كتيب – التقرب إلى الله ح 7 الإكثـار من النـوافـل
وذلك مثل قيام الليل فإن فضله عظيم وهو السبيل إلى المقام الموعود، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: “عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد، وفي الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء”، قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: ” ن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا آتاه إياه، وذلك كل ليلة”، وإذا استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات كما أخبر الرسول الكريم بذلك، يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله: لم أجد من العبادة شيئا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.
ومن النوافل الاعتكاف وخاصة في رمضان حتى ولو كان قصيرا، ومنها صلاة الضحى، وصلاة التراويح وصلاة الوتر، والاستخارة في الأمور كلها، والإكثار من الصدقات وأداء العمرة وصوم التطوع في الأيام التي حددها الشارع، وغير ذلك كثير وقد كان السلف الصالح يكثرون من فعل النوافل ويرجون من الله أن يكون ذلك طريقا إلى التوفيق وتحقيق الغايات، ففي يوم الاثنين 19 جمادى الأولى سنة 757 هـ، 28 أيار سنة 1453 م ندب السلطان محمد الفاتح جنده لصيام ذلك اليوم تقربا إلى الله، وتزكية لنفوسهم استعدادا للهجوم النهائي الذي قرر أن يشنه في اليوم التالي على القسطنطينية، وما أن أذنت شمس يوم الاثنين بالمغيب وأدى المجاهدون صلاة المغرب، أقبلوا يتناولون إفطارهم، ثم دعا السلطان مجلس حربه، وقادة جيشه إلى الاجتماع الأخير قبل بدء الهجوم، وخطب فيهم خطبة، جاء فيها ما يلي:
“إذا أعاننا الله عز وجل ففتح علينا القسطنطينية فسيتحقق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعجزة من معجزاته العظام، وسيكون من حظنا ما تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من التقدير والتشريف، فأبلغوا أبناءنا العساكر فردا فردا أن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدرا وشرفا، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا نصب عينيه، فلا يصدر عن أي واحد منهم ما ينافي هذه التعاليم، وليتجنبوا الكنائس والمعابد، ولا يمسوها بأذى، وليدعوا القساوس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون”.
وحين تنزل نصر الله عز وجل كان أول عمل بدأ به السلطان محمد الفاتح أن خر ساجدا على الأرض شكرا لله على ما أفاء على المسلمين من نصر مؤزر مبين، وما كاد العثمانيون يدخلون المدينة حتى وثب العديد منهم إلى أعالي الأسوار يزيلون الرايات البيزنطية من فوقها ويرفعون مكانها الرايات الإسلامية العثمانية، وفي تلك الأثناء كان العشرات من المجاهدين يرفعون أصواتهم بالأذان من فوق أسوار المدينة، ولما بلغ الفاتح منتصف المدينة، توقف عن المسير وقرأ بلغة عربية فصحى البشارة النبوية الكريمة: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”.
لما أبطأ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح مصر كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه: “أما بعد فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر تقاتلونهم منذ سنين وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم وإن الله تعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نياتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر (الزبير بن العوام، المقداد بن الأسود، عبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد) وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما أعرف إلا أن يكون غيرهم ما غير غيرهم، فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس و حضهم على قتال عدوهم ورغبهم في الصبر والنية وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس وأمر الناس أن يكونوا لهم صدمة رجل واحد وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة فإنها ساعة تنزل فيها الرحمة ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله وليسألوه النصر على عدوهم”.
فلما أتى عمرا الكتاب جمع الناس وقرأه عليهم ثم دعا أولئك النفر فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا ويصلوا ركعتين ثم يرغبوا إلى الله ويسألوه النصر ففتح الله عليهم.