لا يحزن من انتهى أجله شهيدا
أربع سنوات مرت على الثورة السورية المباركة، لم يتوقف الجزار الأسد عن سفك دماء أهل الشام، ولم يستثنِ أي نوع من الأسلحة المدمرة إلا واستخدمه ضد أهلها، كبيرها وصغيرها، بشرها وشجرها وحجرها. إلا أنه وبفضل من الله سبحانه وتعالى يقذف الله في قلوب أهل الشام الإيمان والصبر والثبات أمام الحقد الأسدي الذي يفوق كل وصف.
كيف لا وثورتهم انطلقت من المساجد، رفعوا راية الإسلام، هتفوا هي لله هي لله، ما لنا غيرك يا الله، وقد وقف أهل الشام مع الثوار المجاهدين يداً بيد ضد الإجرام الأسدي الذي يريد قمع ثورتهم والقضاء عليها وبدأ يبطش بالناس ويقتلهم، فنهض المجاهدون لحماية الناس من بطش الأسد يحملون السلاح ويرفعون راية الإسلام ويتصدون لآلة الحرب الأسدية الهائلة، وأهل الشام صامدون صابرون محتسبون، لا تلين لهم قناة ولا تستكين لهم همة، لا يريدون لثورتهم أن تنزلق منزلق غيرها من الثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن. لا يقبلون بأقل من إسقاط الأسد وقلع نظامه وإقامة دولة الإسلام على منهاج النبوة.
يتحدون بكل إيمان وصبر وثبات آلة الدمار الأسدية، لا يمر يوم إلا ويلقي بحمم حقده من براميل الموت المتفجرة فوق رؤوسهم، يدمر البيوت فوق ساكنيها ومن كتب له النجاة ينجو ومن كتب له انتهاء أجله يذهب شهيداً عند ربه وحيّاً يُرزق إن شاء الله. إن أهل الشام وكل المسلمين يدركون أن سبب الموت هو انتهاء الأجل، وإلا لكانوا خافوا على حياتهم وأعمارهم ورفعوا راية الاستسلام، هذه البراميل المتفجرة والتي تحمل أطنانا من المتفجرات تدمر أحياء بكاملها لولا العناية الربانية لما أبقت على نفس واحدة من أهلها. قال تعالى: ﴿ومَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا﴾ [آل عمران: 145]. وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: 169].
كل يوم نسمع ونرى من نَجوْا منها؛ يقول أحدهم وهم يخرجونه من تحت الأنقاض والدمار يصرخ ويهتف بـ “الله اكبر ولله الحمد”، “الشهيد حبيب الله”، وآخر يقول: “أضرب كيفما تشاء لن نقبل بأقل من رأسك يا بشار” وطفلة تخرج من بين الأنقاض تحمل بيمينها المصحف، وأخرى تقول: “عمو لا تصورني ماني محجبة”، وغيرها وغيرها من القصص التي رأيناها على مدى عمر الثورة تعكس الإيمان القوي بالله إنها ثورة إسلامية بامتياز. أي إصرار هذا إن لم يكن سببه الإيمان بالله والرضا بقضائه، ولعلمهم بأن الشام يحميها رب العباد. عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِلشَّامِ». فَقُلْنَا: وَلِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا».
إن أهل الشام مظلومون والمظلوم له شأن عظيم عند الله سبحانه وتعالى، فدعوة المظلوم مستجابة. روى الشيخان وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
فاصبروا وصابروا ورابطوا، ولا تيأسوا ولا تقنطوا من رحمة الله، فالله معكم، من وجد الله فماذا فقد ومن فقد الله فماذا وجد. وأنتم تقفون في وجه الظالم الكافر المجرم بشار تدافعون عن دينكم وعرضكم وعن أهلكم، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». مسند الإمام أحمد.
ويقول عليه صلوات ربي وسلامه في الحديث المتفق عليه: «الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله» رواه ابن ماجه وأبو داود وغيرهما.
ومعنى صاحب الهدم الذي انهدم عليه بناء، فكم من أبنية دمرها السفاح بشار ببراميل الموت المتفجرة؟! هدّم أحياء بأكملها فوق رؤوس ساكنيها، عشرات بل مئات البراميل تسقط يوميا على مدن سوريا ومن يقتل فقد انتهى أجله.
وقد بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة، أي بالجنة، فأي بشرى أعظم من هذه؟، وكل نفس ذائقة الموت ولكن ليس كل من يقتل يكون شهيداً.
وبشار ومن والاه وكل من يؤيده ولو بكلمة هم الظالمون. قال الله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم فإن أخذه لم يفلته».
وأنتم ترددون هتافكم اللهم إنا مغلوبون فانتصر. اصبروا وصابروا ورابطوا، ولا يهمكم من خذلكم، فالله ناصركم بإذن الله وهو القادر على أن يهيئ من ينصر دينه ويعلي كلمته ويقيم دولته، وليكن لكم في قصة خباب بن الأرت مع النبي صلى الله عليه وسلم عبرة وعظة حين قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
إن الله يحب الشهداء ويتخذ من عباده من يشاء شهيدا.
قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 140].
فلا تحزنوا على من انتهى أجله بل افرحوا أن منّ الله عليكم بالشهادة وبالدرجات العلى التي حباكم بها.
والله سبحانه وتعالى قادر على نصركم ولن يضيع تضحياتكم وصبركم وثباتكم وهو القادر على نصركم، وليس ذلك على الله بعزيز.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دعد الطويل – فلسطين