Take a fresh look at your lifestyle.

خبروتعليق ثوراتنا بين الربيع والخريف

الخبر:

ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية أن الربيع العربي أدى لأضخم موجات هجرة منذ الحرب العالمية الثانية والمهاجرون الهاربون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يخاطرون بكل شيء من أجل الهروب من الحروب في بلادهم. ونقلت الصحيفة عن ليونارد دويل، المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية قوله إن: “هذه الأعداد لم يسبق لها مثيل فيما يتعلق باللاجئين والمهاجرين، حيث لم نشهد شيئا مماثلا منذ الحرب العالمية الثانية، وحتى وقتها كان تدفق الهجرة في الاتجاه المعاكس”. وأشارت الصحيفة إلى أن أكثر من 45 ألف مهاجرا خاطروا بأرواحهم بعبور البحر المتوسط للوصول إلى إيطاليا ومالطا في عام 2013، كما توفي 700 وهم يحاولون العبور، وارتفع عدد القتلى بمقدار أربعة أضعاف في عام 2014 ليصل إلى 3224 شخص. (الجارديان 2015/03/03 والترجمة العربية للخبر عبر إرم نيوز 2015/01/05)


التعليق:

هكذا يتلون الإعلام الغربي مع ثورات الأمة! بداية سماها بالربيع العربي وتوجّها بأكاليل الزهور، ورفع الثوار اليافعين لمصاف الزعماء والقادة وجعل منهم نجوما ومشاهير. ثم طاف بهم مع القادة الغربيين ميادين الحريّة التي ارتوت بدماء الشهداء وذرف مع هؤلاء القادة دموع التماسيح، مجّد بطولات الثوار ونشر ملفات الحكام المخلوعين من باب إذلال المخلوعين ومناصرة المنتصرين. تابع الغرب سير الثورات ولم يغب عن أعينهم للحظة تأثير فكرة التغيير على الأمة بأسرها بل وراقب سعي الشعوب الدؤوب نحو التغيير. فتظاهر ساسته بمساندة الثوار وما ذاك إلا لحاجة في أنفسهم قضَوها، فهم أظهروا حرصاً على الثورات وابتهاجاً بها؛ حتى إذا ما استبدلوا العملاء بغيرهم وحصروا موجات التغيير في بلاد الربيع العربي بتغيير الأقنعة القبيحة بأخرى مُجمَّلة تنصلوا من فكرة التغيير ووصفوها بالفوضى التي تزعزع أمن المنطقة وتلقي بالناس إلى التهلكة. وانتهى دور الربيع مع عودة الأنظمة على حالها من الحفاظ على المصالح الغربية وتأمين بقاء سَدَنتها.

تغزلوا بفكرة التغيير وحق الشعوب في تحديد مصيرها في بداية الثورات أما الآن فقد تغيرت اللغة وظهرت محاولات شيطنة الثورات المباركة (وثورة الشام الكاشفة الفاضحة بشكل خاص) وتشويه الربيع الذي بات يوصف بخريف ترك البلاد قاحلة خاوية كئيبة. يهاجمون ربيعاً هجّر أهل البلاد وروع الآمنين المطمئنين وأيقظهم من سبات عميق “آمن” تحت ظل الأنظمة المستبدة حتى بات البعض يترحم على أيام ما قبل الثورات. تعالت أجراس الخطر وكأن العالم اكتشف فجأة أن عدم الاستقرار هجّر الناس بعد أن وصل الرقم لحوالي 16.7 مليون لاجئ حول العالم.. وكأن العالم انتقل فجأة من حكم الديناصورات المستبدة في مصر واليمن وليبيا وتونس إلى واقع مؤلم يتباكى عليه الجميع بعد أن فر أكثر من 33,3 مليون شخص وأصبحوا بين عشية وضحاها نازحين مهجرين يتنقلون بين ذل الخيام وضيافة اللئام.. غرباء داخل بلدانهم التي تمزقها الحروب. وكأنهم تفاجأوا بالأوضاع التي دفعت المهاجرين السوريين لعبور البحر المتوسط للهروب من الربيع ومآلات ثوراته بعد أربع سنوات من حماية حكم السفاح بشار الأسد ونشر الفوضى في أرجاء الشام الأبية.

بل وكأنهم يلومون الثورات ويلقون عليها وزر الملايين ليستنتج الجميع أن بقاء المستبد أخف الضررين وأهون الشرين وأفضل من الموت والدمار والخراب.

 

وأن بقاء المستبد المعروف خير من المجهول ومغبات المخاطرة بزعزعة الأمن والأمان. إنه منطق وقح يسترجع كلمات حسني مبارك “إما أنا أو الفوضى”.

 

يخير الناس بين القهر والاستبداد وبين تقسيم البلاد والفقر وانعدام الأمن، منطق يروج لسياسة “الأمن والأمان” في ظل أنظمة القمع والاستبداد باستخفاف واضح لعقول الشعوب وحصر همومها وطموحاتها بلقمة العيش ورغيف الخبز.. إنه منطق فرعون الذي ظن أنه يملك مفاتيح الغيب!!

صحيح أن الثورات لم تؤتِ أكلها ولكنها فتحت الطريق أمام الأمة وجعلتها تتلمس طريق الخروج من نفق الاستعمار وأذنابه ووضعت الأمة بأسرها أمام حقيقةٍ لطالما حاولوا تغييبها وهي أن السلطان بيد الأمة تهبه لمن تشاء. إن إخفاقات الثورات لا تعالج بتشويه فكرة التغيير بل بتغيير المسار ومراجعة الفكرة التي قامت الثورة من أجلها. وحتى نقلل من الخسائر ونحافظ على الأرواح والثروات ونصل للمنشود من استقرار وتغيير حقيقي لا بد وأن يقوم الرأي العام في بلاد المسلمين على وعي وتبصر وأن تكون الأهداف غير مبهمة والمعالجات واضحة ومنسجمة مع عقيدة المسلم ومنهجه في الحياة.

إن اختزال الثورات في صورة المهجّرين أو أهل المخيمات هو جزء من المؤامرة على الأمة وترسيخ لأنظمة لا يمكن وصفها بأنها حكم المستبد المغتصب لأنها تجاوزت ذلك وباتت امتداداً للاستعمار وترسيخاً لجذوره. الثورات التي ألهمت الأمة بأسرها وحررتها من قيد الخوف والإحباط يتم شيطنتها اليوم لكي يضمن المستبدون ومن يقف وراءهم أن لا يتحقق الربيع المنشود الذي تريده الأمة وتعمل منذ عقود من أجله، لا يريدون الربيع بل يريدونه أن يكون خريفاً دائما يقتل فيه الإحباطُ وحبُ البقاء طموحَ الأمة. إن هذه الحملات الإعلامية المشبوهة هي ترسيخ لمنطق الخوف، وخطاب غريزي يراد منه تكبيل الأمة في القاع وإبقاء الحال على ما هو عليه ولكن بقاء الحال من المحال. والخريف الذي يريدون للأمة الانحباس في ظلاله والاستسلام له ينذر بشتاءٍ تستقبل فيه الأمة أمطار الخير وقد شدَّت رحالها نحو تغيير حقيقي جذري تخلع فيه أنظمة الاستبداد من جذورها لتعيد لأرض الإسلام نقاءها وطهرها بتطبيق شريعة الرحمن وتتحرر من كل القيود ولا يتم هذا إلا بفكر مبدئي يتغلغل في الأمة على وعيٍ وبصيرة ويسير بثبات مستنيرا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهجه في التغيير.


﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾




كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم يحيى بنت محمد