عندما يغيب حس رعاية الشؤون يتحول طلاب المدارس لمجرد أرقام!!
شهدت زيارة نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن أثناء مهرجان ختام فعاليات العمل الصيفي للاتحاد العام للطلاب السودانيين الذي استضافته مدينة القضارف، شهدت أحداثا مؤسفة، وذلك إثر إصابة عدد كبير من الطلاب والطالبات بحالات إغماء واسعة داخل استاد القضارف، وعزا مصدر طبي مسئول لصحيفة (المستقلة) الإصابات لحالات “هستريا” نتجت بسبب الجوع والإرهاق والتعب بالوقوف لساعات طويلة، وتجمهر الآلاف من المواطنين والأسر بمستشفي حوادث، حيث تم نقل الطلاب المصابين للمستشفى لتلقي العلاج والإسعافات، فيما وقعت اشتباكات بين الشرطة وطلاب خارج موقع الاحتفال، واستخدمت الشرطة “العصي” و”الخراطيش” في منع الطلاب من المرور بالطريق الرئيس لمنطقة السوق، وأبلغن طالبات دخلن في حالات إغماء “المستقلة” بأنهن فقدن بعض أمتعتهن وأشيائهن الخاصة، وحمل مراقبون اللجنة المنظمة مسئولية الأحداث والإخفاقات التي شهدها المهرجان وقال الطلاب للصحيفة: “إنهم تم إحضارهم منذ الصباح الباكر لحضور الاحتفال وظلوا واقفين حتى الساعة الواحدة ظهرا موعد ختام البرنامج، ولم يتم تقديم وجبات إفطار لهم، وأقر رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين بأن الطلاب قد تم إحضارهم منذ الصباح دون “أكل ولا شرب” وعبر خلال كلمته في الاحتفال عن اعتذاره للطلاب والطالبات المشاركين في المهرجان، فيما انتقدت أسر الطلاب تجاهل الحكومة لأبنائهن وبناتهن المصابات وعدم تفقد أي مسئول حكومي للمصابين في الاحتفال بالمستشفى.(صحيفة المستقلة). كلمة نائب الرئيس ذكر فيها أن الطلاب دفعوا ضريبة الوطن (صحيفة آخر لحظة).
حال الحشد السياسي الذي تقوم به الدولة ناتجة عن تخوفهم من انفضاض الناس من حولهم كواقع ملموس مما جعل الاستقطاب هو الخيار الوحيد لتحويل مركز تنبه الجماهير من الثورة على الظلم وهضم الحقوق إلى الحشد للحوار الوطني الذي هو استهلاك لا يقدم حلاً لمشاكل الناس المتأزمة إلى أبعد حد، بل يحاول النظام إظهار تأييد الناس له بحشدهم حتى أطفال المدارس الذين لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، ولكن السؤال الملح هل هناك قانون يسمح بتعطيل يوم دراسي كامل للطلبة وإخراجهم لحشد مثل هذا؟ أم أنه الابتزاز السياسي الذي ظلت الدولة تمارسه لعشرات السنين بل وبنت له صرحاً ممرداً أسمته “الساحة الخضراء” في الخرطوم! وقد تخصص منسوبو المؤتمر الوطني بهذا تعاونا مع الأجهزة الأمنية حيث يحضرون السيارات رغماً عن أنوف أصحابها أمام المؤسسات العامة التي لن يتخلف أحد بل لن يتردد لأن الحضور إجباري وإلا فقدت وظيفتك أو سُجّلت “طابور خامس” وبعدها تنهال عليك الاتهامات “معارض للمشروع الحضاري – شيوعي” وغيرها…
إن استغلال الطلاب كرصيد حشد متاح ومتوفر دائما هو أسوأ أنواع الاستغلال الذي لم يراع آدميتهم وحدوث الإغماء بسبب الجوع والعطش للطلاب أمر طبيعي نتيجة لضعف البنية أساساً الناتجة من سوء الأحوال الاقتصادية وهو ضروري لعدم وجود من يرعى شؤونهم ويرفق بهم فهم مجرد أرقام تقدم في حضرة نائب الرئيس وأجهزة إعلامه المضللة متخمي البطون ليسوق الحضور بأنه تأييد للنظام. نعم هو تأييد استخدمت فيه سياسة (جوّع كلبك يتبعك). أما ما أسماه نائب الرئيس بضريبة الوطن فهلا دفعها هو ومن معه! وهل كانوا جوعى وعطشى إلى أن أتوا إلى الاحتفال؟؟ أم أن المسئولين لا يدفعون ضريبة للوطن بل يدفع لهم الوطن كما هو في واقع الحال دائماً.
إن لجان الحشد الحكومية تتحمل أوزار كل ما حدث فهي التي أحضرت الطلاب لمكان الاحتفال بصورة ارتجالية دون توفير أكل أو شرب في وقت أغلق فيه السوق تماماً بأمر من الحكومة ما جعل الحضور في سجن يحرسه الجلادون بعصيهم وخراطيشهم في منظر يذكرنا بسخرية فرعون لقومه ولكن فرعون وهامان وجنودهما مشتركون في الإثم ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾.
يجب على أولياء الأمور فتح بلاغات عما حدث لاستعادة ممتلكات أبنائهم والمطالبة بعدم أخذ أبنائهم مرة أخرى كحشد لأي زائر لأنهم نعمة من الله كادوا أن يفقدوها مقابل لا شيء اللهم إلا الترويع الذي حدث للجميع، فماذا لو امتنع أولياء الأمور عن إخراج أبنائهم وهل هناك قانون يجبر الطلبة على الخروج لتأييد الحكومة؟ إن السكوت والاتباع لن يحل مشكلة فهل فكر الناس بممارسة دورهم الذي كلفهم به الله عز وجل وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابِهِ». وعلى حزب المؤتمر الوطني أن يعلم أن الحشد والتماس تأييد الناس يجب أن يكون من أجل رفع راية لا إله إلا الله محمد رسول الله والجهاد في سبيل الله تماما كما فعل الأبطال الفاتحون في بداية نشر دعوة الإسلام فكانوا يسيرون بعدد قليل يلتمسون انضمام الناس لهم وتأييدهم وقد كان، فأصبحوا جيوشا جرارة من أفراد خرجوا من جزيرة العرب فاحت سيرتهم العطرة التي ابتغوا بها وجه الله وليس كراسي معوجة قوائمها، ونذكر المؤتمر الوطني على من حشدوا الناس بطريقتهم وأسموها جماهيرية شعبية انتفضت عليهم جماهيرهم فكانوا عبرة لمن يعتبر، ومنهم من وقف في آخر أيام حكمه ليقول لقد حشدت في حزبي ما يفوق الخمسه مليون لم يجد من يذب عنه غضب الشعب من هؤلاء.
ونذكر الناس بأن الاستجابة لحشدهم بهذه الصورة تعني الرضا بما هو واقع عليهم وإلا فلا يستجيبوا لهذا السَّوق وعليهم أن يطالبوا الحكومة بالعدل والإحسان بتطبيق شرع الله وليأخذوا على يدها في ذلك ليبرأوا من التبعية العمياء المهلكة للحرث والنسل مبتغين رضا رب العالمين وليتبعوا «لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى». ولكن من يقوم بحشد يرضي رب الناس للجهاد هي الدولة الإسلامية التي مؤيدها الله بعدلها باتباعها لكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فكتب لها القبول الحقيقي بين الناس ففدوهم بنفوسهم فنال الجميع خيري الدنيا والآخرة لأنهم تحقق فيهم قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أواب / غادة عبد الجبار