الخلافة: كيف تنعقد؟ وبِمَن؟ج4
حكم المتسلِّط
وعلى هذا فإنّه إذا قام متسلِّط واستولى على الحكم بالقوّة فإنّه لا يصبح بذلك خليفة، ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين، لأنّه لم تنعقد له خلافة من قِبَل المسلمين. وإن أخذ البيعة من الناس بالإكراه والإجبار لا يصبح خليفة ولو بُويع، لأنّ البيعة بالإكراه والإجبار لا تُعتبر ولا تنعقد بها الخلافة، لأنّها عقد مراضاة واختيار لا يتمّ بالإكراه والإجبار، فلا تنعقد إلا بالبيعة عن رضا واختيار. وبهذا المعنى القول الشهير لأمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: (من بايع رجلًا من غير مشورة من المسلمين فلا يُتابع هو ولا الذي بايعه تَغِرَّة أن يقتلا). متفق عليه.
أمّا موضوع السلطان المتغلِّب الذي ورد في بعض كتب الفقه، فيجب إدراك معناه، وليس فقط تكرار اللفظ “السلطان المتغلِّب” دون أن يُدرك متى وكيف يمكن أن تقوم شرعًا به قائمة، ومتى وكيف لا تقوم به شرعًا أيّة قائمة، بل يكون وبالًا على أهله!
إنّ السلطان المتغلِّب يكون آثماً على سفك دماء المسلمين والتسلُّط عليهم بالقهر والجبر والإكراه، ولا تقوم به خلافة شرعًا لمخالفته الطريقة الشرعية في نصب الخليفة… غير أنّ من الفقهاء من يرى أنّ هذا السلطان المتغلِّب يصبح حكمه مشروعًا إذا تحقّقت له شروط أبرزها:
أ- يتغلّب في بلد له مقوِّمات الدولة حسب المنطقة حوله، فيكون له السلطان المستقرّ فيها ويكون له فيها حفظ أمن البلد داخليًّا وخارجيًّا تجاه المنطقة حوله.
ب- يطبق الإسلام بالعدل والإحسان في ذلك البلد، ويسير السيرة الحسنة بين الناس، فيرضون به.
ج- يقوم الناس في ذلك البلد ببيعته بيعة انعقاد بالرضا والاختيار، وليس بالإكراه والإجبار، وبشروط البيعة الشرعية، ومنها أن تكون البيعة في الأساس من أهل ذلك البلد، وليست من مجموعة السلطان المتغلِّب، لأنّ البيعة الشرعية هي هكذا، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلمفي الأساس على أخذ بيعة الأنصار أهل المدينة المنوَّرة بالرضا والاختيار، وليس أخذها من أصحابه المهاجرين، وبيعة العقبة الثانية تنطق بذلك.
وهكذا يستمرّ السلطان المتغلِّب آثمًا، لا تقوم به قائمة شرعية إلّا بعد أن تتحقَّقَ له الشروط الثلاثة أعلاه، فعندها يصبح حكم السلطان المتغلِّب مشروعًا من لحظة تلك البيعة بالرضا والاختيار. هذا هو واقع السلطان المتغلِّب، فعسى أن تعيها أذن واعية. وواضحٌ منها أنّ هذه الشروط لم تتحقّق لأصحاب ذلك الإعلان، بل فرضوا أنفسهم وإعلانهم على غير وجه حقّ.
ممّا سبق يتبيّن أنّهم لم يتّبعوا الطريقة الشرعية الصحيحة، ولا حتّى طريقة السلطان المتغلِّب. بل أعلنوا الخلافة على غير وجهها، وقبل أن تتحقَّق لهم شروطها، فكان إعلانهم لا وزن له شرعًا ولا قيمة، بل هو لغو كأن لم يكن، فلم يتغيّر واقعهم، بل استمرّوا كما كانوا تنظيمًا مسلَّحًا.
اللهم اهدنا إلى أرشد سبيلنا، ووفِّقنا إلى ما تحبّ وترضى، واجعلنا أهلًا لنصرك الكريم، وانصرنا وانصر بنا، ومُنَّ علينا بخلافة على منهاج النبوة، واجعل أفئدة من الناس تهوي إليها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أعدها: الأستاذ أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان
في الخامس عشر من رمضان المبارك 1435هـ