مع الحديث الشريف باب ما جاء في فضل النكاح
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في حاشية السندي، في شرح سنن ابن ماجة “بتصرف” في “باب ما جاء في فضل النكاح”
حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن قيس قال: كنت مع عبد الله بن مسعود بمنى فخلا به عثمان فجلست قريبا منه فقال له عثمان: هل لك أن أزوجك جارية بكرا تذكرك من نفسكَ بعضَ ما قد مضى فلما رأى عبد الله أنه ليس له حاجة سوى هذه أشار إلي بيده، فجئت وهو يقول لئن قلت ذلك لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.
(يا معشر الشباب) المعشر: الطائفة التي يشملها وصف كالنوع والجنس ونحوه، قوله: (الباءة) بالمد والهاء على الأفصح يطلق على الجماع والعقد، ويصح في الحديث كل منهما بتقدير المضاف أي مؤنه وأسبابه، أو المراد هاهنا بلفظ الباءة هي المؤن والأسباب إطلاقا للاسم على ما يلازم مسماه، (فليتزوج) أمر ندب عند الجمهور إلا إذا خاف على نفسه، (أغض) أجسر (وأحصن) أحفظ (فإنه) أي الصوم (له) أي للفرج (وجاء) بكسر الواو والمد أي: كسر شديد يذهب بشهوته.
إنَّ الخطاب فيه توجَّه للشباب القادر على الجماع؛ لأنّ الغالب فيهم وجود قوة الداعي إلى الوطء بخلاف الشيوخ، ولأنّ العاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لقطع شهوته، فكان معنى الاستطاعة في الحديث القدرة على تكاليف الزواج ونفقته لا على القدرة على الوطء. وقد فسرت الباءة أيضا بالوطء ، كما فسرت بمؤن النكاح.
أيها المسلمون:
إن هذا الحديث فيه تشريع وعلاج مهم في حياة الإنسان، فقاعدة الاستطاعة هي الأصل في حياة المسلمين، بحيث يستطيع أي مسلم أن يتزوج وأن يمارس حياته كأبٍ له عائلة يعولها، فيربي أبناءه ويعلمهم وينفق عليهم ويفقههم أمور دينهم ودنياهم، هذا الأصل والطبيعي في حياة كل مسلم، “فمن استطاع منكم الباءة فليتزوج”، إلا أنه أحيانا يخرج عن هذا الأصل وعن هذه القاعدة بعض المسلمين لقلة ما بين أيديهم وللفاقة والفقر، فلا يستطيعون الزواج، مع قدرتهم على الجماع، لذلك يوجههم الحديث الشريف للصوم، فالصوم يخفف من الشهوة. فما أجمل هذا التوجيه الرباني وأروعه؟! هكذا يبعد الإسلام الإنسان عن الوقوع في الفاحشة والحرام. وهذا لا يتعارض مع رعاية الدولة الإسلامية لرعاياها من توفير أسباب الحياة الكريمة الطبيعية للإنسان.
أيها المسلمون:
هذا ما نذكره عندما كان الإسلام مطبقا في ظل دولة وخلافة تطبق الإسلام على الناس، ويكفي أن التاريخ يشهد أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قد وضع أموال الصدقات في المسجد للفقراء ولأصحاب الحاجة ولمن أراد الزواج، فبقيت الأموال كما هي لأن الأمة آنذاك كان لديها اكتفاء في كل شيء.
وما نعلمه اليوم ونراه ونشاهده في هذا الزمان يخلع القلوب من مكانها، فالقاعدة أصبحت مقلوبة: “يا معشر الشباب من استطاع منكم ألا يتزوج فليفعل فإنه أنفع للبصر وأمتع للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالزنى فإنه له دواء”. فوضع الحكام قيودا على الزواج ومنعوا الشباب من العمل، بل إن بعض الدول فرضت ضريبة على من يريد الزواج، ليجد كثيرٌ من شباب المسلمين وشاباتهم أنفسهم على قارعة العنوسة أو الفاحشة.
هذا حال أمة الإسلام بكل أسف نقولها. فتح حكامها الباب واسعا لتسلك هذا الطريق، فلا عفة ولا طهارة، ولا حرمة ولا حصانة. هكذا يريدونها لتصبح بلا رسول ولا رسالة ولا دولة ولا خلافة ولا تاريخ ولا حضارة، ولكن أنّى لهم هذا، وقد أزفت الآزفة، وأصبحت الأمة على أبواب الخلافة ترتج الكرة الأرضية لمؤتمر ينادي بالخلافة، يهتزّ العالم من هذه الكلمة التي تعني فيما تعنيه حكم الأرض بما وبمن عليها بالإسلام.
اللهمَّ عاجلنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرْ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.
احبتنا الكرام، والى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: أبو مريم