دم المسلمين واحد لا يتجزأ
غزة في فلسطين تنزف.. وعرسال وإدلب وحمص وحلب وغيرها في سوريا تنزف.. وميانمار في بورما تنزف.. وبانغي في أفريقيا الوسطى تنزف.. وقبلهم وبعدهم دماء المسلمين تنزف في كل مكان… وكأنها دماء مستباحة رخيصة لا بواكي لها ولا حامي! لا مانع لها ولا منقذ!
ففي ميانمار وفي حرب إبادة جماعية قتل عشرات الألوف من مسلمي الروهينجا حرقا وقتلا وتمثيلا بالجثث وشرد مثلهم، وكم سمعنا عمن ماتوا غرقا وهم يحاولون الهروب من أتون هذه النار المحرقة! غير حرق البيوت والمساجد.. والحرب ضدهم مستمرة! فهي حرب ضد الإسلام والمسلمين من البوذيين الكفرة.
وفي أفريقيا الوسطى وخلال الأشهر الماضية يعيش مسلموها مأساة تطهير عرقي تفوق الحدود ذاقوا فيها شتى أنواع العذاب والقتل والحرق والتنكيل بالجثث وتقطيعها إلى أشلاء وحرق البعض أحياء ولم يسلم منها صغير أو كبير حيث قدرت الأعداد بعشرات الآلاف في جرائم وصفت بأنها إبادة جماعية، وحرق أكثر من 350 مسجداً ومزقت المصاحف وكانت تداس بالأقدام.. وأشارت آخر إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن من تبقى من مسلمي أفريقيا الوسطى في العاصمة أصبحوا أقل من ألف شخص من أصل 145 ألفاً كانوا يعيشون في العاصمة وأن هناك قرى ومدناً للمسلمين في الغرب اختفت تماما وقتل سكانها.
وفي سوريا الجرح النازف قدرت أعداد الشهداء فيها 110674 شهيدا في حوالي 3 سنوات، والعدد يزداد كل يوم.. غير هدم البيوت والممتلكات والتهجير واللجوء والاغتصاب والخطف وغير ذلك من وسائل إجرامية وحشية ترتكب بحق السكان المدنيين العزل لإرهابهم والضغط عليهم للقبول بالحلول الاستسلامية الانهزامية التي يودون بها الالتفاف على مطالبتهم بالإسلام، فلا زالت الدماء الزكية تسيل في ظل مؤامرات تُحاك ضد هذه الثورة المباركة..
وفي غزة أعلن أن حصيلة الحرب الأخيرة هي 1888 شهيدا، وإصابة أكثر من 9570 آخرين، والعدد مرشح للزيادة في ظل غدر يهود ووحشيتهم، وهناك عائلات أبيدت بكاملها، هذا غير البيوت والممتلكات والمساجد والمؤسسات التي هدمت تحت أطنان المتفجرات التي ألقيت برا وجوا وبحرا خلال ما يقرب الشهر وهم وحدهم ولا حامي ولا معين إلا الله..
لو نظرنا إلى هذه المآسي وغيرها لوجدنا أن الضحايا فيها جميعهم مدنيون عزّل جلّهم من النساء والأطفال والمسنّين، تُسفك دماؤهم وتسيل شلالات وبوسائل وأساليب وحشية ولا بواكي لهم، جرائم الضحية فيها واحد وهم المسلمون حتى لو اختلف الجاني ومكانه وجنسيته ولغته وكأنها حرب إبادة للمسلمين.. وكل هذا يحصل أمام الصمت القاتل للعالم العربي والإسلامي والدولي.. هذا المجتمع الدولي الذي يدّعي دوما حقوق الإنسان والطفل والمرأة، والذي لا نسمعه إلا تعريضا وهجوما على أحكام الإسلام وشرعه. فكما جاء في قانونهم الوضعي المسمى القانون الدولي الإنساني، وفي المادة السابعة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عن الجرائم ضد الإنسانية: (يشكل أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وتتضمن مثل هذه الأَفعال القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والعبودية الجنسية، والإبعاد أو النقل القسرى للسكان، وجريمةِ التفرقة العنصرية وغيرها. الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية عرضة للعقاب بصرف النظر عن ارتكابها وقت الحرب أو السلام). بالله عليكم يا دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان: ماذا تعتبرون هذه الجرائم البشعة ضد الإنسان! أليست جرائم ضد الإنسانية!؟ أم أن هؤلاء ليسوا ببشر!!
أم أن الكيل بمكيالين ملازم لكم ملتصق بأفعالكم وأقوالكم حتى أصبح جزءا منكم! تكتبون نصوص القانون الدولي وترون انتهاكه وتقفون ساكتين عاجزين حتى عن الشجب والاستنكار لمثل هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية! لو كان الأمر مغايرا وقُتل إنسان واحد غير مسلم في بلد مسلم لأقمتم الدنيا ولم تقعدوها مطالبين بالقصاص والعقوبة، أما ألوف بل عشرات الألوف من الضحايا فيس لهم حق القصاص أو العقوبة من الجناة! ولماذا!! فقط لأنهم مسلمون..
إن كنا قد تعودنا هذا الصمت والتخاذل والتآمر من المجتمع الدولي والأنظمة العميلة التابعة للغرب في العالمين الإسلامي والعربي فإننا لا نقبله من الشعوب والأمة، إن لمسنا التفرقة العنصرية منهم فلن نقبلها منكم أيها المسلمون في كل مكان!! لقد رأينا في عدد من دول العالم ومنها العالم الإسلامي والعربي بعض المسيرات والفعاليات احتجاجا واستنكارا لأحداث غزة الأخيرة – أعان الله أهلنا فيها وثبتهم – وهذا أقل ما يمكن فعله مساندة لهم، فما تعرضوا إليه تشيب منه الولدان، ولكننا لم نر مثل ذلك استنكارا لجرائم بشار في سوريا أو البوذيين الكفرة في بورما أو النصارى الحاقدين وفرنسا في أفريقيا الوسطى، مع أن الضحية واحد هم أناس مسلمون أبرياء! فهل يتجزأ الدم! وهل تختلف المأساة إن كانت بعيدة عنا جغرافيا ومكانياً! أليست دماء المسلمين كلها غالية يجب الحفاظ عليها والدفاع عنها! أم أن من في غزة إنسان وفي سوريا وبورما وباغي غير ذلك؟! وأؤكد هنا أنني لا أقلل من هول مأساة أهلنا في غزة، بل أتساءل لم لا يكون هذا وأكثر منه لكل دم مسلم يراق ظلما وعدوانا أينما كان!!
قاتل الله القومية والوطنية التي زرعت الفرقة بين أبناء الجسد الواحد وهو الأمة الإسلامية، هذه الأمة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالحمى والسهر».. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا».. تكلم هنا عن كل المؤمنين باختلاف جنسياتهم وعرقهم ولونهم ومكان سكناهم ولم يخصص منطقة أو بلداً أو لوناً، فما جمعه الإسلام لماذا نفرّقه نحن!! ولماذا البكاء والعويل والحزن فقط في مكان واحد ولا نرى ذلك في المجازر التي تحدث في كل مكان ضد المسلمين! حتى الإعلام يتناول أي قضية من هذه القضايا حسب ما يخدم أجندته وأهدافه في ظل صراع المصالح للدول الغربية والتي هي أبعد ما تكون عن نصرة الإسلام والمسلمين..
إن دم المسلمين في سوريا وفلسطين وبورما وأفريقيا الوسطى وأوزبكستان وكشمير والصين والهند كله واحد، وكما انتصر المسلمون لصرخة امرأة أو بكاء عجوز أو استغاثة رجل في بقاع مختلفة من العالم بغض النظر عن جنسيته أو لونه أو عرقه أيام كانت لهم دولة وكيان سياسي واحد يرعاهم ويدافع عنهم، فسينتصرون لهؤلاء المستضعفين ويدافعون عنهم وينتقمون ممن ظلمهم عندما تعود تلك الدولة ويعود هذا الكيان السياسي الواحد الموحّد تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.. هذه الدولة التي ستطبق حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم : «المسلمون تتكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»..
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم صهيب الشامي