Take a fresh look at your lifestyle.

نظرة في أحداث ليبيا

 

منذ أن مُزقت الدولة الإسلامية إلى دويلات يتحكم فيها الغرب، وحتى يومنا هذا، ونحن نعاني من إثم العيش دون دولة الإسلام.

فها هي ليبيا (بلد مساحته تقارب المليونين كيلو متر مربع، وسكانه قليلون موزعون في أراضيه الشاسعة، الغنية بالثروات التي حباها الله له)، تعاني من صراع الغرب عليها، منذ أن جلسوا في قصورهم الفارهة في أوروبا وقسموا البلدان بينهم، فكانت ليبيا حصة إيطاليا، التي احتلتها وأكثرت فيها الفساد، ونهبت خيراتها، واستعبدت أهلها، فكان عاتق بداية التشرذم واقعاً على المسلمين الساكنين في ليبيا وقتها، فإيطاليا استوطنت ليبيا سنين عجافاً طوالاً، حتى أصبحت نسبة الإيطاليين فيها تقترب من نصف سكان ليبيا، فهم قد أدركوا ما في هذا البلد من خيرات كثيرة أنعمها عليه خالقه.

وما دعا إيطاليا لأن تطيل البقاء في ليبيا هو بساطة أهلها، وقربهم من الطبيعة، وبعدهم عن العنف. لكن الأمر لم يستمر على حاله كثيراً، فقد خرج من ليبيا رجال أبطال، أنعم الله عليهم بالوعي، فأرادوا إخراج المستعمر من أرضهم واستعادتها من أياديهم النجسة. فتحايلت إنجلترا وإيطاليا عليهم بطرق عديدة، ووسائل شتى، حتى اهتدتا إلى وضع حاكم عليهم تحت اسم الاستقلال الوهمي، فجيء بالملك إدريس، الذي كان خادما للغرب الكافر، فوطأ بأقدامه أعناق أهل ليبيا، وأفقرهم، ونهب أرضهم وثرواتهم الوفيرة ووضعها في جيوب أسياده.

لكن بعد أن ملّ الناس هذا الحاكم المتغطرس، جيء بعميل آخر، ألا وهو القذافي، الذي لم يكن أكثر من جندي مخلص لأسياده الغرب، وخاصة الإنجليز. فسعى بكل جهده لخدمة أسياده سنين طوالاً، ولم يُبقِ لأهل ليبيا هواء يتنفسونه، وعِلماً يتعلمونه، حيث جاء بشريعة غير شريعتهم، فأفسد عليهم عقولهم، وحياتهم، فلم يبقَ أحد منهم إلا وقد اكتوى بناره التي أحرقت البشر والشجر.

لكن بعدها كانت الثورة المباركة، التي استنهضت الهمم، وحركت العقول، وأثارت النفوس، ورفعت الوعي العام عند الشعوب التي تقنط تحت ظلم المستعمر وأدواته، فثار الشعب الليبي على زعيمهم القذافي، وأجمعوا كلهم على إسقاطه والتخلص منه ومن حاشيته وأعوانه.

إلا أن الغرب، وعلى رأسه الإنجليز، قد استنفر لما يُراد بعميلهم، وكعادته استخدم كل أدواته لحمايته، وجهّز خطة بديلة عنه في حال لم يستطع حمايته، فكانت الأيادي الخارجية ممتدة في الثورة ومرتبطة بها من أول يوم لها، ولم يكن الأمر خفياً. فقامت الحكومات الغربية بالمسارعة للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، كممثل شرعي وحيد، حتى تقطع الطرق أمام التدخل الخارجي في الثورة وتوجيهها إلى الطريق السليم والغاية الصحيحة. فنجح الثوار بمساعدة الغرب وطياراتهم التي كانت تصول وتجول في أجواء ليبيا في إسقاط النظام واستُبدل برجال الأمس رجالٌ هم من نسل النظام السابق الذي كان يحكمهم، بعد أن اطمأنوا إلى سير هذه الثورة بما لا يتعارض مع مصالحهم. فجيء بالوزير تلو الوزير، والبرلمان تلو البرلمان، حتى يستقر الحال على ما يتماشى مع مصلحة الغرب الكافر، لكن لم ينجح أيٌّ من ذلك لأسباب كثيرة، منها أن الثورة لم تشتعل بمحض الصدفة، بل بتراكمات سنوات كثيرة، وعمل المخلصين في الأمة لتبصيرهم وزيادة وعيهم على حقوقهم. ومنها كذلك أن الثورة ذاتها أزالت اللثام عن أوجه العملاء، فعلم أهل ليبيا من يخدم الغرب، ممن يخدم أمته، فكان الوقت كفيلاً لإيقاف المؤامرات، وعدم السماح بتنفيذ الخطط بالسهولة المرجوة، وبالشكل المُراد لها أن تكون عليه. ومنها أيضاً وضوح الصراع الغربي على أرض ليبيا، للسيطرة على خيرات أرضها، وعلى رأسها البترول، الذي يسيل لعاب الغرب وعلى رأسه أمريكا عليه.

فكان الأمر جلياً للعيان أن هناك أياديَ غربية تسرح وتمرح وتسعى لشراء الذمم وإيجاد العملاء وإعادتهم واستبدالهم في ليبيا، من بنغازي إلى طرابلس. فمن بنغازي التي يسكنها عدد كبير من أهل ليبيا، وقريبة من عملاء الأمريكان في السودان ومصر، إلى طرابلس، وكر الإنجليز ورجالهم. كانت ليبيا مسرح صراع إنجليزي أمريكي على النفوذ والخيرات، فالغرب حريص كل الحرص على سرقة خيرات البلاد ونهبها، فجشع الرأسمالية، وكنوز الأرض الوفيرة تجعلهم كذلك. وما فعلوه في ليبيا ليس سوى عينة مما يدور في البلاد التي ثارت على طغيان الحكام.

أما الآن في ليبيا فيتم الرهان على إيجاد النزاع المسلح الدائم على أرضها، وتحييد الكنوز عن النزاع، حتى تسير الأمور وفق المخطط. فاقتسام النفوذ ليس خياراً عند الغرب، ما جعلهم يستنفدون أدواتهم الرخيصة. وإن وجدت التربة المناسبة للاقتتال، والمال لدعم المقاتلين، فسوف يبقى الأمر على ما هو عليه حتى يهتدي الناس إلى أمر ربهم، ويعيدوا التفكير في الغاية والوجهة التي يجب أن يسيروا نحوها، والعدو الذي ينبغي عليهم التصدي له. عندها تتحول ليبيا من مسرح صراع بين أيادي الغرب للاستيلاء على الثروات، وصراع بين بعضنا البعض من أجل خططهم الاستعمارية، إلى صراع بين المسلمين المخلصين وجنود الغرب لطردهم. حينها نعود أمة تعلو ولا تعلُو عليها أية أمة، ونعيد سيرة الأبطال المجاهدين الأولى.


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محب الله – أمريكا

 

2015_02_18_Art_View_on_Libya_events_AR.pdf