كتاب إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ح41
فلسفة الاقتصاد في الإسلام
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: “فَلسفَةُ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (نِهَايَة صَفحَة 64) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
“وَمِنْ أجْلِ أنْ تَقُومَ الدَّولَةُ بِمَا أوجَبَهُ الشَّرعُ عَلَيهَا، جَعَلَ لَهَا سُلطَةَ جِبَايَةِ أموَالٍ مُعَيَّنَةٍ جِبَايَةً دَائِمِيَّةً كَالجِزيَةِ وَالخَرَاجِ، وَجَعَلَ أموَالَ الزَّكَاةِ فِي بَيتِ المَالِ، وَجَعَلَ لَهَا حَقُّ جِبَايَةِ مَا هُوَ فَرضٌ عَلَى جَمِيعِ المُسلِمِينَ كَإِصلاحِ الطُّرُقِ، وَبِنَاءِ المُستَشفَيَاتِ، وَإِطعَامِ الجَائِعِينَ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ. وَجَعَلَ المِلْكِيَّةَ العَامَّةَ تَحتَ إِدَارَتِهَا تَتَوَلاهَا هِيَ، وَمَنعَ الأفرَادَ مِنْ أنْ يَتَوَلَّوهَا، وَمَنَعَهَا مِنْ أنْ تُمَلِّكَهُمْ إِيَّاهَا أو تُعْطِيَهُمْ إِدَارَتَهَا؛ لأَنَّ الوِلايَةَ العَامَّةَ هِيَ لِوَلِيِّ الأمْرِ، وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ أنْ يَقُومَ بِهَا إلاَّ بِتَوَلِّيةِ مِنْ وَلِي الأَمرِ.
وَهَذِهِ المِلكِيَّةُ العَامَّةُ مِنْ بِترُولٍ وَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ أموَالٌ لا بُدَّ مِنَ استِغلالِهَا وَتَنمِيَتِهَا؛ لِتَحقِيقِ التَّقَدُّمِ الاقتِصَادِيِّ لِلأُمَّةِ، لأَنَّ هَذِهِ الأموَالُ لِلأُمَّةِ، وَالدَّولَةُ تَتَوَلاهَا لِتَنمِيَتِهَا وَإِدَارَتِهَا. فَإِذَا قَامَتِ الدَّولَةُ بِتَوفِيرِ الأموَالِ، وَنَهَضَتْ بِأعبَاءِ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، وَقَامَ كُلُّ فَردٍ بِكَسْبِ المَالِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الرِّزقِ، فَقَدْ تَوَفَّرَتِ الثَّروَةُ الَّتِي تَكفِي لإِشبَاعِ جَمِيعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ إِشبَاعًا كُلِّيًا، وَإِشبَاعِ الحَاجَاتِ الكَمَالِيَّةِ.
إِلاَّ أنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ الاقتِصَادِيَّ بِالحَثِّ عَلَى كَسْبِ المَالِ مِنْ كُلِّ فَردٍ، وَجَعلَ أموَالٍ لِلدَّولَةِ، وَإِنمَاءِ المِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ أجْلِ استِخدَامِ المَالِ وَسَيِلَةً لإشبَاعِ الحَاجَاتِ، وَلَيسَ لِذَاتِ المَالِ، وَلا لِلتَّفَاخُرِ بِهِ، وَلا لإِنفَاقِهِ عَلَى المَعَاصِي، أو لِلبَطَرِ وَالتَّجَبُّرِ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنيَا حَلالاً استِعْفَافًا عَنِ المَسألَةِ، وَسَعيًا عَلَى أهلِهِ، وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ، جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وَجْهُهُ كَالقَمَرِ لَيلَةَ البَدْرِ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنيَا حَلالاً، مُفَاخِرًا، مُكَاثِرًا، مُرَائِيًا، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيهِ غَضبَانَ» وَرَدَ فِي مُصَنَّفِ ابنِ أبِي شَيبَةَ مِنْ طَرِيقِ أبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَوَى مُسلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُطَرِّفٍ عَنْ أبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلِّمَ أنَّهُ قَالَ: «….. وَهَلْ لَكَ يَا ابنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفنَيتَ، أو لَبِسْتَ فَأبلَيتَ، أو تَصَدَّقْتَ فَأمضَيتَ» وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ).
وَلَيسَ جَعْلُ القَصدِ مِنْ كَسْبِ المَالِ أنْ يَكُونَ وَسِيلَةً لإِشبَاعِ الحَاجَاتِ، لا لِلتَّفَاخُرِ هُوَ الَّذِي طَلَبَهُ الإِسلامُ فَقَط، بَلْ جَعَلَ الإِسلامُ تَسيِيرَ الاقتِصَادِ كُلِّهِ بِأوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ أمرًا حَتمِيًّا. وَأمَرَ المُسلِمَ أنْ يَبتَغِيَ فِيمَا يِكْسِبُهُ الحَيَاةَ الأُخرَى، وَلا يَنسَى نَصِيبَهُ مِنَ الدُّنيَا قَالَ تَعَالَى: (وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ).
وَلِذَلِكَ جَعَلَ فَلسَفَةَ الاقتِصَادِ تَسْيِيرَ الأعمَالِ الاقتِصَادِيَّةِ بِأوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ بِنَاءً عَلَى إِدرَاكِ الصِّلَةِ بِاللهِ. أي جَعَلَ الفِكْرَةَ الَّتِي بُنِيَ عَلَيهَا تَدبِيرُ أُمُورِ المُسلِمِ فِي المُجتَمَعِ فِي الحَيَاةِ هِيَ جَعْلُ الأعْمَالِ الاقتِصَادِيَّةِ حَسْبَ مَا تَتَطَلَّبُهُ الأحكَامُ الشَّرعِيَّةُ بِاعتِبَارِهَا دِينًا، وَجَعَلَ تَدبِيرَ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ مِمَّنْ يَحمِلُونَ التَّابِعِيَّةَ، وَأعمَالَهُمُ الاقتِصَادِيَّةَ، مُقَيَّدَةً بِالأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ بِاعتِبَارِهَا تَشرِيعًا، فَيُبِيحُ لَهُمْ مَا أبَاحَهُ الإِسلامُ وَيُقَيِّدُهُمْ بِمَا قَيَّدَهُمْ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ).
وَقَدْ ضَمِنَ تَقَيُّدَ المُسلِمِينَ وَالنَّاسِ بِهَذِهِ الأَحكَامِ بِالتَّوجِيهِ الَّذِي يَجعَلُ المُسلِمَ يُنَفِّذُ هَذِهِ السِّيَاسَةَ بِدَافِعِ تَقوَى اللهِ، وَالتَّشرِيعِ الَّذِي تُنَفِّذُهُ الدَّولَةُ عَلَى النَّاسِ. قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ). إِلَى أنْ يَقُولَ: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا). فَهُوَ إِذَنْ بَيَّنَ الكَيفِيَّةَ الَّتِي تُنَفَّذُ بِهَا هَذِهِ الأحْكَامُ، وَبَيَّنَ الكَيفِيَّةَ الَّتِي تَضمَنُ تَقَيُّدَهُمْ بِهَذِهِ الأَحكَامِ. وَهَكَذَا يُشَاهَدُ أنَّ سِيَاسَةَ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ مَبنِيَّةٌ عَلَى أسَاسِ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ لِكُلِّ فَردٍ، بِاعتِبَارِهِ إِنسَانًا يَعِيشُ فِي مُجتَمَعٍ مُعَيَّنٍ، وَعَلَى كَسْبِ الثَّروَةِ لِتَوفِيرِ مَا يُشبِعُ الحَاجَاتِ. وَقَائِمَةٌ عَلَى فِكْرَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ تَسيِيرُ الأعْمَالِ بِالأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ وَمُنَفَّذَةٌ مِنْ كُلِّ فَردٍ بِدَافِعِ تَقوَى اللهِ، وَبِالتَّنفِيذِ مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ، بِالتَّوجِيهِ وَبِالتَّشرِيعِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. حتَّى تَقُومَ الدَّولَةُ بِمَا أوجَبَهُ اللهُ عَلَيهَا مِنْ رعَايَةِ الشُّؤُونِ الاقتِصَادِيَّةِ جَعَلَ لَهَا الأُمُورَ الآتِيَةَ:
أ- جَعَلَ لَهَا سُلطَةَ جِبَايَةِ أموَالٍ مُعَيَّنَةٍ جِبَايَةً دَائِمِيَّةً كَالجِزيَةِ وَالخَرَاجِ.
ب- وَجَعَلَ أموَالَ الزَّكَاةِ فِي بَيتِ المَالِ, تَتَوَلَّى الدَّولَةُ تَوزِيعَهَا عَلَى الأصنَافِ الثَّمَانِيَةِ المَعْرُوفَةِ.
ت- وَجَعَلَ لَهَا حَقُّ جِبَايَةِ مَا هُوَ فَرضٌ عَلَى جَمِيعِ المُسلِمِينَ كَإِصلاحِ الطُّرُقِ وَبِنَاءِ المُستَشفَيَاتِ.
ث- وَجَعَلَ المِلْكِيَّةَ العَامَّةَ تَحتَ إِدَارَةِ الدَّولَةِ تَتَوَلاهَا بِنَفسِهَا.
2. وَحتَّى تَقُومَ الدَّولَةُ بِمَا أوجَبَهُ اللهُ عَلَيهَا مِنَ رعَايَةِ الشُّؤُونِ الاقتِصَادِيَّةِ مَنَعَ الأمرَينِ الآتِيَينِ:
أ- مَنعَ الأفرَادَ مِنْ أنْ يَتَوَلَّوا المِلْكِيَّةَ العَامَّةَ.
ب- وَمَنَعَهَا مِنْ أنْ تُمَلِّكَهُمْ المِلْكِيَّةَ العَامَّةَ أو تُعْطِيَهُمْ إِدَارَتَهَا.
3. وَحتَّى تَوَفِّرَ الدَّولَةُ الثَّروَةَ الَّتِي تَكفِي لإِشبَاعِ جَمِيعِ الحَاجَاتِ الأسَاسِيَّةِ والكَمَالِيَّةِ إِشبَاعًا كُلِّيًا لا بُدَّ مِنَ الأُمُورِ الثَّلاثَةِ الآتِيَةِ:
أ- أنْ تَتَوَلَّى الدَّولَةُ إِدَارَةَ أموَالِ المِلكِيَّةِ العَامَّةِ وَتَنمِيَتِهَا وَاستِغلالَهَا لِتَحقِيقِ تَّقَدُّمِ الأُمَّةِ الاقتِصَادِيِّ.
ب- أن تَقُومَ الدَّولَةُ بِتَوفِيرِ الأموَالِ، وَتَنهَضَ بِأعبَاءِ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ.
ت- أن يَقُومَ كُلُّ فَردٍ بِكَسْبِ المَالِ، وَالسَّعْيِ إِلَى الرِّزقِ.
4. التَّقَدُّمُ الاقتِصَادِيُّ طَلَبَهُ الإِسلامُ مِنْ أجْلِ استِخدَامِ المَالِ وَسَيِلَةً لإشبَاعِ الحَاجَاتِ، وَلَيسَ لِذَاتِ المَالِ، وَلا لِلتَّفَاخُرِ بِهِ، وَلا لإِنفَاقِهِ عَلَى المَعَاصِي، أو لِلبَطَرِ وَالتَّجَبُّرِ.
5. فَلسَفَةُ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ: هِيَ الفِكْرَةُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيهَا تَدبِيرُ أُمُورِ المُسلِمِ فِي المُجتَمَعِ فِي الحَيَاةِ.
6. فَلسَفَةُ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ: هِيَ جَعْلُ الأعْمَالِ الاقتِصَادِيَّةِ حَسْبَ مَا تَتَطَلَّبُهُ الأحكَامُ الشَّرعِيَّةُ بِاعتِبَارِهَا دِينًا. وَتَتَمَثَّلُ فِي الأُمُورِ الثَّلاثَةِ الآتِيَةِ:
أ- جَعَلَ الإِسلامُ تَسيِيرَ الاقتِصَادِ كُلِّهِ بِأوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ أمرًا حَتمِيًّا بِنَاءً عَلَى إِدرَاكِ الصِّلَةِ بِاللهِ.
ب- أمَرَ المُسلِمَ أنْ يَبتَغِيَ الحَيَاةَ الآخِرَةَ فِي كُلِّ مَا آتَاهُ اللهُ, وَفِي كُلِّ مَا يَكْسِبُهُ، وَذَكَّرَهُ بِألاَّ يَنسَى نَصِيبَهُ مِنَ الدُّنيَا.
ت- جَعَلَ تَدبِيرَ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ مِمَّنْ يَحمِلُونَ التَّابِعِيَّةَ وَأعمَالَهُمُ الاقتِصَادِيَّةَ، مُقَيَّدَةً بِالأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، فَيُبِيحُ لَهُمْ مَا أبَاحَهُ الإِسلامُ وَيُقَيِّدُهُمْ بِمَا قَيَّدَهُمْ بِهِ.
7. سِيَاسَةُ الاقتِصَادِ فِي الإِسلامِ تَتَمَيَّزُ بِالأُمُورِ الثَّلاثَةِ الآتِيَةِ وَهِيَ كَونُهَا:
أ- مَبنِيَّةً عَلَى أسَاسِ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ لِكُلِّ فَردٍ، بِاعتِبَارِهِ إِنسَانًا يَعِيشُ فِي مُجتَمَعٍ مُعَيَّنٍ. وَعَلَى كَسْبِ الثَّروَةِ لِتَوفِيرِ مَا يُشبِعُ الحَاجَاتِ.
ب- وَقَائِمَةً عَلَى فِكْرَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ تَسيِيرُ الأعْمَالِ بِالأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
ت- وَمُنَفَّذَةً مِنْ كُلِّ فَردٍ بِدَافِعِ تَقوَى اللهِ، وَبِالتَّنفِيذِ مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ، بِالتَّوجِيهِ وَبِالتَّشرِيعِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.