إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 35)
الفرق بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: “الفرق بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 55) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
“وَعَلَيهِ فَلَيسَ المَقصُودُ هُنَا مِنْ كَلِمَةِ “اقتِصَاد” المَعنَى اللُّغَوِيَّ وَهُوَ التَّوفِيرُ، وَلا مَعنَى المَالِ، وَإِنَّمَا المَقصُودُ هُوَ المَعنَى الاصطِلاحِيُّ لِمُسَمَّىً مُعَيَّنٍ، وَهُوَ تَدبِيرُ شُؤُونِ المَالِ، إِمَّا بِتَكثِيرِهِ وَتَأمِينِ إِيجَادِهِ، وَيَبحَثُ فِيهِ عِلْمُ الاقتِصَادِ، وَإِمَّا بِكَيفِيَّةِ تَوزِيعِهِ، وَيَبحَثُ فِيهِ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ. وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عِلْمُ الاقتِصَادِ، وَالنِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ، كُلٌّ مِنهُمَا يَبحَثُ فِي الاقتِصَادِ وَلَكِنَّهُمَا شَيئَانِ مُختَلِفَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَمَفهُومُ أحَدِهِمَا غَيرُ مَفهُومِ الآخَرِ.
فَالنِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ لا يَختَلِفُ بِكَثرَةِ الثَّروَةِ وَلا بِقِلَّتِهَا، وَلا يَتأثَّرُ بِهَا مُطلَقًا. وَكَثرَةُ الثَّروَةِ وَقِلّتُهَا لا يُؤثِّرُ فِيهَا شَكْلُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ، وَلا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ. وَعَلَيهِ كَانَ مِنَ الخَطَأ الفَادِحِ جَعلُ الاقتِصَادِ مَوضُوعًا وَاحِدًا يُبحَثُ عَلَى اعتِبَارِهِ شَيئًا وَاحِدًا؛ لأنَّهُ يُؤَدِّي إِمَّا إِلَى الخَطَأ فِي إِدرَاكِ المَشَاكِلِ الاقتِصَادِيَّةِ المُرَادِ مُعَالَجَتُهَا، وَإِمَّا إِلَى سُوءِ فَهْمِ العَوَامِلِ الَّتِي تُوَفِّرُ الثَّروَةَ، أي تُوجِدُهَا فِي البِلادِ. وَلأنَّ تَدبِيرَ أُمُورِ الجَمَاعَةِ مِنْ حَيثُ تَوفِيرُ المَالِ، أي إِيجَادُهُ، شَيءٌ، وَتَدبِيرُ أُمُورِ الجَمَاعَةِ مِنْ حَيثُ تَوزِيعُ المَالِ المُدبَّرِ شَيءٌ آخَرُ.
فَيَجِبُ أنْ يُفصَلَ بَحْثُ تَدبِيرِ مَادَّةِ المَالِ عَنْ بَحْثِ تَدبِيرِ تَوزِيعِهِ، إِذِ الأوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِالوَسَائِلِ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالفِكْرِ. وَلِهَذَا يَجِبُ بَحْثُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ بِاعتِبَارِهِ فِكْرًا يُؤَثِّرُ فِي وُجهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ، وَيَتأثَّرُ بِهَا. وَبَحثُ عِلْمِ الاقتِصَادِ بِاعتِبَارِهِ عِلْمًا، وَلا عَلاقَةَ لَهُ بِوُجْهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ.
وَالبَحْثُ المُهِمُّ مِنهُمَا هُوَ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ. لأنَّ المُشكِلَةَ الاقتِصَادِيَّةَ تَدُورُ حَولَ حَاجَاتِ الإِنسَانِ، وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا، وَالانتِفَاعُ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ. وَبِمَا أنَّ الوَسَائِلَ مَوجُودَةٌ فِي الكَونِ، فَإِنَّ إِنتَاجَهَا لا يُسَبِّبُ مُشكِلَةً أسَاسِيَّةً فِي إِشبَاعِ الحَاجَاتِ، بِلْ إِنَّ إِشبَاعَ الحَاجَاتِ يَدفَعُ الإِنسَانَ لإِنتَاجِ هَذِهِ الوَسَائِلِ، أو إِيجَادِهَا. وَإِنَّمَا المُشكِلَةُ المَوجُودَةُ فِي عَلاقَاتِ النَّاسِ، أي فِي المُجتَمَعِ نَاجِمَةٌ عَن تَمكِينِ النَّاسِ مِنَ الانتِفَاعِ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ، أو عَدَمِ تَمكِينِهِمْ. أي نَاجِمَةٌ عَنْ مَوضُوعِ حِيَازَةِ النَّاسِ لِهَذِهِ الوَسَائِلِ. فَيَكُونُ هُوَ أسَاسَ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَحتَاجُ إِلَى عِلاجٍ. وَعَلَى ذَلِكَ فَالمُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ آتِيَةٌ مِنْ مَوضُوعِ حِيَازَةِ المَنفَعَةِ، لا مِنْ إِنتَاجِ الوَسَائِلِ الَّتِي تُعطِي هَذِهِ المَنفَعَةِ”.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. المَقصُودُ مِنْ كَلِمَةِ “اقتِصَاد” المَعنَى الاصطِلاحِيُّ، وَهُوَ تَدبِيرُ شُؤُونِ المَالِ.
2. النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ لا يَختَلِفُ بِكَثرَةِ الثَّروَةِ وَلا بِقِلَّتِهَا، وَلا يَتأثَّرُ بِهَا مُطلَقًا.
3. كَثرَةُ الثَّروَةِ وَقِلّتُهَا لا يُؤثِّرُ فِيهَا شَكْلُ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ، وَلا بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
4. عِلْمُ الاقتِصَادِ وَالنِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ شَيئَانِ مُختَلِفَانِ مُتَغَايِرَانِ، وَمَفهُومُ أحَدِهِمَا غَيرُ مَفهُومِ الآخَرِ.
5. مِنَ الخَطَأ الفَادِحِ جَعلُ عِلْمِ الاقتِصَادِ وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ مَوضُوعًا وَاحِدًا.
6. جَعلُ عِلْمِ الاقتِصَادِ وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ مَوضُوعًا وَاحِدًا يُؤَدِّي لأحد أمرين:
أ- إِمَّا إِلَى الخَطَأ فِي إِدرَاكِ المَشَاكِلِ الاقتِصَادِيَّةِ المُرَادِ مُعَالَجَتُهَا.
ب- وَإِمَّا إِلَى سُوءِ فَهْمِ العَوَامِلِ الَّتِي تُوَفِّرُ الثَّروَةَ، أي تُوجِدُهَا فِي البِلادِ.
7. المُشكِلَةَ الاقتِصَادِيَّةَ تَدُورُ حَولَ ثلاثة أشياء:
أ- حَاجَاتِ الإِنسَانِ.
ب- وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا.
ت- وَالانتِفَاعُ بِهَذِهِ الوَسَائِلِ.
8. المُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ آتِيَةٌ مِنْ مَوضُوعِ حِيَازَةِ المَنفَعَةِ، لا مِنْ إِنتَاجِ الوَسَائِلِ الَّتِي تُعطِي هَذِهِ المَنفَعَةِ.
9. الفَرقُ بَينَ عِلْمِ الاقتِصَادِ وَالنِّظَامِ الاقتِصَادِيُّ يَبرُزُ مِنْ خَلالِ الجَدوَلِ الآتِي:
علم الاقتصاد |
النظام الاقتصادي |
1. عِلْمُ الاقتِصَادِ يَبحَثُ فِي تَدبِيرَ أُمُورِ الجَمَاعَةِ مِنْ حَيثُ تَوفِيرُ المَالِ وإيجَادُهُ. | 1. النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ يَبحَثُ فِي تَدبِيرُ أُمُورِ الجَمَاعَةِ مِنْ حَيثُ تَوزِيعُ المَالِ المُدبَّرِ. |
2. عِلْمُ الاقتِصَادِ يَتَعَلَّقُ بِوَسَائِلِ إِشبَاعِ حَاجَاتِ الإِنسَانِ, وَأسَالِيبِ إِنتَاجِهَا. | 2. النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ يَتَعَلَّقُ بِالفِكْرِ أي العَقِيدَةِ وَالأحكَامِ المُنبَثِقَةِ عَنْها. |
3. إِنتَاجُ وَسَائِلِ الإِشبَاعِ لا يُسَبِّبُ مُشكِلَةً أسَاسِيَّةً؛ لأنَّ الوَسَائِلَ مَوجُودَةٌ فِي الكَونِ, وَهِيَ مِنْ خَلْقِ اللهِ. | 3. أسَاسُ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ الَّتِي تَحتَاجُ إِلَى عِلاجٍ نَاجِمٌ عَن تَمكِينِ النَّاسِ مِنَ الانتِفَاعِ بِوَسَائِلِ الإِشبَاعِ. |
4. عِلْمُ الاقتِصَادِ بِاعتِبَارِهِ عِلْمًا, فَهُوَ لا عَلاقَةَ لَهُ بِوُجْهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ. | 4. النِّظَامُ الاقتِصَادِيِّ بِاعتِبَارِهِ فِكْرًا, فَهُوَ يُؤَثِّرُ فِي وُجْهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ، وَيَتأثَّرُ بِهَا. |
5. عِلْمُ الاقتِصَادِ عَالَمِيٌ عَامٌّ فَهُوَ كَعِلْمِ الرِّياضِيَّاتِ, لا يَختَصُّ بِأُنَاسٍ دُونَ غَيرِهِمْ. | 5. النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ خَاصٌّ يَخُصُّ أتبَاعَ المبدَأ المُؤمِنِينَ بِهِ يُنَظِّمُ عَلاقَاتِهِمْ بِبَعضِهِمْ. |
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.