خبر وتعليق بطاركة الشرق يدعون حكام المسلمين إلى تبديل الإسلام وهدم أصوله
الخبر:
دعا بطاركة الشرق الكاثوليك، بعد اجتماعهم مع سفراء الدول الكبرى في بكركي يوم الأربعاء في السابع والعشرين من آب الفائت، إلى تجريم الاعتداء على النصارى وممتلكاتهم، وأكدوا وجوب وضع حد للتنظيمات الأصولية والإرهابية، معتبرين أنه “لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى صامتاً أمام وجود “داعش”. ورأوا أنه “لكي تتمكن دول الشرق من أن تنعم بسلام، عليها أن تعمل على فصل الدين عن الدولة وقيام الدولة المدنية، فالعصبية الدينية قد تحقق حلمها بدولة خاصة بها لكنها لن تستطيع أن تحقق دولة السلام، فلا بد من نشر فلسفة الدولة الحديثة”. ودعوا إلى “إصدار فتوى تحرم تكفير الآخر إلى أي دين أو أي مذهب أو أي معتقد انتمى”.
التعليق:
لقد بات واضحًا لكل ذي بصر وبصيرة أن زعماء حلف الأقليات الذي نشأ في المنطقة ضد حراك الأمة الإسلامية يستثمرون حالة الرعب التي أحدثها “تنظيم الدولة”، جاعلين منها مدخلًا للتحريض على الإسلام وشريعته ومشروعه السياسي، حتى وصل الأمر ببيان بطاركة الشرق إلى أن يتجرأ على المس بأصول الدين الإسلامي، حين دعا حكام المسلمين بكل صراحة إلى إسقاط مفهوم الكفر المقابل لمفهوم الإيمان في الإسلام، وإلى تجريم من يكفّر المخالفين أيا كان دينهم!
إن هذه الدعوة هي في حقيقتها – من حيث أراد المؤتمرون أو لم يريدوا – دعوة إلى تجريم الإسلام نفسه والقرآن ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. فإن من يقرأ القرآن من دفته إلى دفته يجده مليئًا بتعابير “الكفر والكفّار والكافرين” مقابل “الإيمان والمؤمنين والمسلمين”. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾، وقال سبحانه: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾.
فيا حضرات البطاركة المؤتمرين:
أنتم تعرفون حق المعرفة أنه ما من ديانة إلا وتكفّر الأخرى. وأقرب مثال لكم أن كنائسكم التي تتكلمون باسمها تكفّر كل من لا يؤمن بألوهية المسيح عليه السلام، من المسلمين وغيرهم، وإنْ بتعابير مختلفة. ثم ألا ترون أنكم تحكمون بتكفير اليهود الذين كفروا بالمسيح عليه السلام وأغروا الرومان بصلبه؟! والتكفير ههنا أيها البطاركة ليس من باب الشتم ولا الإهانة، وإنما هو من باب الوصف والتقرير. وفي هذا السياق نلفت نظركم إلى أن المسلمين آمنوا بموسى وعيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام وبالتوراة والإنجيل اللذين أوحيا إليهما، قال تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِه﴾. ولكنكم كفرتم برسالة محمّد وكتابه الذي أوحي إليه، فهل نحن مفترون بهذا الكلام أم واصفون لواقع؟! ومع ذلك فإننا نتورع عن إهانة ديانتكم واستفزاز أتباعها، إذعانًا منا لأمر الله تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
يا حضرات البطاركة، ليس من الإنصاف أن تجعلوا من ظاهرة “تنظيم الدولة” وسيلة لتخويف الأقليات وأتباع الطوائف من الشريعة الإسلامية وللمطالبة بفصل الدين عن الدولة. فهل رأيتم المسلمين حين حملوا الإسلام إلى العالم وملكوا أوسع بلاد الدنيا وبقيت دولتهم أقوى دول المعمورة مئات السنين، هل رأيتموهم ألغوا أهل الأديان من الوجود وأرغموهم على ترك أديانهم ومنعوهم من ممارسة شعائرهم؟! يقول المستشرق الشهير توماس أرنولد: “لقد عامل المسلمون المسيحيّين العرب بتسامح عظيم منذ القرن الأوّل للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع بحقّ أن نحكم أنّ القبائل المسيحيّة التي اعتنقت الإسلام إنما اعتنقته عن اختيار وإرادة حرّة، وأنّ العرب المسيحيّين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التّسامح”. بل ويقول أيضًا في شأن العهد العثماني: “إن المعاملة التي أظهرها السلاطين العثمانيون للرعايا المسيحيين – على الأقل بعد أن غزوا بلاد اليونان بقرنين – لتدل على تسامح لم يكن مثله حتى ذلك الوقت معروفًا في سائر أوروبا. وإن أتباع كالفِن في المجر وترانسلفانيا، وأصحاب مذهب التوحيد من المسيحيين الذين كانوا في ترانسلفانيا، طالما آثروا الخضوع للأتراك المسلمين على الوقوع في أيدي أسرة هابسبورج المتعصبة. ونظر البروتستانت في سيليزيا إلى السلطنة بعيون الرغبة، وتمنوا بسرور أن يشتروا الحرية الدينية بالخضوع لحكم الإسلام”.
ألا ترون يا “أصحاب الغبطة” أنكم انحدرتم من آباء وأجداد أقاموا في هذه البلاد وسكنوها طوال قرون من حكم المسلمين؟! فهل كانت الدولة التي صانت أجدادكم وحافظت على كنائسكم طوال التاريخ الإسلامي علمانية تفصل الدين عن الدولة؟! أليست الشريعة الإسلامية هي التي حفظت لهم كنائسهم وكفلت لهم ممارسة شعائرهم الدينية وتطبيق شرائعهم في أحوالهم الشخصية طوال ثلاثة عشر قرنًا من الزمان؟!
يا حضرات البطاركة:
إنها أيام ملبدة وقاسية تلك التي تمر بها المنطقة، قاسية على الجميع من المسلمين والنصارى وغيرهم، ولكنها في الوقت عينه حافلة بإرهاصات التغيير والتخلص من عبء الحضارة الغربية وعلمانيتها وشرائعها المنتنة التي لم تجلب علينا وعليكم سوى الويلات. ولن تتمادى هذه الأيام القاسية كثيرا بإذن الله تعالى، لتسفر عن حقبة جديدة من التاريخ، تعود فيها للإنسان كرامته، مسلمًا كان أو غير مسلم، في ظل شريعة الله التي تعرف للإنسان شأنه وكرامته.
قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان