Take a fresh look at your lifestyle.

صور مسيئة للغرب  

سيظل الغرب على حاله وموقفه من الإسلام ومفاهيمه وأحكامه طالما أن الحقد الصليبي المورث لديه من زمن الحروب الصليبية مسيطرا ومهيمنا عليه، وطالما ظل متسربلا بسربال الرأسمالية العفنة التي أعمت قلوب سياسييه ورجال أعماله والمتنفذين وأصحاب القرار فيه، وطالما ظلت النصرانية التي لفظها وحشرها في زاوية النسيان بعيدا عن الحكم وصولجانه؛ حاضرة وبقوة ما دام الأمر يتعلق بالإسلام والمسلمين. ولذلك فإن ما قامت به تلك الصحيفة الساقطة التي لم يكن لها يوما قيمة عند القارىء الغربي إلا يوم أن تبجحت ونشرت تلك الصور المسيئة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، لتقوم بعدها بطباعة وتوزيع أكثر من مليوني نسخة، إن ما قامت به يعبر عن ذلك الحقد الدفين الذي يشاركهم فيه حكام الغرب الصليبي والكثير من الحاقدين الذين ألفوا العيش في ظلام الرأسمالية وأوحالها. وكأني بهؤلاء ولسان حالهم يقول إذا كنا نشرنا تلك الصور المسيئة فهذا رد فعل تجاه صوركم المسيئة لنا.

فهم يسؤهم ويصيبهم الغمّ والكمد كلما رأوا راية العقاب خفاقة يحملها طفل أو شاب أو شيخ أو امرأة من المسلمين فتذكرهم بدين عظيم ظل عصيّاً على الهدم برغم الضربات التي تلقاها على يد أسلافهم الذين اجتمعوا بقضهم وقضيضهم لهدم الإسلام كمبدأ وعقيدة عقلية ينبثق عنها نظام، وبرغم أنهم تمكنوا من هدم دولة الإسلام منذ أكثر من تسعين عاما، إلا أنهم يرون الأمة تنتفض من تحت الركام لترفع راية الإسلام وتسعى بجد واجتهاد لاستعادة دولتها واستئناف حياتها الإسلامية من جديد.

إن هؤلاء الذين رضوا أن يعيشوا كالأنعام بل أضل من الأنعام، يأكلون ويتمتعون ويلههم الأمل، دينهم دولارهم، وهمهم نهب ثروات الشعوب والأمم، تطحنهم الحياة المادية طحنا، لا يعرفون معنى للسعادة سوى إشباع أكبر قدر من متعهم الجسدية، مقياسهم المنفعة، حياتهم جامدة لا معنى لها، يصم آذانهم صوت الموسيقى الصاخبة عن سماع تساؤلات تنخر في أعماق أعماقهم؛ من أين أتيت؟ ولماذا أتيت؟ وإلى أين أذهب؟.

إن قوما كهؤلاء بدلا من أن تتسع حدقات أعينهم ليروا في الإسلام وعقيدته ملاذا وملجأ؛ تسوؤهم صورة المسلمين برغم حياة الضنك والكفاف التي يعيشونها، يرونهم يحمدون الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، يرونهم سعداء لأن معنى السعادة عندهم مختلف، فهو ليس إشباعا لجوعة البطن أو الفرج، بل هو مرضاة رب العالمين.

هؤلاء الذين يعيشون حياة أسرية مفككة، كل فرد فيها تراه متكوّماً في زاوية من زوايا المنزل، منعزلا عن محيطة، تراه إما متسمّراً أمام شاشة الكمبيوتر، أو مشدوها أمام التلفاز، أو مع هاتفه النقال، لا كلام ولا سلام ولا صلة أرحام ولا علاقات مع الجيران، بينما تتراءى أمامهم صورة العائلة المسلمة المترابطة، فتفزعه صورة يراها مسيئة له عندما يرى عطف الأب على ابنه، واحترام الابن لأبيه، وتزاور المسلمين فيما بينهم، فقد أمرهم الله بذلك وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي الصحابة بالجار حتى ظنوا أنه سيورثه، أليست تلك صورا مسيئة تفزعهم وترعبهم وتملأ قلوبهم حقدا على الإسلام ونبيه وأهله، قال تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

يفزعهم ويسؤهم أن يروا أكثر من مليوني حاج بألوانهم وألسنتهم المختلفة المتباينة، يؤدون مناسك الحج في مشهد روحاني مهيب، بينما يرون كنائسهم خاوية على عروشها، وبدل أن يبحثوا في الإسلام وفي عقيدته لتطمئن به نفوسهم وتسكن به جوارحهم، تراهم يتعمدون الإساءة للإسلام ونبيه وأهله. كما تسؤهم تلك الخيرات التي أنعم الله بها علينا في بلادنا من كل أنواع الثروات، ومن وقت قريب قالوا كفرا وإفكا عظيما “لقد جئنا إلى هنا لنصحح خطأ الرب عندما جعل تلك الثروات في بلاد المسلمين”، قال تعالى: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا﴾.

لقد استغلت أمريكا أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد المسلمين، فقالت لشعبها لقد فعلوا ذلك لأنهم يكرهوننا، لأنهم قوم يكرهون طريقة عيشنا، لقد كتب ريتشارد برود هيزر، في نيويورك أوبزيرفر، في 17 أيلول 2001، واصفا الولايات المتحدة بقوله: “إنها إمبراطورية الرأسمالية والديمقراطية… وكل واحد في العالم غير سعيد بحظه ينظر إلينا، كبلاد وكمدنيّة، فيجدنا البديل. وإذا كان لديه عقلية طموحة، فإما أن يحاول أن يأتي إلينا، أو يقلدنا. وإذا كان لديه عقلية مضطهدة، فإنه يحمِّلنا المسؤولية. وإذا كان لديه موارد دولة معادية، أو ما يعادلها عملياً، فإنه سيحاول قتلنا… إن الفاشلين في العالم يكرهوننا؛ لأننا أقوياء، وأغنياء، وصالحين..”. وها هي اليوم فرنسا تعيد نفس السيناريو وتريد أن تصور لنفسها ولشعبها أنهم فعلوا ذلك لأنهم يكروهوننا، لأن ثقافتهم رجعية ومفاهيمهم خاطئة، ولأن دينهم دين الإرهاب والقتل. ومما لا شك فيه أنه لا الحكومة الأمريكية ولا الحكومة الفرنسية تصدق نفسها عندما تقول ذلك لشعبها.

إنها الحقيقة المُرّة التي تعرفها الأنظمة الغربية التي أجرمت في حق شعوبها قبل أن تجرم في حق أمة الإسلام، وهي أن الغرب هو من يكره الإسلام والمسلمين، وليس العكس كما يدعون، فالإسلام هو رسالة رب العالمين ليكون رحمة لهم، وهو الرسالة الخاتمة التي يحملها المسلمون للعالم حتى لا تتفلت منهم نفْس إلى النار، حتى يخرجوا الناس من ظلمات الرأسمالية إلى عدل الإسلام. فما الذي يملكه الغرب حقيقة حتى يكون محل حسد من المسلمين سوى الكثير من المثالب والنقائص، وهذا جانبا منها:

1. النمط الاستهلاكي كطريقة عيش تجعل من المرء عبدا لشهواته ورغباته.

2. مفهوم الحرية المفتقد للضوابط، فهو ممنوع إذا تعلق الأمر بإهانة رئيس أو ملك ومعاداة السامية، وهو مقدس ومحترم إذا تعلق بالإساءة للإسلام ونبيه وأهله.

3. مفهوم الفرد الذي يقدَّم كأنه صانع نفسه، وكلّي السيادة، بينما هو مجرد رقم في لعبة النفوذ والسلطة.

4. فرد لا يدين بشيء، لا للآخرين، ولا للمجتمع، أناني لا يهتم إلا بنفسه.

5. تراجع الزواج، والحياة العائلية، وكثرة الزنا والفواحش.

6. جهاز ضخم للتسلية والاتصال يمجد هذه الأفكار وينشرها.

إذاً، ماذا بقي من خير في هذا المجتمع، يشدُّ أنظار المسلمين للاقتداء بحضارة الغرب “العظيمة” تلك. بقي ما يقال عنه رفاهية، وغنى، وكفاية، وتقدم في العلوم، والصناعات، والعمران… ولكنه في ظل فراغ، وضياع، وشقاء عند البشر.

إن نشر تلك الصور المسيئة في فرنسا وما سبقه من قرارات للتضيق على المسلمين هناك كمنع الخمار في المدارس والنقاب في الشوارع، وما سيتبعه من قرارات مشابهة أو أكثر فظاعة، ليعبر عن مسار لئيم قرر الغرب أن يسير فيه إلى نهايته؛ عله يستطيع أن ينجز ما لم يستطع أن ينجزة طوال القرون السابقة. فبعد أن جيش جيوشه وأطلق كلابه من المبشرين والمستشرقين لتنهش في عقيدة الأمة وفكرها وحضارتها وتسقط دولتها، إذا به يفشل فشلا ذريعا في إسقاط إسلامها، وظل الإسلام عصيا على الكسر شامخا قويا في نفوس الكثير من أبناء الأمة، حتى جاء اليوم الذي تحمله طائفة ظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها ولا من خالفها لتجعل من تمكينه مرة ثانية في الأرض قضية مصيرية دونها الحياة أو الموت، لتصل به عما قريب بتوفيق الله وعونه إلى استئناف حياة الأمة الإسلامية في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة موعود الله وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم.


﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

2015_01_26_Art_Positions_offend_to_the_West_AR_OK.pdf