Take a fresh look at your lifestyle.

خبر وتعليق باخرة الغنوشي وكرسيه

الخبر:

في مقال بعنوان “لماذا قبلت النهضة شراكة غير متكافئة؟” كتب الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس على الجزيرة نت واصفا الحيرة الكبيرة التي بلغت “حد الصدمة والنكير من سلوك قادة النهضة” التي أصابت من يصفهم بـ “غير المحيطين بالمشهد العام لأوضاع تونس داخل البلد وخارجها”… وصفهم قائلا: الحقيقة أن حال هؤلاء شبيه بمن يحرص على أن يحجز لنفسه جناحا كاملا مرفّهًا في باخرة حتى وهو يعلم أنها متجهة إلى الغرق، ويفضل ذلك على الاكتفاء بحجز كرسي متواضع في باخرة مأمونة العواقب.

ثم أخذ يسرد تلك “الإنجازات” و”النجاحات” التي حققتها…

‎‎”‎نجحنا في مغالبة شهوة الانتقام ممن أقصونا ولاحقونا بالنكال داخل البلد وخارجه أزيد من ربع ‏قرن، ‏ومع ذلك أقدمنا على تنحية السيف جانبا وهو يقترب من رقابهم فأسقطنا مشروع العزل السياسي ‏لهم ‏تحت عنوان قانون تحصين الثورة‎”‎‏…‏

‎”‎أقدمنا على مصافحة أيدٍ كنا نستنكف من مصافحتها من موقع الخصومة السياسية، إذ رأينا في ‏ذلك ‏مصلحة البلد.. بل ذهبنا أبعد من ذلك إلى الانتقال بالعلاقة من موقع الصدام والتنافي إلى موقع ‏التوافق ‏والتعاون والمشاركة السياسية‎”‎‏…‏

 

 

التعليق:‏

يحتار المرء عند قراءة كتابات الغنوشي ـ قبل الثورة أو بعدها ـ والحيرة ليست ناجمة عن عدم فهم مراده مما يكتب، بل من كون الغنوشي يحسب على “الإسلاميين”، فإذا ما قرأت له لم تجد أثرا لعقلية إسلامية تجعل الإسلام أساسا في التفكير والحكم على الأمور. بل يصدمك البون الشاسع بين ما يطرح وبين رائحة لفكر إسلامي…

من جهة أخرى يستطيع المرء أن يقرأ حجم الخندق الشاسع الذي يفصله بطرحه ومواقفه ليس عن الأمة في مجموعها بل عن أتباع ومريدي النهضة الذين يحبون الإسلام ويأملون في إيجاده في واقع الحياة، في الحكم والمجتمع، ولو شكليا، وبالتالي ندرك حجم المأزق الذي وضع نفسه وحركته فيه بعد إقدامه على “مصافحة أيدٍ” كان بحسب قوله “يستنكف من مصافحتها”… بحجة “مصلحة البلد” على حد قوله، فكلامه هذا لا يقنع حتى أتباع حركته.

الغنوشي يرى سبب الاستنكاف عن المصافحة هو “الخصومة السياسية”، والتي تعني خصومة الأحزاب العلمانية لبعضها البعض من أجل الخصومة ذاتها وليس من أجل المبدأ، وعليه فإن المحرك هو المصلحة ليس غير، ولكن أي مصلحة تلك التي تشرعن عودة نظام بن علي إلى مباشرة الحكم؟

ثم إنه يرى “قطار تونس” قد تم وضعه على “سكة التشاركية والتوافق بين خمسة أحزاب..” وهذا الإنجاز العظيم بزعمه يحقق غاية عظيمة جليلة عنده وهي أن “يطمئن الداخل والخارج ويرسل برسائل تطمين وثقة إلى الجميع”.

والسؤال هو من هو الداخل ومن هو الخارج الذي يريد طمأنته؟

هل الداخل هو الشعب التونسي المسلم الذي خرج ليقلع نظام بن علي وطالب ولا يزال يطالب بالإسلام في الحكم والدولة؟ أم أن الداخل هم حفنة من أزلام النظام والدولة العميقة، والتي عمل ولا زال على الحفاظ عليها وشرعنة بقائها واستمراريتها؟

ثم من هو الخارج؟ هل هي الأمة الإسلامية التي رأت جزأها في تونس ينتفض رغم القهر والظلم ليثور على بن علي ويزيل نظامه من الجذور فتكون تونس الخضراء قائدة التغيير الجذري والحقيقي في الأمة والذي يقلع مخلفات الاستعمار ويقيم نظام الإسلام؟ أم أن الخارج عند الغنوشي هو الغرب وسادة النظام في تونس وكذلك حكام الضرار الآخرين في بلاد المسلمين الذين يحاولون ضرب كل حركة واعية في الأمة كي يحافظوا على العروش ويبقوا البلاد والعباد خاضعين خانعين، وتبقى البلاد مستباحة للدول الاستعمارية تسرح وتمرح فيها كيف تشاء؟

المضحك المبكي أن الغنوشي يرى “نَمرا تونسيا” يأخذ طريقه إلى العالم، ترى هل هو نمر علماني آخر من ورق؟ وهل باخرة العلمانية هي سبيل الخلاص لتونس؟

إن الباخرة التي حجزت لك مقعدا في آخرها ليست مأمونة العواقب كما تظن،… بل إنها إلى غرق وزوال.

ياغنوشي لقد ختمت بقوله تعالى “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”، ولكن يوسف عليه السلام ثبت على مبدأ الحق ولم يحد عنه، ولم يتخذ المصلحة والمنفعة مقياسا بل جعل الحكم لله وحده وصرح بذلك وكافح من أجل ذلك، ولم يصافح الطاغوت ولم يشاركه في حكم الكفر، وتحمل في سبيل ذلك الكثير الكثير… ولكنه صبر واحتسب فكان له التمكين، وهكذا يكون لمن ثبت على مبدأ الإسلام ولم يهادن أو يتملق، وصبر واحتسب… فهل من معتبر؟



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. حسام الدين مصطفى