مع الحديث الشريف إحياء الأرض
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم “مع الحديث الشريف” ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى البيهقي في السنن الكبرى قال:
(أخبرنا) أبو سعيدِ بنُ أبى عَمْرٍو حدثنا أبو العباسِ الأصَمُّ حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ حدثنا يحيى بنُ آدمَ حدثنا يونُسُ عن محمدِ بنِ إسحاقَ عن عبدِ الله بنِ أبى بكرٍ قال جاء بلالُ بنُ الحارث المُزَنِيُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضا فقطعها له طويلة عريضة. فلما ولي عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا طويلة عريضة قطعها لك وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليمنع شيئا يُسْألُهُ وإنك لا تطيق ما في يديك. فقال: أجل، قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعل والله, شيء أقْطَعَنِيْهِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: والله لتفعلن, فأخذ منه ما عجز عن عمارته, فقسمه بين المسلمين.
إن الأرض كنز يختلف عن غيره من الأموال والأملاك ….فهي تحتوي على مزايا ليست في كثير من الممتلكات فهي محل للزراعة ….ولاستخراج ما في باطنها من كنوز ومعادن …..ومحل لإقامة الأبنية عليها لمختلف الأغراض ….تجارية كانت كإقامة المباني التجارية والصناعية والمخازن أو شخصية كالمباني السكنية أو مرافق كالمباني الحكومية الخدماتية من مستشفيات ومدارس ودوائر.
فالأرض إذن لا يجوز أن تهجر أو تترك من غير استخدام لما في إهمالها من خسارة وضياع للمنافع الضرورية لحياة الناس ……من هنا فان الشرع أكد على ضرورة استغلال الأرض حين شرع تملكها بالمبادلة أو الإرث أو الإحياء أو الإقطاع …..بل لقد أكد على ضرورة استغلالها للزراعة خاصة ولسائر الاستخدامات المباحة على وجه العموم حين أعطى الدولة الحق في وضع يدها على الأرض التي يهملها صاحبها فيعطلها سنوات ثلات متتالية, لتعطيها لمن يريد زراعتها واستغلالها.
وفي الحديث إشارة إلى هذا التأكيد ……فبلال قد طلب من الرسول أرضاً واسعة, وقد أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم إياها ….لكنها كانت أكبر من أن يستطيع زراعتها كلها فتركها دون زراعة أو عمارة ….
لكن ولي الأمر ….خليفة المسلمين ….الذي كلفه الله برعاية مصالح المسلمين …بتطبيق أحكام الله عليهم , قد انتبه إلى حقيقة أن بلالا أخذ أرضا وعطلها بتركه إياها دون إعمار ……..وأدرك أن في هذا الإهمال والتعطيل ضياعاً لمصالح الناس فأجبر بلالاً على التخلي عن المساحة من الأرض التي لا يستطيع إعمارها ….وأبقى له منها ما يطيقه أي ما في طاقته إعماره وزراعته …..ولقد كان ذلك على مرأى من الصحابة رضوان الله عليهم فكان إجماعاً منهم على أن من عطل أرضا فقد حقه في ملكيتها.
وهذا عام في كل أرض ….وليس خاصا في الأرض المُقْطَعَةِ أو المُحْيَاةِ ….بل هو فيها وفي غيرها من الأراضي الموروثة أو المتبادلة ما دامت زراعية…
…..وعندنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه ….فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ….لم يحدد نوع الأرض أو طريقة تملكها بل جعل التعبير عاما في كل أرض مهما كانت طريقة تملكها ….إحياء أو إقطاعا أو مبادلة أو إرثا .
وإجماع الصحابة على الرضا بعمل عمر في حديثنا اليوم بَيَّنَ أن من عطل أرضاً مقطعة له من قبل الدولة فللدولة أن تستردها وتقطعها لغيره
من هذا الحديث أيها المستمعون الكرام نفهم الحكمة من مشروعية الإحياء والإقطاع أنها من أجل العمل واستغلال الأرض وليس للمكاثرة في المساحات المملوكة. فمن أعطى الأرض حقها من العمل والاستثمار استمر تملكه لها….ومن عطلها إهمالا أو لعدم قدرته على استغلالها فقدَ حقه في ملكيتها إن استمر إهماله أو تعطيله لها ثلاث سنين متتالية…وصار لغيره الحق في أخذها واستغلالها, أما إن كانت تلك الأرض إقطاعا من الدولة فقدْ صار للدولة الحق في استرجاعها وإقطاعها لغيره لزراعتها.
ومن الجدير ذكره أن العمل في الأرض ليس بالضرورة أن يقوم به مالك الأرض بنفسه …..بل له أن يعمل بها بنفسه وينفق عليها من أمواله, كما له أن يستأجر عمالا للعمل فيها ويدفع لهم أجوراً, ينفق من ماله أجرة للعمال وأثمان البذور والآلات المستخدمة فيها …. فإن عجز عن النفقة أعانته الدولة في النفقات.
لكن إن لم يرغب في زراعتها فإن عليه منحها لغيره ليزرعها دون مقابل ….لنهيه صلى الله عليه وسلم عن إجارة الأرض للزراعة.
أحبتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.