غليان في القدس.. انتهاكات للأقصى.. ومواقفنا؟!
تشهد مدينة القدس المحتلة على مدار الأسبوعين الماضيين غليانا متصاعدا وأحداثا متلاحقة؛ فمنذ أيام مضت شرعت عناصر من ‘طلاب لأجل الهيكل’ الإرهابية، باقتحام المسجد الأقصى المبارك من باب المغاربة، بحراساتٍ معززة ومشددة من شرطة الاحتلال ونفذت هذه المجموعات جولات تخللتها حركات وألفاظ استفزازية عنصرية في باحات المسجد الأقصى، بالتزامن مع فرض شرطة الاحتلال إجراءات مشددة على دخول المصلين إلى المسجد. وتأتي هذه الاقتحامات استكمالا لعشرات الاقتحامات التي قام بها يهود للمسجد الأقصى خلال الأيام الأخيرة بوتيرة كبيرة، انتهاكات يندى لها جبين كل حر في الأمة الإسلامية، ولكن ردود الفعل كانت جافة باهتة تراوحت بين التنديد والشجب والاستنكار المتعود عليه وبين بعض الفعاليات الجمعياتية التي ذكرت بالأقصى وقضيته مع قلتها فنحن لا نقلل من شأنها بقدر ما نطلب أن يكون السقف أعلى.. أما سياسيا فلم نسمع لحكام العرب حسا ولا قولا، عذرهم معهم فهم مشغولون بشن الغارات الجوية بصحبة التحالف الدولي لمحاربة الحجر والشجر والإنسان على أرض الشّام المباركة! وما زاد الطين بلة صفاقة ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، تنسيق أمني يحفظ الكيان الصهيوني من “شر أصحاب الأرض والحق” وتسخير لقوات الأمن الفلسطينية في قمع كل صوت متحرر يرفض التطبيع والمساومة ويأبى الخذلان في حق قضية المسلمين الأولى فلسطين..
لكن الأمر لم يقتصر على هذا الحد، فلقد أوردت شبكة القدس الإخبارية عن محمود الهباش المستشار الديني لمحمود عباس قوله: “إن السلطة الفلسطينية بدأت تحركا جديا وحقيقيا لانتزاع القدس من أيدي من يحاولون السيطرة الحزبية على الأقصى، خاصة حزب التحرير” محذرا “من أن أي جهة غير السلطة في الأقصى سيهدم المشروع الوطني..”
يذكر أن في المسجد الأقصى يرابط شباب مسلم يأبى أن يفارق أكنافه وساحاته مما أزعج الكيان الصهيوني وأثار حفيظة السلطة التي تعتزم باسم المصلحة الوطنية إخلاء المسجد من مرابطيه وملئه بحفظة أمن كيان يهود.
إن هذا الصمود الرائع للمرابطين زاده قوة وثباتا دعم المصلين المقدسيين رجالاً ونساء حيث توافدوا على المسجد الأقصى في محاولة لكسر الحواجز الأمنية والذود عن القدس الشريف من انتهاكات المستوطنين ودنسهم، وضعية لم ترق للكيان الغاصب فاعتقل من النساء المرابطات وعنّف وأهان في إجراءات متواطئة من قبل سلطة عباس.
وفي تطور جديد فقد انتقل إلى رحمة الله البطل المجاهد عبد الرحمن الشلودي بعد أن قام بدهس مستوطنين صهيونيين ثم قتل على يد أحد المستوطنين الصهاينة.
وفي هذه اللحظات التي نخط فيها هذه الأسطر فإن القدس تغلي أحياؤها وشوارعها ومناطقها مواجهات غاضبة مع العدو وتحركات شعبية عفوية، ومزيد من البطش والتنكيل من قبل الاحتلال؛ مداهمات واعتقالات طالت النساء قبل الرجال وكل مناطق الضفة تتحرك شيئا فشيئا ضد الانتهاكات الصارخة للاحتلال الغاشم.
إن ما يحصل في القدس هذه الأيام لدليل واضح على غليان كل حر في هذه الأمة، تحركات تنادينا وتوقظ فينا ضمائرنا المتجمدة والعاجزة. فإلى متى سيظل تحرك الأمة تجاه فلسطين “فعالية أو مهرجانا خطابيا أو بيان تنديد أو خطابا مسرحيا لرئيس أو وزير”؟! لقد بلغ الأمر مبلغاً من الظلم والطغيان ولقد اشتد سواد الليل، فمتى تتحرك الأمة تحركا واعيا جادا غير مبنيٍّ على ردة فعل بل مبنياً على فكر ووعي وفعل يصل بنا إلى غاية التحرير المنشودة؟!..
لقد أثبت واقع الربيع العربي أن الأمة بشعوبها هي الرقم الصعب وهي اللاعب الذي يمكنه إحداث المفاجأة شريطة أن يتسلح بالوعي وبمشروع سياسي واضح المعالم، فكل ما تقوم به الأمة بمختلف مكوناتها في مدلوله خير كثير وحب للقضية، ولكن الفرقة والتشرذم والسير في ركاب الغير ومشاريعهم ضيّع القضية. فمتى نسترجع إرادتنا بأيدينا ونشد على كل خائن أو متخاذل فتتوضح الرؤى وتتحد القوى نحو مشروع إسلامي هادف يحقق نهضة الأمة ويعيد البلاد المغتصبة؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حبيب حطاب – تونس