المسلمون في الغرب يتوقون لإقامة الخلافة: فهل يعملون لها؟
علاقة الغرب مع المسلمين في العالم هي علاقة استعداء واستعلاء. وإن روجت وسائل الإعلام لاندماج المسلمين الذين يعيشون في الغرب مع المجتمعات الغربية، فإن العلاقة تظل علاقة توتر، وعلاقة نفور؛ هذا لأن السلطة بيد مَن كفر بالله تعالى، ومن فشل في رعاية شؤون شعبه بتطبيق النظام الرأسمالي الظالم الذي يفصل الدين عن الدولة ويركز على الجانب الاقتصادي في الحياة، فيطالب الجميع بأن يكونوا مجرد “آلات” تلهث وراء الربح المادي على حساب القيم الإنسانية والأخلاق الحميدة.
ومع ذلك التشويه المستمر للإسلام، إلا أنه يحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد معتنقيه في المجتمعات الغربية؛ حيث نسمع يوميا عن أشخاص اعتنقوا الإسلام في أوروبا، أعدادهم بالآلاف. هؤلاء أسلموا بعد أن خاضوا معركة الصراع الفكري الأزلي بين الحق والباطل، واهتدوا إلى طريق الحق بفضل من الله سبحانه، واختاروا أن يغيروا حياتهم من الكفر إلى الإيمان. فهل وجدوا الراحة والطمأنينة؟
في الواقع، فإن المسلمين في الغرب، ومنهم المسلمون الجدد، يجدون أنفسهم تلقائيا جزءاً من حلقة مفرغة هي منظومة متعثرة. فالمسلمون في الغرب يختلفون عن المسلمين في الشرق، وهذا الاختلاف يظهر في طريقة تفكيرهم المبدئي، وسرعة البديهة عندهم، وثقافتهم الغزيرة، وأحوالهم المادية الجيدة. بينما أغلبية المسلمين في الشرق يعيشون في فقر، وجهل، ومرض، مهجرين من أراضيهم، فاقدين للكوادر العلمية المؤهلة، تائهين بلا هوية، معرّضين للاعتقال، والتعذيب والقمع، ثرواتهم منهوبة، والأنظمة الحاكمة في بلادهم لا تملك من أمرها شيئا، بل يسيطر عليها الغرب الكافر الذي شن حرباً شرسة؛ حرباً فكرية – سياسية – صليبية – عسكرية – اقتصادية، يقتل فيها أبناء الأمة في كل أنحاء العالم. فالأمة متفرقة متشرذمة، تعاني من التبلد الفكري، أمة منبهرة بثقافة الغرب التي نبذها من اعتنق الإسلام عن قناعة.
هنا يشعر المسلمون في الغرب بأن هناك فراغاً هائلاً، وفجوة كبيرة بينهم وبين إخوانهم من بلاد أخرى، فالمسلمون في الغرب إما أنهم عاشوا في المجتمعات الغربية مذلولين، أو عاشوا في بلاد المسلمين مع المقموعين. فلا مكان لهم في هذا العالم ولا عيش هانئاً مع هذا التناقض، أما المسلمون الجدد فلقد تركوا حياة الفجور في مجتمعات الغرب، فقط ليجدوا المسلمين يسيرون على نفس النهج المعوج. فلم يجد المسلمون الجدد ما يبحثون عنه؛ أمة إسلامية تحتضنهم. ولا هم استطاعوا الاندماج في مجتمع الكفر بعد إيمانهم.
هذا كله يجعل العلاقة بين المسلمين في الغرب وبين المسلمين في الشرق علاقة سطحية حذرة. وهذا طبيعي لأنه لا يوجد ملاذ آمن مشترك يجمع المسلمين من الغرب والشرق؛ يساوي بينهم، ويحكمهم بالإسلام، ويرتقي بمستواهم الفكري والثقافي والمادي، وهذا لن يتحقق من خلال دويلات عديدة، ضعيفة، مقسمة بحدود وسدود المستعمر الكافر. فأبناء الأمة الإسلامية الواحدة يحتاجون لكيان واحد يجمعهم ويرعى شؤونهم، والأمة الإسلامية ليست كما ينبغي لها أن تكون؛ فليس هناك ما يوحد المسلمين، فالدولة الإسلامية الواحدة، القوية، التي تنشر العدل والأمان، والتي يهاجر إليها المسلمون من كل حدب وصوب، التي تحميهم وتوفر لهم عيش مطمئن؛ غائبة. فإلى من ينتمي المسلمون، وأين هي المنطقة المحددة التي يمارس فيها هذا الانتماء؟ فعند اعتناق الإسلام يبحث المسلم الجديد عن هويته الإسلامية وانتمائه إلى أمة الإسلام، فكيف يترجم هذا الانتماء وما هي مظاهر هذه الهوية إن لم تكن في دولة لها راية ولها مؤسسات وأجهزة معلومة؟
وغالبا ما ينخرط المسلمون والمسلمات في الغرب في محاولة إيجاد الحلول لقضايا الأمة الإسلامية، من خلال الحلول المعروضة على الساحة، والتي غالبا ما تكون من وجهة نظر غربية، تخدم مصالح الغرب، كالعمل الخيري الفردي للترويج لـ”إسلام معتدل وسطي”، إرضاء للغرب. ذلك لأن الأمر الذي يقلق المسلمين الجدد بعد إسلامهم هو صورة الإسلام والمسلمين أمام العالم. فلقد تأثر الناس في بلاد الغرب بالذات بما يروج له الإعلام المضلل من إلصاق تهمة التطرف والإرهاب بالمسلمين. وأدت هذه القضايا المقلقة إلى حصر دور المسلمين في الغرب في الوعظ والإرشاد والعمل على نشر ما يعرف بالإسلام الذي تحبه وتقره أمريكا وأوروبا، إسلام العبادات الذي حصر دور الجماعة الإسلامية في صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، وعمل على إقصاء دور المسلمين في التغيير السياسي. وهكذا يعمل الشباب المسلم في الغرب ضمن هجمة ثقافية غربية على الإسلام، وضمن خطة وضعت لتحجيم دور المسلمين في النهضة بأمتهم من جديد. فأصبح حمل الدعوة ونشر الإسلام في العالم محصوراً في مفاهيم الاعتدال، الديمقراطية، بدلا عن النقاش الفكري، والجهاد، وفرض السيادة للشرع وحده، ومنها الحاجة الملحة لإسقاط الأنظمة التي مزقت أبناء الأمة الإسلامية الواحدة على أساس الوطنيات المنتنة، ومنها صمت الأمة الإسلامية عن شر مستطير؛ ألا وهو تطبيق الحكام الرويبضات دساتير وقوانين الكفر على الشعوب المسلمة لإبعادها عن دينها أكثر فأكثر. هنا يعمل المسلمون في الغرب لتعزيز حرب الكافر على الإرهاب، وهي حرب في حقيقتها على الإسلام، مما يجرّ وبالاً على المسلمين في الشرق، مما يزيد الهوة بين أبناء الأمة الواحدة، ويتقاعس المسلمون في الغرب عن نصرة إخوانهم في الشرق، ويصبح ولاؤهم مع الوقت للغرب الكافر، فتفقد الأمة الإسلامية دور المسلمين في الغرب في إيجاد التغيير الصحيح. فالحل سياسي لكنه ليس حلاً سياسياً خطط له الغرب. لذلك وجب على المسلمين في الغرب أن يسيروا وفق الطريقة الشرعية للتغيير، وهي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة. وكما وجب عليهم أن لا يكونوا سبباً في إنجاح مخططات الغرب الكافر في تقسيم المسلمين بالهيمنة عليهم وجعلهم أعداء للمسلمين في الشرق.
ومن اعتنق الإسلام حديثا يعلم أن الإسلام النقي بريء من كل الافتراءات الغربية – فمن اختار الإسلام عقيدة ونظاماً ينبثق عن هذه العقيدة، يعلم علم اليقين أن الإسلام ليس السبب في المشاكل، بل إن العقيدة الإسلامية مصدر لحل كل المشاكل إن طبقت أنظمة المجتمع على أساس شرعي، لرعاية شؤون المسلمين بأحكام الإسلام الشرعية التي تضمن الأمن والطمأنينة، وهذا لن يحصل إلا بقرار يتخذه مسلمون فهموا الإسلام السياسي. بالتالي فإن تطبيق الإسلام سياسياً هو الحل الجذري. فلا بد من أرض مشتركة لتحقيق وحدة المسلمين ونهضتهم على أساس الإسلام من جديد. فالمسلمون يتوقون إلى تطبيق شرع الله في كيان سياسي تنفيذي، يقوده حاكم واحد، قوي، أمين، يعدل بين الناس، وينشر رسالة الإسلام كاملة ويحملها للعالم. هذا الشوق لإقامة دولة إسلامية واحدة توحد المسلمين وتعمل على تحسين صورتهم، هو ما سيجمع المسلمين في الشرق، والمسلمين في الغرب. فأكثر القضايا التي تمثل مصدر قلق للمسلمين هي وحدة الأمة الإسلامية المفقودة، والبحث عن طريقة لإخراج الأمة من حاضرها السقيم إلى مستقبل مشرق، مستحضرين تاريخ الدولة الإسلامية والفتوحات العظيمة، هذا التاريخ الذي بقي أسير الكتب منذ أن سيطر الغرب على العالم وفرض عليه نظاماً عالمياً فاسداً، ألقى بالبشرية في غياهب الظلمات بعد أن كانت تنعم بنور الإسلام العظيم في مغارب الأرض ومشارقها. فمفهوم الوحدة الإسلامية وعالمية الإسلام وعدله ونوره وإنقاذه للبشرية هو الجاذب الأول لمعتنقي الإسلام، وهو أيضا ما ثارت من أجله الشعوب في بلاد الثورات. هذه هي الأرض المشتركة بين الغرب والشرق، فالتغيير القادم سيوحد المسلمين من كل أنحاء العالم، وسيجمعهم على هدف واحد يكسر بين المسلمين حاجز الغرب والشرق، فيعملوا جميعا للنهوض بالأمة الإسلامية من جديد، في دولة الخلافة الراشدة، على منهاج النبوة، التي تحقق انتماء كل المسلمين إلى إسلامهم في دولتهم.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين
2015_01_11_Art_Muslims_in_the_West_are_looking_for_Khilafah_AR_OK.pdf