خبر وتعليق البيعة وسائر أحكام الإسلام طريقة حكم وليست بروتوكولا
الخبر:
عقب الإعلان عن وفاة العاهل السعودي يوم الجمعة 3 ربيع الثاني 1436 الموافق 23 جانفي 2015 وبعد أن تم تعيين ولي عهده سليمان بن عبد العزيز آل سعود، نقلت العديد من القنوات مراسم بيعة سلمان ملكا على المملكة العربية السعودية، إضفاء للشرعية الإسلامية للنظام الملكي السعودي.
التعليق:
منذ أن طعن آل سعود الخلافة في ظهرها، تلك الطعنة النجلاء بمساعدة الإنجليز، نصبوا أنفسهم ممثلين عن الإسلام عامة والطائفة السنية خاصة بوصفهم الحكام الذين يرعون أهم جزء في الجزيرة العربية، بلاد الحرمين. ومنذ ذلك الوقت تعاقب أبناء آل سعود على حكم البلاد وتوارثوا السيطرة على ثرواتها وتصرفوا في عائدات خيراتها كأنها ملك أيمانهم. وقد أرسوا بذلك نظاما ملكيا إقطاعيا بصبغة ترتع فيه الشركات الرأسمالية العالمية ويحرم المسلمون خيراته.
علاوة على ذلك كان وجود آل سعود سبباً في تعطيل الحراك الإسلامي من طريقين: الطريق الأول تزييف الصورة الحقيقية للحكم بالإسلام وتشويه أفكار الإسلام السياسية بنشر نموذجٍ للنظام الكنسي في أوروبا القرون الوسطى بعباءة الإسلام؛ وذلك من خلال ضخ أموال ضخمة في تصدير فتاويهم وتبنياتهم عبر كل الوسائل (إذاعات، قنوات، دور نشر، جمعيات إلخ…). أما الطريق الثاني فهو القمع والتنكيل بكل من دعا الناس لتحكيم الإسلام على أرض بلاد الحرمين، وسجونهم التي تضج بالعلماء شاهدة على ذلك. مع دعم كل المشاريع العلمانية على الساحة العربية ووأدا لكل شرارة ثورة أو مشروع تغيير كما هي الحال في مصر واليمن. كما لا ينسى دورهم العظيم في مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق وأفغانستان واليوم على الثورة في بلاد الشام.
وقد أبقى هذا النظام المجرم بعض الأشكال والتسميات في الأحكام حتى يظهر للمشاهد، الجاهل بالإسلام، أنه يطبق بعض أحكام الإسلام من مثل أحكام القصاص في الساحات العامة، وحجب النساء عن الحياة العامة وتتبع الناس في أوقات الصلاة بجهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الباغي، الذي لا يقدر إلا على عامة الناس ويغض الطرف عن منكرات الأمراء. وفي كل مرة يموت فيها ملك، يقيم الديوان الملكي مجلسا لعقد بيعة شكلية، لا يراعي فيها رأي الناس، ولي العهد الذي تم تنصيبه مسبقا بعد أن وقع إعداده بالشكل اللازم لإتمام مهام سلفه.
البيعة هي طريقة تنصيب الخليفة في الإسلام. وهي عقد توكيل ومراضاة بين المسلمين جميعا وشخص الخليفة الذي يتولى مهامه بعد أن يتم اختياره من قبل الناس بموجب شروط تتوفر فيه يُنظر فيها من قبل محكمة المظالم التي تضمن كفاءة المترشح لمنصب الخليفة. والبيعة لا يمكن أن تتم في نظام غير إسلامي لأنها حكم من أحكام الإسلام تقوم على وجهة نظر في الحياة، وواجب على المسلمين أن تكون في عنقهم بيعة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديثين الصحيحين في مسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر»، فقالوا ما تأمرنا يا رسول الله، قال «فو ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
إن بتر الأحكام الشرعية عن أصلها وتفعيلها دون إقامة أصلها، لا يعطيها الصفة الإسلامية ولا يعطي النظام شرعية. فكل الأنظمة ما لم تطبق الإسلام كاملا بمقياس الحلال والحرام لا تعتبر نظما إسلامية وإن غلبت الصفة الإسلامية مظهرا على الحكام أو شكلا على الأحكام. وتطبيق هذه الأحكام، بهذا الشكل المنبتّ الأجوف يؤدي إلى الفساد والإفساد؛ ويجعل أحكام الإسلام تتساوى مع أحكام الأنظمة الوضعية فالنظرة إليها ستكون وفق المصلحة. ومن جهة أخرى ستكون هذه الأحكام معطِّلة لمشروع الأمة، فهي ستمثل ترقيعات للنظام ومخدرا للمسلمين الساعين نحو التغيير.
إن البيعة الحقيقية توجب أولا إقامة دولة إسلامية حقيقية، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبيعة خليفة واجبة على المسلمين. ولا يمكن أن تكون هناك بيعة لخليفة إن لم توجد خلافة على منهاج النبوة، تقيم شرع الله رعاية وكفاية للناس ويُدْرَك خلال إقامة هذه الأحكام الصلة بالله بالابتعاد عن نواهيه والتزام أوامره.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسامة شعيب – تونس