كتاب إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
مناقضة الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي ومنه الشيوعي للإسلام (ح 33)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّلاثِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 53) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ مَوضُوعٍ بِعُنوَان: “مُنَاقَضَةُ الاقتِصَادِ الرَّأسمَالِيِّ وَالاشتِرَاكِيِّ وَمِنهُ الشُّيوعِيُّ لِلإِسلامِ”.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: هَذِهِ لَمْحَةٌ خَاطِفَةٌ لِلأُسُسِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيهَا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الرَّأسمَالِيُّ، وَالأُسُسُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيهَا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الاشتِرَاكِيُّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ، وَإِشَارَةٌ مُوجَزَةٌ لِمَا فِي هَذِهِ الأُسُسِ مِنْ زَيفٍ وَفَسَادٍ. هَذَا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخرَى فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِطَرِيقَةِ الإِسلامِ فِي أخْذِ المُعَالَجَاتِ، وَمُنَاقِضَةٌ لِلإسلامِ. أمَّا مِنْ نَاحِيَةِ مُخَالَفَتِهَا لِطَرِيقَةِ الإِسلامِ فِي أخْذِ المُعَالَجَاتِ لِلمَشَاكِلِ، فَذَلِكَ أنَّ طَرِيقَةَ الإِسلامِ فِي مُعَالَجَةِ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ هِيَ نَفْسُهَا طَرِيقَتُهُ فِي مُعَالَجَةِ كُلِّ مُشكِلَةٍ مِنْ مَشَاكِلِ الإِنسَانِ، وَهِيَ دِرَاسَةُ وَاقِعِ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَتَفَهُّمُهَا ثُمَّ استِنبَاطُ حَلِّ المُشكِلَةِ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ بَعدَ دِرَاسَةِ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَالتَّأكُّدِ مِنَ انطِبَاقِهَا عَلَيهَا. بِخِلافِ الأحكَامِ وَالمُعَالَجَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ فِي الرَّأسمَالِيَّةِ وَالاشتِرَاكِيَّةِ. فَإِنَّهَا فِي الرَّأسمَالِيَّةِ تُؤخَذُ المُعَالَجَاتُ مِنْ وَاقِعِ المُشكِلَةِ بَعدَ دِرَاسَتِهَا، وَفِي الاشتِرَاكِيَّةِ تُؤخَذُ مِنْ فُرُوضٍ نَظَرِيَّةٍ تُتَخَيَّلُ أنَّهَا مَوجُودَةٌ فِي المُشكِلَةِ فَيُوضَعُ العِلاجُ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الفُرُوضِ. وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَينِ الطَّرِيقَتَينِ مُخَالِفَةٌ لِطَرِيقَةِ الإِسلامِ، فَلا يَجُوزُ لِلمُسلِمِ الأخَذُ بِهَا.
وَأمَّا مُنَاقَضَةُ الاقتِصَادِ الرَّأسمَالِيِّ وَالاشتِرَاكِيِّ وِمِنهُ الشُّيُوعِيُّ لِلإِسلامِ, فَذَلِكَ أنَّ الإِسلامَ إِنَّمَا يَأخُذُ مُعَالَجَاتِهِ أحْكَامًا شَرعِيَّةً، مُستَنبَطَةً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، وَهَذِهِ المُعَالَجَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ الرَّأسمَالِيَّةُ وَالاشتِرَاكِيَّةُ لَيسَتْ أحْكَامًا شَرعِيَّةً، بَلْ هِيَ مِنْ نِظَامِ الكُفْرِ.
وَالحُكْمُ عَلَى الأَشيَاءِ بِهَا حُكْمٌ بِغَيرِ مَا أنْزَلَ اللهُ، وَلا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يَأخُذَ بِهَا، وَلا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وَالأخْذُ بِهَا فِسْقٌ إِذَا كَانَ الآخِذُ لا يَعتَقِدُ بِهَا، أمَّا إِذَا اعتَقَدَ أنَّهَا هِيَ الأحكَامُ الصَّحِيحَةُ، وَأنَّ أحْكَامَ الإِسلامِ لا تُنَاسِبُ العَصْرَ الحَدِيثَ، وَلا تُعَالِجُ المَشَاكِلَ الاقتِصَادِيَّةَ الحَدِيثَةَ، فَذَلِكَ كُفْرٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. الأُسُسِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيهَا النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الرَّأسمَالِيُّ والاشتِرَاكِيُّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ مُخَالِفَةٌ لِطَرِيقَةِ الإِسلامِ فِي أخْذِ المُعَالَجَاتِ.
2. طَرِيقَةَ الإِسلامِ فِي مُعَالَجَةِ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ تَمُرُّ فِي المَرَاحِلِ الخَمْسِ الآتِيَةِ:
أ- دِرَاسَةُ وَاقِعِ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
ب- تَفَهُّمُ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
ت- دِرَاسَةِ النُّصُوصِ الشرعية المتعلقة بها.
ث- ثُمَّ استِنبَاطُ حَلِّ المُشكِلَةِ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ.
ج- التَّأكُّدِ مِنَ انطِبَاقِ النُّصُوصِ عَلَى المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ.
3. تُؤخَذُ الأحكَامُ وَالمُعَالَجَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ فِي الرَّأسمَالِيَّةِ وَالاشتِرَاكِيَّةِ مِن إِحدَى طَرِيقَتَينِ:
أ- فِي الرَّأسمَالِيَّةِ تُؤخَذُ المُعَالَجَاتُ مِنْ وَاقِعِ المُشكِلَةِ بَعدَ دِرَاسَتِهَا.
ب- فِي الاشتِرَاكِيَّةِ تُؤخَذُ مِنْ فُرُوضٍ نَظَرِيَّةٍ تُتَخَيَّلُ أنَّهَا مَوجُودَةٌ فِي المُشكِلَةِ فَيُوضَعُ العِلاجُ بِنَاءً عَلَى هَذِهِ الفُرُوضِ.
4. كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَينِ الطَّرِيقَتَينِ مُخَالِفَةٌ لِطَرِيقَةِ الإِسلامِ، فَلا يَجُوزُ لِلمُسلِمِ الأخَذُ بِهَا.
5. وَأمَّا مُنَاقَضَةُ الاقتِصَادِ الرَّأسمَالِيِّ وَالاشتِرَاكِيِّ وِمِنهُ الشُّيُوعِيُّ لِلإِسلامِ فَبَيَانُهُ كَالآتِي:
أ- الإِسلامَ يَأخُذُ مُعَالَجَاتِهِ أحْكَامًا شَرعِيَّةً، مُستَنبَطَةً مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ.
ب- المُعَالَجَاتُ الاقتِصَادِيَّةُ الرَّأسمَالِيَّةُ وَالاشتِرَاكِيَّةُ هِيَ مِنْ نِظَامِ الكُفْرِ. والحُكْمُ بِهَا حُكْمٌ بِغَيرِ مَا أنْزَلَ اللهُ. وَلا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يَأخُذَ بِهَا، وَلا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
ت- الأخْذُ بِهَا فِسْقٌ إِذَا كَانَ الآخِذُ لا يَعتَقِدُ بِهَا.
ث- إِذَا اعتَقَدَ أنَّهَا هِيَ الأحكَامُ الصَّحِيحَةُ، وَأنَّ أحْكَامَ الإِسلامِ لا تُنَاسِبُ العَصْرَ الحَدِيثَ، وَلا تُعَالِجُ المَشَاكِلَ الاقتِصَادِيَّةَ الحَدِيثَةَ، فَذَلِكَ كُفْرٌ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
أيها المؤمنون:
بِهَذَا نَكُونُ قَدِ انتَهَينَا مِنَ استِعرَاضِ المُقَدِّمَةِ فِي النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ, نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لِنَبدَأَ بِمَوضُوعِنَا الأَسَاسِيِّ وَهُوَ بِعُنوَانِ: “الاقتِصَاد”. فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ الله وبركاته.