Take a fresh look at your lifestyle.

مع الحديث الشريف عظم الأمانة وعلو شأنها

 

نُحَيِّيكُمْ جَمِيعًا أيها الأَحِبَّةُ المُستَمِعُونَ الكِرَامَ فِي كُلِّ مَكَانٍ, نَلتَقِي بِكُمْ فِي حَلْقَةٍ جَدِيدَةٍ مِنْ ‏بَرنَامَجِكُم “مَعَ الحَدِيثِ النَّبوِيِّ الشَّرِيفِ” وَنَبدَأ بِخَيرِ تَحِيَّةٍ وَأزكَى سَلامٍ, فَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ‏وَبَعدُ: ‏

رَوَى مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ: قَدْ ‏رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا, وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ. حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ, ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ, فَعَلِمُوا ‏مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ». ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأَمَانَةِ قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ‏فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ, ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ, فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ ‏عَلَى رِجْلِكَ, فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ, ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ, فَيُصْبِحُ النَّاسُ ‏يَتَبَايَعُونَ, لاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ, حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ في بني فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا. حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا ‏أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ». وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي ‏أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ, وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا, لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ, وَأَمَّا ‏الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا». ‏

وَيَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ‏وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً. لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ ‏وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً). (الأحزاب73). الأمانة حِملٌ ‏ثقيلٌ, وواجبٌ كبيرٌ, وأمرٌ خطيرٌ. عُرِضَتْ عَلَى الكَونِ سَمَاوَاتِهِ وَأرضِهِ وَجِبَالِهِ، فَوَجِلَتْ مِنْ حَمْلِهَا، وَأبَتْ مِنَ ‏القِيَامِ بِهَا، خَوفًا وَخَشيَةً مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى، وَعُرِضَتْ هَذِهِ الأمَانَةُ عَلَى الإِنسَانِ فَحَمَلَهَا (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا ‏جَهُولاً). “ظَلُومٌ” و”جَهُولٌ”: صِيغَتَا مَبَالَغَةٍ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى وَزْنِ “فَعُولٌ”. وَالإِنسَانُ الظَّلُومُ هُوَ المُفَرِّطُ ‏وَالمُضَيِّعُ لِلأمَانَةُ, وَ”ظَلُومٌ” أيْ كَثِيرُ الظُّلْمِ يَظْلِمُ نَفسَهُ أوَّلاً بِأنْ يُورِدَهَا مَوَارِدَ الهَلاكِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ, وَيَظلِمُ ‏غَيرَهُ بِأكْلِ حُقُوقِهِمْ, وَهُوَ جَهُولٌ أيضًا أيْ شَدِيدُ الجَهْلِ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ.

 

وَالأمَانَةُ بِمَفْهُومِهَا الكَامِلِ وَالشَّامِلِ ‏هِيَ التَّكَالِيفُ الشَّرعِيَّةُ، وَتَشمَلُ حُقُوقُ اللهِ وَحُقُوقُ العِبَادِ، فَمَنْ أدَّاهَا فَلَهُ الثَّوَابُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَعَلَيهِ ‏العِقَابُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ الآيَةِ: (لّيُعَذّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ‏ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). فَقَد رَوَى أحْمَدُ وَالبَيهَقِيُّ وَابنُ أبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبدِ اللهِ ‏بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّهُ قَالَ: (الصَّلاةُ أمَانَةٌ، وَالوُضُوءُ أمَانَةٌ، وَالوَزْنُ أمَانَةٌ، وَالكَيلُ أمَانَةٌ). وَأشيَاءَ ‏أُخْرَى عَدَّدَهَا عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، وَإِلاَّ فَالأمَانَةُ أعَمُّ وَأشْمَلُ مِمَّا ذُكِرَ بِكَثِيرٍ. ثُمَّ قَالَ: (وَأشَدُّ مِنْ ‏ذَلِكَ الوَدَائِعُ). وَقَالَ أبُو الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (وَالغُسْلُ مِنَ الجَنَابَةِ أمَانَةٌ). فَالأمَانَةُ بِمَفْهُومِهَا الكَامِلِ ‏وَالشَّامِلِ تَعنِي جَمِيعَ التَّكَالِيفِ الشَّرعِيَّةِ وَتَعنِي حُقُوقَ اللهِ وَحُقُوقَ العِبَادِ, فَمَنِ اتَّصَفَ بِكَمَالِ الأمَانَةِ فَقَدِ ‏استَكْمَلَ الدِّينَ، وَمَنْ فَقَدَ صِفَةَ الأمَانَةِ فَقَد نَبَذَ الدِّينَ كُلَّهُ، كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ ‏اللهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ». وَرَوَى الإِمَامُ أحْمَدُ ‏وَالبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا إِيمَانَ لِمَنْ ‏لا أمَانَةَ لَهُ، وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ». وَلِهَذَا كَانَتِ الأمَانَةُ صِفَةَ المُرسَلِينَ وَالمُقَرَّبِينَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ نُوحٍ ‏وَهُودٍ وَصَالِحٍ عَلَيهِمُ السَّلامُ: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ). (الشعراء 108). وَكَانَ جِبرِيلُ ‏عَلَيهِ السَّلامُ أمِينَ وَحْيِ اللهِ فِي السَّمَاءِ, وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أمِينَ وَحْيِ اللهِ فِي الأرْضِ, ‏وَكَانَ قَومُهُ يُلَقِّبُونَهُ بِالصَّادِقِ الأمِينِ! ‏

وَكُلَّمَا انتُقِصَتِ الأمَانَةُ نَقَصَتْ شُعَبُ الإِيمَانِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حُذَيفَةَ الَّذِي نَحْنُ ‏بِصَدَدِهِ, وَالَّذِي قَالَ فِيهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ‏أي: فِي أصْلِهَا وَوَسَطِهَا، ثُمَّ نَزَلَ القُرآنُ، فَعَلِمُوا أو فَعُلِّمُوا مِنَ القُرآنِ، وَعَلِمُوا أو وَعُلِّمُوا مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ ‏حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الأمَانَةِ فَقَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ, ‏وَالوَكْتُ: الأثَرُ فِي الشَّيءِ كَالنُّقْطَةِ مِنْ غَيرِ لَونِهِ. ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ, فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ ‏الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ, وَالْمَجْلُ: تَقَرُّحُ الجِلْدِ وَتَكَوُّنُ مَاءٍ بَينَ الجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَظُهُورُ مَا يُشبِهُ ‏البُثُورَ. فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ». وَمُنتَبِرًا: أي مرتفعًا. ‏

ثُمَّ أخَذَ حَصَاةً فَدَحْرَجَهَا عَلَى رِجْلِهِ، «فَيُصبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، لا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ، حَتَّى ‏يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلانٍ رَجُلاً أمِينًا، وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ! مَا أَظْرَفَهُ! مَا أَعْقَلَهُ! وَمَا في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ‏حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ». وَالظَّاهِرُ أنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَعَمَّدَ تَضيِيعَ الأمَانَةِ بِالتَّسَاهُلِ فِي الفَرَائِضِ وَوَاجِبَاتِ ‏الدِّينِ وَبِالخِيَانَةِ فِي حُقُوقِ العِبَادِ يُعَاقَبُ بَعدَ ذَلِكَ بِقَبْضِ الأمَانَةِ مِنْ قَلبِهِ، وَيَتَنَزَّهُ اللهُ تَعَالَى أنْ يَقبِضَ ‏الأمَانَةَ مِنْ قَلْبِ أحَدٍ مِنْ غَيرِ سَبَبٍ مِنَ العَبدِ، وَمِنْ غَيرِ استِخفَافٍ مِنهُ بِوَاجِبَاتِ الدَّينِ وَحُقُوقِ العِبَادِ، ‏كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ). (الصف 5). وَآخِرُ الحَدِيثِ ‏يَدُلُّ عَلَى أنَّ الأمَانَةَ هِيَ الإِيمَانُ، وَهِيَ الدِّينُ وَوَاجِبَاتُهُ، فَالتَّوحِيدُ أمَانَةٌ، وَالصَّلاةُ أمَانَةٌ، وَالزَّكَاةُ أمَانَةٌ، ‏وَالصِّيَامُ أمَانَةٌ، وَالحَجُّ أمَانَةٌ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ أمَانَةٌ، وَالأمرُ بِالمَعرُوفِ أمَانَةٌ، وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ أمَانَةٌ، وَجِسْمُ ‏الإِنسَانِ أمَانَةٌ, وَكُلُّ عُضْوٍ فِيهِ أمَانَةٌ: العَينُ أمَانَةٌ, فَلا تَنظُرْ بِهَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللهُ، وَاليَدُ أمَانَةٌ، وَالفَرْجُ أمَانَةٌ، ‏وَالبَطْنُ أمَانَةٌ, فَلا تَأكُلْ مَا لا يَحِلُّ لَكَ. وَكُلُّ مَا آتَاكَ اللهُ أمَانَةٌ: المَالُ أمَانَةٌ, فَلا تَستَعِنْ بِهِ عَلَى المَعصِيَةِ، ‏وَالعُمْرُ أمَانَةٌ, وَالعِلْمُ أمَانَةٌ, وَالعَقلُ أمَانَةٌ, وَالأولادُ عِندَكَ أمَانَةٌ, فَأحْسِنْ تَربِيَتَهُمُ، وَالزَّوجَة عِندَكَ أمَانَةٌ, فَلا ‏تُضَيِّعْ حَقَّهَا, وَالحُكْمُ أمَانَةٌ, وَالرَّعِيَّةُ أمَانَةٌ, وَحُقُوقُ العِبَادِ المَادِّيةِ وَالمَعنَوِيَّةِ أمَانَةٌ فَلا تَنتَقِصْ مِنهَا شَيئًا.‏

وَمِنْ أعظَمِ الأمَانَاتِ الوَظَائِفُ وَالأعمَالُ وَالمَنَاصِبُ، فَمَنْ أدَّى حُقُوقَهَا الَّتِي أوجَبَهَا اللهُ عَلَيهِ, وَحَقَّقَ ‏بِهَا مَصَالِحَ المُسلِمِينَ الَّتِي أُنِيطَتْ بِهَا, فَقَدْ نَصَحَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ خَيرًا لآخِرَتِهِ، وَمَنْ قَصَّرَ فِي وَاجِبَاتِ وَحُقُوقِ ‏الوَظَائِفِ وَالمَنَاصِبِ وَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُنِيطَ بِهَا مِنْ مَنَافِعِ العِبَادِ أو أخَذَ بِهَا رِشْوَةً أو اختَلَسَ بِهَا مَالاً لِلمُسلِمِينَ ‏فَقَدْ غَشَّ نَفْسَهُ وَقَدَّمَ لَهَا زَادًا يُرْدِيهَا، وَغَدَرَ بِنَفسِهِ وَظَلَمَهَا، وَفِي صَحِيحِ مُسلِمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ ‏عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا جَمَعَ اللهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ ‏بْنِ فُلَانٍ». وَمِنْ أعظَمِ الأمَانَاتِ الوَدَائِعُ وَالحُقُوقُ الَّتِي أمَّنَكَ النَّاسُ عَلَيهَا، وَقَد رَوَى أحْمَدُ وَالبَيهَقِيُّ عَنِ ابْنِ ‏مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: «الْقَتْلُ في سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلاَّ الأَمَانَةَ. يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ ‏في سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقَالَ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ: رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيهَا؟ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى ‏الْهَاوِيَةِ! حَتَّى إِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى قَرَارِ الْهَاوِيَةِ, مَثُلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ, فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا ‏في النَّارِ, حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا هَوَتْ وَهَوَى في أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ». ‏

وَقَد وَعَدَ اللهُ عَلَى أدَاءِ الأمَانَاتِ وَالقِيَامِ بِحُقُوقِهَا أعْظَمَ الثَّوَابِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَٰنَٰتِهِمْ ‏وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَٰفِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ * ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا ‏خَٰلِدُونَ). (المؤمنون) وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسَطِ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ ‏وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: «اكْفُلُوا لِي بِسِتِّ خِصَالٍ، وَأَكْفُلُ لَكُمُ بِالْجَنَّةِ». قُلْتُ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ‏‏«الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْأَمَانَةُ، وَالْفَرْجُ، وَالْبَطْنُ، وَاللِّسَانُ».

وَالتَّفرِيطُ فِي الأمَانَاتِ وَالتَّضيِيعُ لِوَاجِبَاتِ الدِّينِ يُورِثُ الخَلَلَ وَالفَسَادَ فِي أحْوَالِ النَّاسِ، وَيَجعَلُ الحَيَاةَ ‏مُرَّةَ المَذَاقِ، وَيُقَطِّعُ أوَاصِرَ المُجتَمَعِ، وَيُعَرِّضُ المَصَالِحَ الخَاصَّةَ وَالعَامَّةَ لِلخَطَرِ وَالهَدْرِ، وَيُفسِدُ المَفَاهِيمَ ‏وَالمَوَازِينَ، وَيُؤْذِنُ بِخَرَابِ الكَونِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُئِلَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ ‏الأمَانَةُ فَانتَظِرِ السَّاعَةَ». فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَحَافِظُوا عَلَى الأمَانَاتِ وَالوَاجِبَاتِ، وَاحذَرُوا المُحَرَّمَاتِ، قَالَ ‏اللهُ تَعَالَى: (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَٰدٰتِهِم قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ ‏يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِى جَنَّٰتٍ مُّكْرَمُونَ). وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَٰنَٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا ‏حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً). (النساء 58) ‏وَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ المُبَارَكَةُ عَمَّتْ جَمِيعَ الأمَانَاتِ.‏

مستمعينا الكرام: نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ, ‏فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحمَةُ اللهِ ‏وَبَرَكَاتُهُ.‏

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ محمد أحمد النادي – ولاية الأردن