مع الحديث الشريف عظم الأمانة وعلو شأنها
نُحَيِّيكُمْ جَمِيعًا أيها الأَحِبَّةُ المُستَمِعُونَ الكِرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, نَلتَقِي بِكُمْ فِي حَلْقَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ بَرنَامَجِكُم “مَعَ الحَدِيثِ النَّبوِيِّ الشَّرِيفِ” وَنَبدَأ بِخَيرِ تَحِيَّةٍ وَأزكَى سَلامٍ, فَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ:
رَوَى مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ: قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا, وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ. حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ, ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ, فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ». ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ, ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ, فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ, فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ, ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ, فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ, لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ, حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بني فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا. حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ». وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ, وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا, لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ, وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا».
وَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً). (الأحزاب73). الأمانة حِملٌ ثقيلٌ, وواجبٌ كبيرٌ, وأمرٌ خطيرٌ. عُرِضَتْ عَلَى الكَونِ سَمَاوَاتِهِ وَأرضِهِ وَجِبَالِهِ، فَوَجِلَتْ مِنْ حَمْلِهَا، وَأبَتْ مِنَ القِيَامِ بِهَا، خَوفًا وَخَشيَةً مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى، وَعُرِضَتْ هَذِهِ الأمَانَةُ عَلَى الإِنسَانِ فَحَمَلَهَا (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً). “ظَلُومٌ” و”جَهُولٌ”: صِيغَتَا مَبَالَغَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَزْنِ “فَعُولٌ”. وَالإِنسَانُ الظَّلُومُ هُوَ المُفَرِّطُ وَالمُضَيِّعُ لِلأمَانَةُ, وَ”ظَلُومٌ” أيْ كَثِيرُ الظُّلْمِ يَظْلِمُ نَفسَهُ أوَّلاً بِأنْ يُورِدَهَا مَوَارِدَ الهَلاكِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, وَيَظلِمُ غَيرَهُ بِأكْلِ حُقُوقِهِمْ, وَهُوَ جَهُولٌ أيضًا أيْ شَدِيدُ الجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ.
وَالأمَانَةُ بِمَفْهُومِهَا الكَامِلِ وَالشَّامِلِ هِيَ التَّكَالِيفُ الشَّرعِيَّةُ، وَتَشمَلُ حُقُوقُ اللهِ وَحُقُوقُ العِبَادِ، فَمَنْ أدَّاهَا فَلَهُ الثَّوَابُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَعَلَيهِ العِقَابُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الآيَةِ: (لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). فَقَد رَوَى أحْمَدُ وَالبَيهَقِيُّ وَابنُ أبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: (الصَّلاةُ أمَانَةٌ، وَالوُضُوءُ أمَانَةٌ، وَالوَزْنُ أمَانَةٌ، وَالكَيلُ أمَانَةٌ). وَأشيَاءَ أُخْرَى عَدَّدَهَا عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، وَإِلاَّ فَالأمَانَةُ أعَمُّ وَأشْمَلُ مِمَّا ذُكِرَ بِكَثِيرٍ. ثُمَّ قَالَ: (وَأشَدُّ مِنْ ذَلِكَ الوَدَائِعُ). وَقَالَ أبُو الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (وَالغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ أمَانَةٌ). فَالأمَانَةُ بِمَفْهُومِهَا الكَامِلِ وَالشَّامِلِ تَعنِي جَمِيعَ التَّكَالِيفِ الشَّرعِيَّةِ وَتَعنِي حُقُوقَ اللهِ وَحُقُوقَ العِبَادِ, فَمَنِ اتَّصَفَ بِكَمَالِ الأمَانَةِ فَقَدِ استَكْمَلَ الدِّينَ، وَمَنْ فَقَدَ صِفَةَ الأمَانَةِ فَقَد نَبَذَ الدِّينَ كُلَّهُ، كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ». وَرَوَى الإِمَامُ أحْمَدُ وَالبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ». وَلِهَذَا كَانَتِ الأمَانَةُ صِفَةَ المُرسَلِينَ وَالمُقَرَّبِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ عَلَيهِمُ السَّلامُ: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ). (الشعراء 108). وَكَانَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ أمِينَ وَحْيِ اللهِ فِي السَّمَاءِ, وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أمِينَ وَحْيِ اللهِ فِي الأرْضِ, وَكَانَ قَومُهُ يُلَقِّبُونَهُ بِالصَّادِقِ الأمِينِ!
وَكُلَّمَا انتُقِصَتِ الأمَانَةُ نَقَصَتْ شُعَبُ الإِيمَانِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيفَةَ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ, وَالَّذِي قَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ أي: فِي أصْلِهَا وَوَسَطِهَا، ثُمَّ نَزَلَ القُرآنُ، فَعَلِمُوا أو فَعُلِّمُوا مِنَ القُرآنِ، وَعَلِمُوا أو وَعُلِّمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأمَانَةِ فَقَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ, وَالوَكْتُ: الأثَرُ فِي الشَّيءِ كَالنُّقْطَةِ مِنْ غَيرِ لَونِهِ. ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ, فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ, وَالْمَجْلُ: تَقَرُّحُ الجِلْدِ وَتَكَوُّنُ مَاءٍ بَينَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَظُهُورُ مَا يُشبِهُ البُثُورَ. فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ». وَمُنتَبِرًا: أي مرتفعًا.
ثُمَّ أخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ، «فَيُصبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلاً أمِينًا، وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ». وَالظَّاهِرُ أنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَعَمَّدَ تَضيِيعَ الأمَانَةِ بِالتَّسَاهُلِ فِي الفَرَائِضِ وَوَاجِبَاتِ الدِّينِ وَبِالخِيَانَةِ فِي حُقُوقِ العِبَادِ يُعَاقَبُ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبْضِ الأمَانَةِ مِنْ قَلبِهِ، وَيَتَنَزَّهُ اللهُ تَعَالَى أنْ يَقبِضَ الأمَانَةَ مِنْ قَلْبِ أحَدٍ مِنْ غَيرِ سَبَبٍ مِنَ العَبدِ، وَمِنْ غَيرِ استِخفَافٍ مِنهُ بِوَاجِبَاتِ الدَّينِ وَحُقُوقِ العِبَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ). (الصف 5). وَآخِرُ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أنَّ الأمَانَةَ هِيَ الإِيمَانُ، وَهِيَ الدِّينُ وَوَاجِبَاتُهُ، فَالتَّوحِيدُ أمَانَةٌ، وَالصَّلاةُ أمَانَةٌ، وَالزَّكَاةُ أمَانَةٌ، وَالصِّيَامُ أمَانَةٌ، وَالحَجُّ أمَانَةٌ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ أمَانَةٌ، وَالأمرُ بِالمَعرُوفِ أمَانَةٌ، وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ أمَانَةٌ، وَجِسْمُ الإِنسَانِ أمَانَةٌ, وَكُلُّ عُضْوٍ فِيهِ أمَانَةٌ: العَينُ أمَانَةٌ, فَلا تَنظُرْ بِهَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ، وَاليَدُ أمَانَةٌ، وَالفَرْجُ أمَانَةٌ، وَالبَطْنُ أمَانَةٌ, فَلا تَأكُلْ مَا لا يَحِلُّ لَكَ. وَكُلُّ مَا آتَاكَ اللهُ أمَانَةٌ: المَالُ أمَانَةٌ, فَلا تَستَعِنْ بِهِ عَلَى المَعصِيَةِ، وَالعُمْرُ أمَانَةٌ, وَالعِلْمُ أمَانَةٌ, وَالعَقلُ أمَانَةٌ, وَالأولادُ عِندَكَ أمَانَةٌ, فَأحْسِنْ تَربِيَتَهُمُ، وَالزَّوجَة عِندَكَ أمَانَةٌ, فَلا تُضَيِّعْ حَقَّهَا, وَالحُكْمُ أمَانَةٌ, وَالرَّعِيَّةُ أمَانَةٌ, وَحُقُوقُ العِبَادِ المَادِّيةِ وَالمَعنَوِيَّةِ أمَانَةٌ فَلا تَنتَقِصْ مِنهَا شَيئًا.
وَمِنْ أعظَمِ الأمَانَاتِ الوَظَائِفُ وَالأعمَالُ وَالمَنَاصِبُ، فَمَنْ أدَّى حُقُوقَهَا الَّتِي أوجَبَهَا اللهُ عَلَيهِ, وَحَقَّقَ بِهَا مَصَالِحَ المُسلِمِينَ الَّتِي أُنِيطَتْ بِهَا, فَقَدْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ خَيرًا لآخِرَتِهِ، وَمَنْ قَصَّرَ فِي وَاجِبَاتِ وَحُقُوقِ الوَظَائِفِ وَالمَنَاصِبِ وَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُنِيطَ بِهَا مِنْ مَنَافِعِ العِبَادِ أو أخَذَ بِهَا رِشْوَةً أو اختَلَسَ بِهَا مَالاً لِلمُسلِمِينَ فَقَدْ غَشَّ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ لَهَا زَادًا يُرْدِيهَا، وَغَدَرَ بِنَفسِهِ وَظَلَمَهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسلِمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ». وَمِنْ أعظَمِ الأمَانَاتِ الوَدَائِعُ وَالحُقُوقُ الَّتِي أمَّنَكَ النَّاسُ عَلَيهَا، وَقَد رَوَى أحْمَدُ وَالبَيهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «الْقَتْلُ في سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلاَّ الأَمَانَةَ. يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقَالَ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ: رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيهَا؟ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ! حَتَّى إِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى قَرَارِ الْهَاوِيَةِ, مَثُلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ, فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا في النَّارِ, حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا هَوَتْ وَهَوَى في أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ».
وَقَد وَعَدَ اللهُ عَلَى أدَاءِ الأمَانَاتِ وَالقِيَامِ بِحُقُوقِهَا أعْظَمَ الثَّوَابِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَٰفِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ). (المؤمنون) وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسَطِ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «اكْفُلُوا لِي بِسِتِّ خِصَالٍ، وَأَكْفُلُ لَكُمُ بِالْجَنَّةِ». قُلْتُ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالْفَرْجُ، وَالْبَطْنُ، وَاللِّسَانُ».
وَالتَّفرِيطُ فِي الأمَانَاتِ وَالتَّضيِيعُ لِوَاجِبَاتِ الدِّينِ يُورِثُ الخَلَلَ وَالفَسَادَ فِي أحْوَالِ النَّاسِ، وَيَجعَلُ الحَيَاةَ مُرَّةَ المَذَاقِ، وَيُقَطِّعُ أوَاصِرَ المُجتَمَعِ، وَيُعَرِّضُ المَصَالِحَ الخَاصَّةَ وَالعَامَّةَ لِلخَطَرِ وَالهَدْرِ، وَيُفسِدُ المَفَاهِيمَ وَالمَوَازِينَ، وَيُؤْذِنُ بِخَرَابِ الكَونِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ». فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَحَافِظُوا عَلَى الأمَانَاتِ وَالوَاجِبَاتِ، وَاحذَرُوا المُحَرَّمَاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَٰدٰتِهِم قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِى جَنَّٰتٍ مُّكْرَمُونَ). وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَٰنَٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً). (النساء 58) وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ المُبَارَكَةُ عَمَّتْ جَمِيعَ الأمَانَاتِ.
مستمعينا الكرام: نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ محمد أحمد النادي – ولاية الأردن