العراق بعد عام 2003م
عام 2003 تاريخ يعد نقطة تحول للعراق بين مرحلة سيطرة سياسية بريطانية إلى سيطرة أميركية، ضاربة أمريكا بذلك مصالح بريطانيا في العراق بإزالة حزب البعث وصدام حسين لتجعله بيدها، عاملة على تمكين عملائها فيه، رغم أنها اشترت الكثير من الضباط ورؤساء العشائر آنذاك إلا أنها لم تستطع أن تمسك بكل زمام اﻷمور في العراق، فقد هبت مقاومة عنيفة في عموم أرجاء العراق آنذاك سنة وشيعة، ولكن تمركزت المقاومة في المناطق السنية أكثر من بعد ما قامت جماعات شيعية بصد من قاوم الاحتلال اﻷميركي من الشيعة كجماعة الخالصي والحسني.
وفي مرحلة ما بين 2007 و2009 تشكلت مجالس صحوات ترأسها أبو ريشة من اﻷنبار وتبعتها صلاح الدين بقيادة ملا ناظم الجبوري المنشق عن تنظيم الدولة اﻹسلامية في العراق آنذاك، فتمكنت هذه الصحوات من شل حركة المقاومة ضد الاحتلال اﻷمريكي وخفت حدتها حتى عام 2011 إذ خرجت القوات اﻷمريكية من العراق كتواجد عسكري متوزع بين قرى ومدن العراق ولكنها سياسيا ظلت ممسكة بقيادة المنطقة الخضراء ودفعت بالعملية السياسية دفعا رغم تعثرها المستمر في احتواء اﻷزمات وإيجاد الشخصيات الموالية لها في جسد الدولة غير متكامل الولاء لها؛ فهناك شخصيات بريطانية الولاء كحيدر العبادي وإياد علاوي وغيرهما ولم تكن كل الشخصيات السياسية في جسد الحكومة هذه ولاؤهم أميركي، رغم ذلك فقد استطاعت أميركا احتواءهم ومنع إياد علاوي الذي كانت أنظار بعض السنة إليه متطلعة أن يقودها رغم أنه شيعي إلا أنه يملك نفس ولائهم البريطاني، وحيدت وجوده في الحكومة رغم حصول كتلته على النسبة اﻷكبر من اﻷصوات في انتخابات عام 2010م ولكن بالتفاف أميركي جعلت الكفة تميل إلى نوري المالكي الذي ساق البلاد بعد ذلك إلى احتقان طائفي هجر به المكون السني من المناطق الجنوبية وبغداد، جاعلا منهم شريحة لها وجودها في شمال العراق حيث المناطق السنية.
وفي عام 2011 حيث هبت رياح الربيع العربي في الشرق الأوسط وصلت إلى العراق ولكنها وصلت مسيسة مدفوعة من قبل أوروبا وبريطانيا، فهذه شيوخ عشائر اﻷنبار وسامراء وتكريت كانت تعمل على التواصل مع أوروبا علها تحصل على دعم منها، ولأن أوروبا لا تملك الميزانية القادرة على دعم هذه الاعتصامات ماديا إلا أن تمويلا خليجيا ساعد هذه الاعتصامات ومن كان يسير في ركابها من فصائل مسلحة في تسليحها لانطلاق ثورة عشائرية مسلحة من اﻷنبار والموصل فصلاح الدين، ولما جاءت ساعة الصفر التي انطلقت من الموصل، ولو أن انطلاقة تنظيم الدولة اﻹسلامية سبقه في اﻷنبار منذ بداية عام 2014، إلا أن اﻹعلام لم يصوره تحركا واسعا بل كان يعتم عليه مسوقا له أنه حصار للتنظيم متمركز في الفلوجة وشيئا من أطرافها إلا أن اﻷمر لم يكن كذلك بل هو سيطرة التنظيم على معظم أراضي اﻷنبار ولكن لم يعلن عنه، وأما ساعة الصفر التي اتفق عليها ثوار العشائر من فصائل مقاومة كالجيش اﻹسلامي والنقشبندية مع التنظيم، وقاموا بالانطلاق بالثورة في نهار السابع من حزيران للسيطرة على محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار.
ولكن وفي مرحلة حرجة إذ وصل الثوار إلى أطراف بغداد رفع التنظيم يده عن الثورة والثوار لينفرد هو بقيادتها وإجبار باقي التنظيمات على الانضواء تحت سيطرته، فقد أبرم اتفاقا مع هذه الفصائل على أن يكون علم التنظيم واجهة للثوار، والقيادة عمليا لعزت الدوري، وأن تسمى الثورة بثورة العشائر، فوافق بادئ ذي بدء على هذا وذاك في اجتماع عقدوه في قرية العيثة من قضاء الشرقاط في محافظة صلاح الدين حيث يتواجد التنظيم في هذه القرية وله في صحرائها معسكر للتدريب.
وبعد هذا الاتفاق انقلب التنظيم على عزت الدوري ونقض العهد الذي بينهم في وقت حرج، كما وقتل قائد الجيش اﻹسلامي في الفلوجة معلنا انفراده بقيادة الثورة، وأعلن بعد ذلك الخلافة من مدينة الموصل بإمارة إبراهيم البدري أبي بكر البغدادي.
بانقلاب التنظيم على باقي الفصائل التي كانت تعمل عسكريا في مقاومة الاحتلال اﻷميركي وسياسيا في ساحات الاعتصام، قام التنظيم بانقلابه هذا بالحد من تحرك هذه الفصائل مما أدى إلى تعثر تقدمهم إلى بغداد جاعلا أعمالهم متوقفة في حزام بغداد متسببا بخسائر كبيرة في أفراد هذه الفصائل، وقام بعرقلة مشروعهم المدعوم أوروبيا الرامي للحصول على شيء من بغداد على أقل تقدير.
كما قام التنظيم بضرب الأكراد وطموحهم للاستقلال بدولة كردستانية إذ حرك التنظيم أفراده إلى أربيل حيث ضرب على مدخلها محاولا الدخول إليها، ولما أدرك البرزاني خطورة الموقف أعاد دبلوماسييه إلى بغداد بعد سحبهم من البرلمان ورضخ للمظلة اﻷمريكية مقابل صفقة عقدها مع بغداد بإشراف أميركي.
ثم قام التنظيم باﻻلتفاف على عشائر اﻷنبار عاملا في إحداهن مجزرة عظيمة مما اضطر باقي العشائر للرضوخ للمطالب اﻷميركية، وفعلا بعد أن كانت قبلتهم بريطانيا وجهوا وجوههم قبل البيت اﻷبيض طالبين تسليحهم لمواجهة التنظيم.
هذا أبرز ما حصل في العراق بعد عام 2003 من أحداث وتداعيتها.
أسأل الله أن يعجل لنا بفرجه ونصره بدولة الخلافة على منهاج النبوة لتضرب بمخططات الغرب وكيدهم عرض الحائط محبطة كل مؤامرة تحاك ضد اﻷمة اﻹسلامية اللهم آمين. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وائل السلطان – العراق