Take a fresh look at your lifestyle.

  المترشحون للانتخابات وأهداف الثورة التونسية

أصبح التونسي يعاني في هذه الأيام من التلوث السمعي والبصري من فرط ما يشاهد ويسمع من حملات انتخابية تحاول جاهدة فتح شهية أفراد الشعب ودعوتهم للتصويت، ولكن المدقق الحقيقي في المشهد السياسي يرى جليا أن ملامح الوضع السياسي قد رسمت في ما يسمى بالمرحلة الانتقالية، ومن هنا تأتي الانتخابات لتأبيد ما تم رسمه في تلك المرحلة ولإعطائه الشرعية النهائية والقانونية.

حركة النهضة من جهة وممثلو النظام البائد بجبهاتهم المختلفة من جهة أخرى، هكذا يراد لنا أن نتصور المشهد، ثم صراع انتخابي مرير؛ فإما عودة إلى الماضي أو استشراف لمستقبل يحدده التونسيون بأنفسهم من خلال صناديق الاقتراع. نعم تلك هي العبارات المغرية والشعارات المعلنة التي يراد للشعب أن يصدقها ويتحرك على أساسها.

ولكن لنعد بلمحة خاطفة وسريعة للمرحلة الانتقالية التي شهدت حكم حكومة قايد السبسي ثم الجبالي ثم العريض ومن ثم حكومة التكنوقراط برئاسة المهدي جمعة. لقد شهدنا تعاملا واضحا مع الملفات الحساسة والاستحقاقات الكبرى للثورة، نسوق منها في هذه السطور بعض الأمثلة.

الحكومات المتعاقبة سعت إلى تقليص النفس الثوري والتحركات الشعبية العفوية بالوعود وبذريعة الظروف والأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولكن في نفس الوقت طرحت مشاريع ذات نزعة ثورية فقط لامتصاص الغليان الشعبي لكن دون مضمون حقيقي ودون تنفيذ لتلك المشاريع مثل محاسبة الفاسدين وإقصاء التجمع وحله، وتحصين الثورة، وإعادة الحقوق للشهداء والجرحى من خلال وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وغير ذلك كثير من تمظهرات الثورة، وحين التدقيق في المشهد نجد ما يلي:

فعلى المستوى الأمني وضع السيد علي لعريض يده بيد جلاد الأمس معلنا التنازل عن “حقه” وبداية صفحة جديدة فخلت تلك الوزارة أو ذاك الجحيم المظلم من كل محاسبة، وبقي جلادو الأمس أحرارا، بل منهم من ترقى في منصبه، وبذلك عفى الله عما سلف بحسب حركة النهضة ولو كان ذلك على حساب دماء الشهداء والأبرياء وعلى حساب آلاف المعتقلين والمعذبين طوال الحكم السابق.

أما شهداء وجرحى الثورة فقد بقيت حقوقهم وحقوق عائلاتهم محل مزايدات ووعود وأماني وأحكام قضائية هزيلة قوبلت ببعض التنديد الأجوف ولكنها قبلت في نهاية المطاف، فكأننا نلوم جرحانا على اليوم الذي أقبلوا فيه على الموت بصدور عارية حتى يعيش بقية إخوانهم من الشعب في كنف العز والكرامة! وليس بالغريب أن يتنكر لهم أمثال السبسي بل لعله يلعنهم في سره وبعض جهره، ولكن الأدهى والأمر أن تتنكر لهم حركة النهضة وهم من الأسباب التي سخرها الله حتى عادت الحركة إلى أجواء النشاط السياسي ومن ثم إلى الحكم.

بالنسبة للمال السياسي الفاسد ورموز النظام البائد وكل ما يرتبط بالمنظومة القديمة فلقد انتعش وعادت له أنفاس الحياة في عهد حكومات النهضة التي اختارت عدم محاسبة الفاسدين وظلت تغني بعدالة انتقالية عقيمة تذر بها الرماد في عيون المشككين بل احتضنت الحركة رموزا من النظام داخل حزبها ورحبت بهم ما داموا سيعملون معها وإن كانت أيديهم وأفواههم وعقولهم ملطخة بالدكتاتورية المقيتة وبالتاريخ الأسود.

في المرحلة الانتقالية تمت صياغة ذاك الدستور، وما أدراك ما ذاك الدستور، صياغة مستوردة ورضا عالمياً وإقصاء للشريعة وللمرجعية القانونية الإسلامية وكأننا أمة مبتورة عن جذورها لا ثراء قانونياً لها ونحن الأمة التي ترجمت كل العلوم إلا القانون فهي مكتفية، بل هي في أعلى درجات الرقي التشريعي، ولكن هذا لم يؤخذ بعين الاعتبار بل تم التقليل من شأنه؛ فمن كتب وصاغ وحرر مقلد مغلوب مولع بتقليد غالبه فيستحسن التشريع البلجيكي أو الكندي أو التجربة البرتغالية أو السويدية هذه تستحق الاهتمام والتقليد! ومع احترامنا لكل الشعوب إلا أن هذه الدول لا تساوي بمقياس الحضارة شيئاً أمام الحضارة الإسلامية العظيمة.

دستور لم يجرم العمل السياسي في حق أزلام النظام البائد بل سعت حركة النهضة لعدم إقصائهم بعدم التصويت على قانون تحصين الثورة، دستور لم يكرس نبذ التدخل الأجنبي في البلاد وبسط السيادة الحقيقة لتونس كدولة لا تخضع للنفوذ الغربي.

في ظل حكم السبسي ثم النهضة فالتكنوقراط لم يبخل الغرب على تونس بالقروض من بنك دولي وصندوق نقد وبنك إفريقيا الإنمائي والاتحاد الأوروبي، فالكل يريد لتونس أن تظل في التبعية وتغرق بالمديونية وأن يكون باب الاقتراض تلك المعادلة التي تجعلك مرتبطا بالغرب إلى النخاع فلا ترفع رأسك من قرض إلا لتقترض غيره، قروض مشروطة بشروط سياسية وثقافية واقتصادية؛ فأنت بها مملوك تنفذ أوامر المالك الذي لا يسعى إلا لمزيد تفقيرك وتجويعك وتوثيق ارتباطك به.

 

نعم إنه الاستعمار بصوره الناعمة المدمرة.

وهذا يجرنا للحديث عن الثروات الطبيعية وموارد الطاقة التي أثبتت الأبحاث والدراسات والأرقام وجودها وإهدارها والتفريط فيها لصالح الجهات الأجنبية، وأغفلت عنها الحكومات المتعاقبة البصر وقللت من شأن ما يثار حولها من جدل وكشف للحقائق، بل صرح لمهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط بأن ملف الطاقة يتم التهويل من شأنه، هذا في حين أن الصفقات والحقول يتم التفريط فيها واللعب على تفاصيلها لصالح جيب المستثمر الأجنبي.

تونس بلد الإرهاب المنظم والمسيس بامتياز نعم تلك أيضا من العناوين الكبرى التي حملتها الفترة الانتقالية؛ فقد كان الإرهاب على موعد مع أفراد من الجيش التونسي رحمهم الله، كما أنه طال وجوهاً سياسية ولكنه كان في كل مرة يأتي متزامنا مع حدث سياسي بارز فيتغير بعد العمليات الإرهابية وجهة المسار السياسي مطيحا بحكومة الجبالي في مرة، ومن أسباب الحوار الوطني الذي أطاح بحكومة العريض في مرة أخرى، حوار وطني أعطى سلطة لرباعي راعٍ للحوار، دوراً سياسياً لم يمنح لها القانون أو الدستور أو الثورة بل “إرهابيون” يعملون في هدف وزمن ولغاية معلومة هي سياسية بامتياز.

ومضات سريعة وكلمات خاطفة نتبين من خلالها العمل الجبار الذي نفذ خلال الفترة الانتقالية ليفرز لنا حركة النهضة التي تدعو للتوافق والحكم التشاركي لا بديل عنه، وبقايا نظام أو عظام صارت فيها حياة ويقظة بفعل فاعل خائن غادر، ثم سيادة مفقودة وأجنبي يستشار في كل صغيرة وكبيرة وسفارات لا تنقطع عنها الزيارات والمشاورات، ومنظومة قانونية وضعية لا تزيد السياسيين إلا خبالا ولا تجعل من ساحات البرلمان إلا معتركاً للمسرحيات والمزايدات الكلامية بعيداً عن كل طرح للحلول الحقيقية لمشاكل البلاد والعباد.

في ظل هذه الأجواء وبعد أن تهيأت الأرضية ووضحت معالم الخارطة السياسية وحسمت كل قضايا الثورة الجوهرية تفضلوا يا سادة بالانتخاب واختاروا ما بدا لكم من أحزاب وبرامج وقائمات، فالنتائج محسومة والمصالح مضمونة والشعب هو الخاسر الوحيد في كل الأحوال ما لم يعِ على قضاياه المصيرية فيعمل على إيجادها ووضعها شروطا إلزامية على كل سياسي يريد أن يتقدم للشعب كرجل دولة حقيقي وليس عبدا خادماً لمصالح غيره من جهات دولية كبرى ثم لمصلحته الشخصية الآنية الأنانية ثم يدندنون في كل مكان ومحفل بتلك اللعبة الكبرى “ديمقراطية وحكم الشعب”!!

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حبيب حطاب

 

 

2014_10_27_Art_Election_candidates_and_Tunisian_revolution_AR.pdf