شرق السودان جرح آخر ينزف في صدر الأمة بعد سريان التعديلات الدستورية بتوقيع البشير وتعديل في قانون الانتخابات
سرت التعديلات الدستورية التي أجازها البرلمان السوداني رسمياً بعد توقيع الرئيس عمر البشير عليها عقب ساعات من تمريرها بإجماع ساحق فيما جرى تضمين اتفاق سلام شرق السودان بالدستور أسوة باتفاق سلام دارفور الموقع بالدوحة، وقال مسؤول ملف الشرق بالحكومة مصطفى عثمان إسماعيل إن الاتفاقية تواجه صعوبات في تنفيذ العديد من البنود بعد توجيه الاهتمام إلى الحرب في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، مشيرا إلى أن وزارة المالية تلكأت في توفير 600 مليون دولار كان يفترض دفعها لصندوق إعمار شرق السودان.
وقالت آمنة للمركز السوداني للخدمات الصحفية الاثنين إن أهم تحدٍّ أمام إنفاذ اتفاق الشرق هو توفير المال لمشروعات التنمية، موضحة أنه تم توفير مبلغ 150 مليون دولار حتى الآن من جملة 600 مليون دولار بالإضافة إلى إكمال عملية الترتيبات الأمنية وطالبت بعدالة التوزيع في السلطة… ومن جانبه أكد أن تضمين اتفاقية الدوحة واتفاق الشرق في الدستور يعد استحقاقا سياسيا وفقا لاتفاقيات موقعة تحت إشراف دولي، مشيرا إلى أن اتفاقية السلام الشامل 2005 تمخض عنها دستور بمواصفات خاصة، ولظروف معينة ولكل مرحلة تداعياتها.. (سودان تربيون الخرطوم 2015/1/5)
حكومة الإنقاذ لا تتعظ، وتصر على تحاكمها للطاغوت وتنفيذ المخطط الأمريكي الذي يهدف إلى تمزيق السودان وتقسيمه إلى خمس دويلات، فبعد انفصال الجنوب وإعطاء دارفور “حكماً ذاتياً” وكذلك جنوب كردفان والنيل الأزرق تسعى الحكومة الآن لتنفيذ باقي مخطط اتفاقية الشؤم نيفاشا وذلك كما يقر رئيس حكومة السودان بعد التعديلات الدستورية بتضمين اتفاق سلام شرق السودان، الذي يضم ثلاث ولايات من أصل 17 ولاية سودانية؛ وهي البحر الأحمر، وكسلا، والقضارف، وتمتد الولايات الثلاث على مساحة تقدر بحوإلى 326.703 كلم مربع، وتشكل قرابة الـ18%من المساحة الكلية للسودان (1.882.000 كلم مربع) تبدأ من حلايب وقرورة شمالاً، وتنتهي بالخياري في ولاية القضارف.
يجاور الإقليم ثلاث دول وهي مصر، وإريتريا، وإثيوبيا، كما يقع كل الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر والمقدر طوله بـ820 كلم ضمن حدود الإقليم، وبالتالي فإن كل منافذ الدولة السودانية البحرية تقع ضمنه، وهو ساحل ذو أهمية بالغة لقربه من باب المندب وإطلالته على عدد من الموانئ الخليجية البترولية، ويقدر عدد سكان الشرق بحوإلى ستة ملايين نسمة، والقبائل التي تسكنه: البجا والبشاريين، الأمرارـ البني عامر، الهدندوة، وغيرها.
لعقود طويلة ظل شرق السودان أنموذجا للاستقرار، ومنطقة جذب للسكان من داخل السودان وخارجه، وكانت مدن القضارف وكسلا وبورتسودان الأكثر نمواً، ولكن نتيجة لخطط وسياسات الدولة التي لا ترعى شؤون رعاياها افتقرت هذه المناطق، ومما زاد الأحوال سوءاً المجاعة في سنة 1984، وكذلك الصراع الدموي الذي دار بين قوات التجمع الوطني ونظام الإنقاذ في منتصف التسعينات مما أدى إلى عدم الاستقرار ونزوح أعداد كبيرة من الأهالي من مناطقهم، كذلك أحداث 2005/1/29 والتي راح ضحيتها 28 شخصاً.
وتصاعدت معدلات الفقر المدقع والذي يصل لحد المجاعة ليشكل بذلك تربة خصبة للداعين لتمرد جديد في الإقليم وكذلك الغياب السياسي والثقافي الفاعل لأهل الشرق عن مراكز اتخاذ القرار في المركز والإقليم مما أدى إلى الانتشار الكثيف للسلاح وإمكانات الحركة المتوفرة في منطقة قبيلة الرشايدة غرب كسلا، وكذلك وجود المسلحين في مثلث الفشقة ومنطقة حمداييت الإستراتيجية (وهي أراضٍ تتبع للسودان وتربط بين إثيوبيا وإريتريا والسودان) والتي تعتبر مسرحاً إضافياً للصراع الإريتري – الإثيوبي، وأيضاً للصراع على مثلث حلايب شمالاً، واستمرار الاعتداءات والتوغل من النظام الإثيوبي المستمر في الأراضي الزراعية بولايتي القضارف وسنار وطرد سكانها الأصليين، والتهجير المتوقع خلال الأشهر القادمة لسكان منطقة ود الحليو بسبب إنشاء سد سيتيت ورفض الأهالي مغادرة المنطقة في ظل عدم وجود تعويض مناسب والمؤشرات حول بداية توزيع الأراضي لوافدين ومستثمرين رأسماليين على حساب المستضعفين.
وكما توجد مليشيات قبلية مسلحة يتم تسليحها بواسطة الحكومة في عدد من المناطق أبرزها همشكوريب، ريفي كسلا، القاش وبعض أرياف القضارف، حيث تقوم هذه المليشيات بإرهاب الأهالي المخالفين لتوجهاتها، كل ذلك أدى إلى عدم استقرار الإقليم كانت نتيجته توقيع اتفاق “سلام الشرق” بين حزب المؤتمر الوطني وجبهة الشرق، التي كانت تحمل السلاح برعاية دولة إريتريا، في عاصمتها أسمرا في 14 أكتوبر 2006، ليضع حدا لعشر سنوات من الصراع في الإقليم. وعلى نسق اتفاقية نيفاشا، يتكون اتفاق الشرق من ثلاثة بروتكولات وهي السلطة والثروة والترتيبات الأمنية.
مع تردي الأوضاع، يرى أهلنا في شرق السودان أنهم مهمشون، ويستغل النظام ذلك في تمرير سيناريوهات الحلول الشبيهة بنيفاشا المشؤومة، وما أحدثته بانفصال الجنوب واتفاقية الدوحة بحجة حق تقرير المصير، وما أعطته لأهلنا في دارفور من سلطة إقليمية – خاصة الشباب الذي يعيش في واقع فاسد من انتشار معدلات الفقر والبطالة، فيجعل هؤلاء وقوداً لميلاد جسم جديد معارض لحكومة المركز. وللأسف تستخدم السلطة مليشياتها كسلاح لتفتيت أهل الشرق، بتعزيز الانقسامات القبلية في الشرق وضرب القبائل بعضها ببعض. الحكومة هي من ترعى عوامل الفرقة والنزاعات بين القبائل بتسليح جزء منها والتمييز بينها في السلطة والثروة، فالمظالم لأهلنا في الشرق وتردي الأوضاع الاقتصادية، وفي ظل التعتيم الإعلامي وعجز وفشل حكومة الخرطوم عن حل مشاكلهم، ولا ننسى علاقة الشرق بالنظام الإريتري الذي يعمل ضد الإسلام والمسلمين. كل تلك العوامل تجعل أهلنا في الشرق يعانون من أوضاع صعبة من كل النواحي، ويجب عليهم أن يتخذوا موقفاً صارماً لحل الأمور، وعلى أساس الإسلام فقط.
فيا أهلنا في شرق السودان؛
لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، ونحن لدغنا مرات ومرات، انفصل الجنوب، فماذا جنينا غير أزمات وحروب طاحنة، وقضى أولادنا شهداء أكثر من عشرين سنة، والسيناريو نفسه يتكرر بإعطاء دارفور “حكماً ذاتياً”، مما يعني أن أجراس الإنذار تدق لتنذر من سيناريو الانفصال بالنسبة لدارفور، ولكن بإذن الله تعالى لن يحصل ذلك، ويجب أن تعملوا على تفويت الفرصة على الغرب الكافر في تفتيت السودان، ويكون ذلك بإنزال أحكام الإسلام على أرض الواقع في رعاية الشؤون ورد الحقوق، في الحكم والسياسة والاقتصاد، لينعم الجميع بعدل الإسلام دون تمييز عرقي أو جهوي أو إثني أو عقائدي. ولن يتم هذا إلا بإقامة دولة الخلافة فهي وحدها القادرة على فعل ذلك. وبذلك يتحول السودان سلة غذاء للعالم الإسلامي بدلاً عن الدول الاستعمارية؛ أمريكا وأوروبا، التي تظهر وكأنها الأم الحنون التي تعطف على أبنائها المهمشين، وفي الحقيقة هي أساس البلاء، فيجب علينا ألا نجعل غير الإسلام أساساً لحل مشاكلنا، فالحل لا بد أن يكون فكرة كلية ربانية تنبثق عنها حلول للمشاكل، وهذه الفكرة هي العقيدة الإسلامية والتي ينبثق منها نظام الإسلام الذي لا يمكن تطبيقه إلا في دولة الخلافة. فكفانا جراحاً وانقسامات، من الجنوب إلى دارفور، ثم شرق السودان، بعد جنوب كردفان والنيل الأزرق ليكتمل مسلسل التآمر على تفتيت السودان. هيهات هيهات للغرب الكافر فلن نترككم، وستقوم دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وتقطع دابر الكافرين الطامعين في بلادنا وثرواتنا. اللهم اجعله قريبا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ريم جعفر (أم منيب)