مع الحديث الشريف باب هلك المتنطعون
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جاء في صحيح الإمام مسلم في شرح النووي “بتصرف” في “باب هلك المتنطعون”
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث ويحيى بن سعيد عن ابن جريج عن سليمان بن عتيق عن طلق بن حبيب عن الأحنف بن قيس عن عبد الله قال:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “هلك المتنطعون” قالها ثلاثا.
قوله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. وقد ذكر أهل العلم أمثلة للتشدد والتنطع، منها تكلف الشخص من العبادة ما لا يستطيع فيؤدي به ذلك إلى فوات الأفضل أو إلى السآمة فينقطع الشخص. وذلك كمن يتكلف في قيام الليل ويطيل فيه حتى يتعب من السهر، فتغلبه عيناه عن صلاة الفجر في الجماعة، أو عن أدائها في وقتها المختار أو الضروري، ومن ذلك الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة كمن يترك رخصة الفطر في حال السفر أو المرض، أو يترك التيمم فيستعمل الماء وهو يضره….. ومن التنطع كثرة الأسئلة والتفريعات، وقد كان السلف الصالح يكرهون الأسئلة عما لم يقع، فإذا سئلوا عن شيء لم يقع يقولون: دعوه حتى يقع.
في هذه الفترة المظلمة التي نعيشها والتي كثر فيها التآمر على الإسلام والمسلمين، والتي تسيل فيها دماء المسلمين أنهارا في كل البقاع، في هذه الظروف يستغل الكفار المجرمون بعض المسلمين خصوصا الذين أصابهم اضطراب فكري، سواء من فرّط منهم أو أفرط في فهم الدين.
أما سبب هذا الاضطراب الفكري، والانحراف في الفهم عن الصواب، فيرجع إلى الغزوة الكاسحة للحضارة الغربية التي تحكمت في تفكيرنا وذوقنا تحكمًا تامًا غيرت به مفاهيمنا عن الحياة.
فحين ظهرت الحضارة الغربية في بلاد الإسلام وظهرت أشكالها المدنية، ورقيها المادي، ﺑﻬرت أبصار الكثيرين. فصاروا يأخذون هذه الأشكال المدنية ويقلدون الحضارة الغربية دون أن يميزوا الفرق بين الحضارة الغربية والأشكال المدنية، ودون أن يدركوا أن الحضارة تعني مجموع المفاهيم عن الحياة، وأﻧﻬا طريقة معينة في العيش. وأن المدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل كوسائل وكأدوات في الحياة،. لذلك رأينا الفتوى بجواز أخذ الحضارة الغربية كاملة بعجرها وبجرها دون تفريق. وفي المقابل رأينا من وقف أمام هذه الحضارة رافضا لها جملة وتفصيلا، رافضا كل ما أنتجته ولو كان علوما ومعارف لا شأن لها بالمفاهيم عن الحياة. فتشدد أصحاب هذا الرأي تشددا في غير محله، فحرموا بتشددهم هذا ما أحل الله لهم، وخرجوا عن النص القرآني وتنطّعوا.
أيها المسلمون:
لماذا ولمصلحة من هذا الاضطراب الفكري؟ ولمصلحة من التشدد والتنطع؟
لا شك أن الهجمة على الدين شرسة، فهي حرب على الإسلام وأفكاره، فعندما لم يستطع الغرب القضاء على الإسلام مباشرة، قرر القضاء على الفهم الصحيح له عند أتباعه. فقد وصل الأمر عند بعض المسلمين أن يقبلوا بإقامة صلاة الجمعة بدون خطيب، حيث اكتفوا بسماع الخطبة من خلال آلة التسجيل. إنه الهجوم القذر على الإسلام وأفكاره، الهجوم الذي دفع بعضهم إلى تحريم نكاح الأقارب كبنات العم وبنات الخال مثلا، في الوقت الذي يباح فيه نكاح الأقارب. أي دين هذا الذي يريدونه للمسلمين؟ أنه دين الحضارة الغربية التي ما فتأت تبحث عن طريق للقضاء عليه. ولكننا نأخذ حديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – “هلك المتنطعون” بتفاؤل، فمصير هؤلاء المتنطعين الهلاك، وذلك عندما توضع الأمور في مكانها الصحيح، عندما تقوم الخلافة الحقيقية وهي قائمة قريبا بإذن الله. عندها ستوضع الأحكام الصحيحة موضع التطبيق وتنبذ الأحكام التنطعية.
اللهمَّ عاجلنا بخلافة تلم فيها شعث المسلمين، ترفع عنهم ما هم فيه من البلاء، اللهمَّ أنرْ الأرض بنور وجهك الكريم. اللهمَّ آمين آمين.
احبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبه للإذاعة: أبو مريم