خبر وتعليق يوم الجمعة الأسود: الاحتفاء والاحتفال “بالنمط الاستهلاكي” (مترجم)
الخبر:
كان متسوقون كثر قد عقدوا العزم على الحصول في هذا اليوم على صفقة مساومة، مهما كانت. وها هي لويز هاغارتي، التي تعمل مصففة للشعر ونادلة، تقول إثر انتهائها من التسوق عند الواحدة صباحاً والخروج من متاجر سينزبيري بشمال شرق لندن: “ها قد اشتريت [جهاز] دايسون، وذلك بالرغم من أنني لا أدري إن كنت أريده بالفعل أم لا. لقد تناولته دونما تفكير.” وأضافت لويز، ابنة السادسة والخمسين، أنها كانت ترغب في الحصول على جهاز تلفزيون جديد ذي شاشة مسطَّحة، “إلا أنه كان هناك عدد كبير من الناس يتدافعون في الطابور، فلم تنل فرصتها. لقد كان الناس يتصرفون كما الحيوانات، وكان المنظر مرعباً.”
كما ورأينا في المتجر ذاته آندي بلاكيت، البالغ من العمر 30 عاماً ويعمل وسيط عقارات، يجرّ عربتين مليئتين بالبضائع المختلفة التي حصل عليها من المساومة.
حيث قال: “حصلت على سخّانين لصنع القهوة، وجهازي كمبيوتر لوحي، وجهازي تلفزيون، وجهاز ستيريو. لا يمكنني إطلاعك على الأثمان، غير أنني واثق من أنها صفقة مساومة جيدة.”
أما نائب رئيس شرطة مانشيستر الكبرى، إيان هوبكينز، فوصف المشهد هذا اليوم بقوله إن المناظر في بعض متاجر تيسكو كانت “أقرب ما تكون إلى أحداث شغب صغيرة”، حيث كان الناس يتدافعون دائسين بعضهم بعضا. وقد أسفرت النتيجة عن اعتقال ثلاثة أشخاص وكسر رسغ أحد المتسوقين. كما لقي أحد حراس الأمن لكمة على وجهه. وعلّق هوبكينز قائلاً “بات من الضروري أن يقف الناس وينظروا إلى أنفسهم ويقولوا: يا للعار! ما الذي فعلتُه، ولماذا حدث كل هذا؟” [المصدر: صحيفة الغارديان، يوم 2014/11/29]
التعليق:
كان قد تم استيراد هجمة الشراء المسرف في يوم الجمعة الأسود من الولايات المتحدة قبل مدة لا تتجاوز العامين إلى المملكة المتحدة، لكنها سرعان ما استحوذت على اهتمام باعة التجزئة والمتسوقين على حدٍ سواء. ويوم الجمعة هذا هو الجمعة التي تلي يوم عيد الشكر في الولايات المتحدة الأميركية، ويرجع أصله حسبما يزعم البعض إلى حقبة الاستعباد والرق، حيث كان العبيد سود البشرة يباعون بأثمان أقل في هذا اليوم. وعلى الرغم من أن هذا الزعم قابل للدحض، فإن البعض ما زال يروّجه في وسائل التواصل (الاجتماعي) لجعل الناس يفكرون ويقاطعون هذا الحدث ما أمكن.
غير أن كثيراً من المتسوقين دأبوا على الاهتمام أكثر بصفقات المساومة التي قد تفلت منهم إن لم يشاركوا في إحياء هذه المناسبة.
إن الرأسمالية تجعل الناس يشعرون بأنهم يحتاجون إلى أشياء قد لا يكونون بحاجة إليها بالفعل. حيث يتم استخدام حملات الإعلان الضخمة لجعل الناس يعتبرون منتجات بعينها علامةً على “النجاح” في الحياة. ما يزيّن لهم الطمع والإسراف، الأمر الذي يدفع الإنسان للسعي دوماً لامتلاك المزيد مهما كان لديه منه، قلّ أو كثر. والمقصود من الترويج للأشياء المادية جعل الناس يشعرون بالسعادة والسرور، كما تولّد المنفعة لدى الناس شعوراً بأنهم حققوا شيئاً، ما يدفعهم، في هذا المقام، إلى التسابق على صفقات المساومة لامتلاك كل شيء، حتى ولو كانوا لا يحتاجون إليه فعلاً! وبناء عليه، لا ينبغي أن نستغرب أو نفاجأ لرؤية الناس يتصرفون على نحو مجنون يوم الجمعة الأسود، وذلك لأننا نعيش في عالم يغرس وينمّي هذا النوع من السلوك. ويجب علينا كمسلمين أن ندرك أن هكذا سلوك هو الأمر المتوقع من أي إنسان يقع في مصيدة محاولة العيش على نمط الحياة الغربية المادية. حيث تصبح الماديات هي أهم شيء في حياة الإنسان، ويصبح القفز فوق الآخرين، ودوسهم تحت الأقدام، في سبيل الحصول على ما يريد من هذه الأشياء المادية أمراً مبرراً، لا غضاضة فيه.
أما المجتمع الإسلامي، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، في الجهة المقابلة، فيربّي الناس على النظر إلى هذه الحياة الدنيا، بكل مسرّاتها ومباهجها، على أنها محدودة فانية. فالإسلام يبيح للناس الاستمتاع بالحياة ويتيح لهم امتلاك الأشياء المادية، لكن هذه الأشياء لا يمكن أن تصبح الشيء الأهم في حياتهم. كما تقوم وسائل الإعلام ونظام التربية والتعليم في دولة الخلافة بتدريب الناس على إدخال أعمالهم كافة ضمن إطار مفهوم العبادة الشامل لله سبحانه وتعالى، وتكون الجنة، لا هذه الحياة الفانية، هي الهدف الأسمى للمسلمين، أفراداً ومجتمعاً ودولة.
وذلك أن الإسلام دين يقرّ ويعترف بحاجات الإنسان ورغباته، لكنه ينظّمها التنظيم الصحيح. حيث يتيح للإنسان، بل يحضّه على، أن يعيش حياته وعلى أن يستمتع فيها، ولكن ليس على حساب الغاية الكبرى من وجوده، وهي عبادة الله عز وجل في كل شأنه لنوال رضوانه.
يقول تبارك وتعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ [النساء: 14].
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نادية رحمن – باكستان