نداءات القرآن الكريم النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ج1
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا). (النساء 144)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء السابع والعشرين نتناول فيه الآية الكريمة الرابعة والأربعين بعد المائة من سورة النساء التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا). نقول وبالله التوفيق:
أيها المؤمنون:
يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: وهكذا لا يعود الإيمان مجرد مشاعر وتصورات, ولا يعود الإسلام مجرد كلمات وشعارات، ولا مجرد شعائر تعبدية وصلوات.. إنما هو إلى جانب هذا وذلك، وقبل هذا وذلك. نظام يحكم، ومنهج يتحكم، وقيادة تطاع، ووضع يستند إلى نظام معين، ومنهج معين، وقيادة معينة. وبغير هذا كله لا يكون إيمان، ولا يكون إسلام، ولا يكون مجتمع ينسب نفسه إلى الإسلام.. وتترتب على إقرار هذا المبدأ الأساسي توجيهات كثيرة في السورة. كلها تفريعات على هذا الأصل الكبير:
أولا: يترتب عليه أن تكون التنظيمات الاجتماعية كلها في المجتمع- شأنها شأن الشعائر التعبدية- مرتكنة إلى هذا الأصل الكبير، مستندة إلى معنى الدين، وحد الإيمان، وشرط الإسلام، على هذا النحو الذي قررته تلك النماذج التي أسلفنا. فهي ليست مجرد تنظيمات وتشريعات. إنما هي مقتضى الإيمان بالله والاعتراف بألوهيته، وإفراده بالألوهية، والتلقي من القيادة التي يحددها .. ومن ثم نرى كل التشريعات والتنظيمات التي أشرنا إليها تستند إلى هذه الجهة، وينص في أعقابها نصا على هذه الحقيقة:
آية الافتتاح التي تقرر وحدة البشرية، وتدعو الناس إلى رعاية وشيجة الرحم، وتعد مقدمة لسائر التنظيمات التي تلتها في السورة .. تبدأ بدعوة الناس إلى تقوى ربهم الذي خلقهم من نفس واحدة: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة” .. وتنتهي إلى تقواه، وتحذيرهم من رقابته: “إن الله كان عليكم رقيبا” …
ثانيا: ويترتب على إقرار ذلك الأصل الكبير أن يكون ولاء المؤمنين لقيادتهم ولجماعتهم المؤمنة. فلا يتولوا أحدا لا يؤمن إيمانهم، ولا يتبع منهجهم، ولا يخضع لنظامهم، ولا يتلقى من قيادتهم. كائنة ما كانت العلاقة التي تربطهم بهذا الأحد. علاقة قرابة. أو جنس. أو أرض أو مصلحة. وإلا فهو الشرك أو النفاق، وهو الخروج من الصف المسلم على كل حال: قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم، وساءت مصيرا. إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا) .. (115-116) .. وقال تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)… وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا، إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا، إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين، وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما). (144 – 146)
ثالثا: ويترتب عليه وجوب هجرة المسلمين من دار الحرب- وهي كل دار لا تقوم فيها شريعة الإسلام ولا تدين للقيادة المسلمة- ليلحقوا بالجماعة المسلمة متى قامت في الأرض وأصبح لها قيادة وسلطان- وليستظلوا براية القيادة المسلمة ولا يخضعوا لراية الكفر – وهي كل راية غير راية الإسلام- وإلا فهو النفاق أو الكفر; وهو الخروج من الصف المسلم على كل حال: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله، ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا، ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا). (88 – 89) ..(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا، ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما). (97 -100)
رابعا: ويترتب عليه أن يقاتل المسلمون لاستنقاذ الضعاف من إخوانهم المسلمين, الذين لا يستطيعون الهجرة من دار الحرب وراية الكفر, وضمهم إلى الجماعة المسلمة في دار الإسلام, كي لا يفتنوا عن دينهم, ولا يستظلوا براية غير راية الإسلام, ولا يخضعوا لنظام غير نظامه. ثم لكي يتمتعوا بالنظام الإسلامي الرفيع, وبالحياة في المجتمع الإسلامي النظيف. وهو حق كل مسلم, والحرمان منه حرمان من أكبر نعم الله في الأرض, ومن أفضل طيبات الحياة:(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا).. [آية 75]
أيها المؤمنون: نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, وشفاء صدورنا, ونور أبصارنا, وجلاء أحزاننا, وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا, وعلمنا منه ما جهلنا, وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار, على الوجه الذي يرضيك عنا, واجعله اللهم حجة لنا لا علينا.. آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.