين الجانبين وإنقاذ الأحياء.
التعليق:
لن نتناول المبادرة المصرية أو محتويات بنودها لوقف هذا القصف والتصعيد المتبادل له بين الطرفين، لأنها بادئ ذي بدء لا تستحق التعليق عليها لما يظهر فيها من استمرارية الدور المخزي والمذل للنظام المصري منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وكيان يهود (إسرائيل)، والتي أصبح بها هذا الكيان ليس فقط دولة معترفاً بها في المنطقة وعلى أرض فلسطين المغتصبة، بل وكفلت له الاستمرارية والتفوق العسكري والاقتصادي الدائم على جميع هذه الدول الهزيلة الكرتونية المسماة بالدول العربية، لن نتناولها من هذا المنظور والذي أضحى أوضح من أن تخطئه عين، أو يغالط فيه عقل، ولكن سنتناول هذه المبادرة من مفهوم هذه الوطنية الموهومة التي ما فتئ النظام المصري بدولته القطرية منذ نشأته يصدع بها الرؤوس ويحشو بها الصدور والقلوب خدمةً للغرب الكافر لتكريس تمزيق الأمة الإسلامية. فأحداث اليوم تسقط دعاوى هذا الوهم المسمى بالوطنية، فعن أي وهم يتحدث هؤلاء الوطنيون والمتشدوقون بما لا يعون؟!!. فإن كان النظام المصري الحالي مخلصاًً لوطنيته، أو حتى مخادعاً بها أهل مصر الكنانة، فعن أي وطنية يتحدثون؟!. أعن هذه الوطنية بدولتها القطرية التي أنشأها الغرب الكافر على أنقاض دولة الخلافة يتحدثون؟!. دولة الخلافة، تلك الدولة التي لم تكن تعرف ولاءً ولا انتماءً بين المسلمين إلا للإسلام وللمسلمين، ورغم ذلك عاش فيها جميع الطوائف وأصحاب الديانات في أمن واستقرار وعدل ورفاهية. فمنذ أن صارت مصر دولة وطنية قطرية بهذه الحدود التي خطها الكافر المستعمر، كما خط حدودَ دول المنطقة كلها، صار يزرع في قلوب وعقول المسلمين الفكر الوطني المنحط، الذي لا يجعل الشعوب ترى سوى ما تحت قدميه فلا تنهض، ولا ترى في العيش إلا متطلبات وغايات آنية أنانية مرتبطة ببذل الوسع في البحث عن القوت والأمن ولو على حساب العزة والكرامة والحرية. فمصر رغم أنها كانت ولاية في دولة الخلافة التي امتدت إلى أثيوبيا جنوباً وإلى أنطاكية شمالاً وإلى الحجاز شرقاً، انحصرت وتفتتت حتى في أوج أوقات دعاة الوطنية والقومية من أمثال عبد الناصر، حيث انفصل السودان عن مصر، ومن وقت قريب وقف هذا النظام المصري الدعي يتفرج، وأحياناً يرعى، تقسيم السودان حتى انفصل جنوبه عن شماله، وأصبحت منابع النيل – شريان الحياة في مصر – مهددة من جنوب السودان ومن أثيوبيا، وما زال دعاة الوطنية يتحدثون عن الحدود المصرية والمفهوم الضيق عن الأمن القومي المصري المحصور في هذه الحدود، والمهدد من قبل غزة التي كانت جزءًا من مصر وتحت إدارتها وإشرافها قبل نكسة يونيو 67!، فيبدو أن النظام المصري يفهم الأمن القومي المصري بأنه لا يتحقق إلا بقمع أهل مصر أنفسهم حفاظاً على هذه الدولة الوطنية القطرية صنيعة الغرب الكافر المستعمر المسماة دولة جمهورية مصر العربية.
فإن كان شر البلية ما يُضحك، فإن أشر من البلية أن لا تعرف عدوك من صديقك، والأشر من الجميع أن تتخذ من عدوك صديقاً، فهذا النظام المصري أصابه “الحَوَل السياسي” أو هكذا يريد أن يصدر المشهد لأهل مصر الكنانة، فنرى أبواقه التي ما فتئت تزرع في قلوب الناس الفزع من شبح الإرهاب وتلصقه بالإسلام والعاملين للإسلام، تصور وتزين للناس الوطنية بتأييد كيان يهود (إسرائيل) في سفكها دماء المسلمين وانتهاك حرماتهم في شهر رمضان الكريم الذي يوحد مشاعر المسلمين على الفرحة به، فتحيل هذه الفرحة غصة في حلق أهل غزة، وألماً يعتصر قلوب المسلمين. فمنذ متى صار يهود الصهيونية في فلسطين أصدقاء وحلفاء للمسلمين؟! منذ متى توقفوا يوماً عن تهديد الأمن القومي المصري سواءً في سيناء أو في دول حوض النيل في أفريقيا؟!. منذ متى توقفوا يوماً عن تخريب الاقتصاد المصري في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة؟!. هكذا يسقط وهم الوطنية التي تخدعون وتوهمون الناس بها، أم تُراها وطنيةً أصابها هى أيضاً “الحَول السياسي” فأصبحت ترى في نظام يفرق الناس في مصر بين شعبين مؤيد له ومعارض له، فمؤيده وطني، ومعارضه خائن وعميل؟! أما كيان يهود فحلفاء استراتيجيون!!!.
فالخائن الحقيقي هو من يخون الإسلام والمسلمين الذين هم غالبية أهل مصر والعميل الحقيقي هو من يعمل على تكريس الحدود المرسومة استعمارياً لصالح يهود والغرب الكافر المستعمر الذي أوجد لهم كيان (إسرائيل). أما من يعمل لتحرير الأمة الإسلامية من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد القهار ومن تمزق الوطنية والقومية إلى الوحدة في ظل الإسلام ومن جور الرأسمالية والديمقراطية إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وذل العيش إلى سعة الدنيا وكرامة العيش فيها وسعادة الآخرة، فهؤلاء المؤمنون حقاً، الذين يكفيهم أن نذكرهم بقول الله سبحانه وتعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ فيدركوا أنه مهما كان الخلاف بين المؤمنين فلا يفصم عرى الأخوة بينهم لا وطنية ولا قومية ولا عصبية، ويذكرهم بحرمة تأييد الكفار في حربهم على المسلمين وفيما يفعلونه من سفك لدمائهم وانتهاكٍ لحرماتهم. ويكفيهم أن نذكرهم بقوله سبحانه وتعالى ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ فلا حساب أمام الله سبحانه وتعالى يوم القيامة على أساس من الوطنية والقومية والجنسية والعصبية، فالكرامة عند الله سبحانه وتعالى أساسها واحد وهو:
﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
علاء الدين الزناتي
رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية مصر