خبر وتعليق العودة إلى النظام الإسلامي خير من الهروب إلى الواقع الافتراضي
الخبر:
ورد على موقع العربية نت بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2014 بأن عملة “بيتكوين” الرقمية Bitcoin صنفت بأنها أسوأ استثمار مالي في 2014، وذلك بعد الانخفاض الشديد الذي شهدته قيمة العملة خلال العام الجاري.
وكانت قيمة “بيتكوين” قد وصلت لأعلى مستوى لها هذا العام في السادس من يناير الماضي بعد أن بلغت قيمة العملة الواحدة نحو 917 دولارا، إلا أنها انخفضت في ديسمبر لأقل من حاجز 330 دولارا.
ورغم الانتكاسات الكبيرة لعملة “بيتكوين” الرقمية في 2014، إلا أن العام الجاري كان واحدا من أبرز الأعوام للعملة فيما يتعلق بالاعتراف بها كقيمة يمكن استخدامها بعمليات البيع والشراء الإلكتروني خارج السوق السوداء.
التعليق:
عندما فكرت الجماعات الإنسانية باستخدام النقود كوحدة قياس للسلع والجهود بدلا من المقايضة كان الذهب والفضة هما المعدنين اللذين استُعملا كأساس للنظام المعدني الواحد قبل الإسلام، واستمر العمل بهما في الدولة الإسلامية ولكن بنظام المعدنين ولم يتوقف التعامل بهما إلا قبيل الحرب العالمية الأولى إلى ما بعدها حين حصلت أزمة مالية عام 1929م فعاد استعمالهما ولكن بشكل جزئي ثم تناقص إلى أن ألغي رسميا عام 1971م وحل مكانهما النقود الورقية الخالية من الغطاء الذهبي أو الفضي إلى الآن.
وبسبب أن قيمة الأوراق النقدية ليست في ذاتها وإنما تستمدها من القانون الذي تفرضه كل دولة لعملتها، فقد استطاعت الدول الاستعمارية التحكم والتلاعب بنقد العالم وفق مصالحها، فنتجت مشاكل اقتصادية وانهيارات مالية أبرزها عامي 1987م و 2008م، وبدلا من حل المشكلة بالرجوع إلى قاعدة الذهب والفضة أقدمت البنوك المركزية على إصدار النقود الإلزامية وبكميات أدت إلى حدوث التضخم فقلّت القيمة الشرائية وازدادت الأسعار وبشكل متزايد.
ولأن ما تفرضه البنوك من سياسة نقدية متحكمة وما تستفيده من المبادلات بين السلع بدخولها كطرف ثالث أو مقرض، وتخوف الشركات من التقلبات النقدية، أخذ البعض يفكرون في البحث عن بدائل يُظَن أنها يمكن أن تحميهم وتريحهم من تدخل الحكومات والبنوك المركزية التابعة لها، فقام مبرمج إلكتروني مجهول عام 2009م بابتكار عملة إلكترونية (افتراضية) للتعامل بها كأسلوب جديد للمبادلات يعتمد على استخدام التقنية في إصدار العملات واستخدامها كوسيط بدلا من الأوراق النقدية المعروفة، أطلق عليها اسم “البتكوين”، وأينما تصفحت عنها في المواقع تجدهم يذكرون العبارة التالية أو ما في معناها: “وهذه العملة لا مركزية إذ إنها لا تتبع إلى جهة مركزية أو حكومية أو هيئة تنظيمية وهي تقوم على تعامل الند للند دون تدخل جهات أخرى مثل البنوك وغير ذلك”.
إن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على المنفعة والمصلحة مهما حاول خبراؤه البحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية فإنهم لن يتوصلوا إلى أي حل صحيح لأنهم ينظرون إلى قيمة الشيء باعتبار ما فيه من فائدة وقدرة على الاستبدال به ووجود من يرغب فيه دون الالتفات إلى ما ينتج عنه من أضرار، يقول (غافين أندرسن) الذي يدير عملة البتكوين رداً على تساؤل الناس: من أين تحصل العملة على قيمتها إذا كانت مجرد عدد من الأرقام التي لا دعم حكومي لها ولا أصل مادي كالذهب أو السندات الحكومية التي تعطيها وزنها؟ فيجيب: “بأن للعملة قيمة لأنها مفيدة، وبالتالي يمكن استخدامها للشراء، ومن يحصل عليها يمكنه إعادة استخدامها في المشتريات وغير ذلك”.
ويقول آخر: “كل ما هو مطلوب لشكل ما من أشكال الأموال لكي يصبح ذا قيمة هو الثقة به وتبنيه، وفي حالة البتكوين، يمكن قياس هذا بقاعدتها المتنامية من المستخدمين والتجار والشركات الناشئة، وكما في جميع العملات الأخرى، يستمد البتكوين قيمته فقط وحصرياً من الناس الراغبين في قبوله كطريقة دفع”.
إن هذه العملة الإلكترونية الرقمية والتي يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية كالدولار وغيره فإنها لم ولن تفلت من القرصنة واستغلال المستثمرين الجشعين لها وتحويل ما يتداول منها إلى أرصدتهم بالعملات التقليدية بعد أن يكون التعامل بها قد قفز إلى مستوى عالٍ، فعندما وصلت قيمة العملة إلى مستوى 1300 دولارا في الشهر الأخير من العام الماضي فإنه تراجع سريعا إلى 917 دولارا في بداية العام الحالي أي بعد شهر واحد فقط، ثم بعد شهرين هبط إلى 667 دولارا بسبب قيام الصين وروسيا بحظر التعامل بها، واستمر الهبوط إلى أدنى مستوى لها حسب ما ورد في الخبر أعلاه وهو 330 دولارا فاعتبرت بأنها أسوأ استثمار مالي في العام الحالي.
لقد بتنا نشهد بسبب غياب التفكير المنتج والمسئول عن الغير، هروبا من الواقع الحقيقي إلى الواقع الافتراضي الخيالي، فكما أن هناك عالما حقيقيا فهناك عالم افتراضي، وهناك بيئة افتراضية وشخصيات افتراضية، وكذلك الأسواق الافتراضية والاقتصاد الافتراضي، وأخيرا العملة الافتراضية.
إن العودة إلى الواقع الحقيقي، ومن ثم النهوض النهضة الصحيحة لهذه المجتمعات الرأسمالية لن يكون إلا بإزالة النظام الرأسمالي من جذوره وإحلال النظام الإسلامي مكانه فتطبقه الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وما عدا ذلك فهو حلول ترقيعية وهروب من واقع سيئ إلى آخر أكثر سوءا وضنك في العيش مستمر ومتفاقم.
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: راضية