Take a fresh look at your lifestyle.

كتاب إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي ح48 من العمل:الصيد, والسمسرة والدلالة

 

 

 

كتاب إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي   ح48

 

  من العمل:الصيد, والسمسرة والدلالة

 

 

 

الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, ‏المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ ‏الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ‏يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ. ‏

 

 

أيها المؤمنون: ‏

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ ‏النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا: “مِنَ العَمَلِ الصَّيدُ وَالسَّمسَرَةُ وَالدَّلالَةُ”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا ‏جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 80) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ ‏النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:‏

‏”صَيدُ السَّمَكِ وَالَّلآلِئ وَالمَرجَانِ وَالإِسفَنجِ وَمَا إِلَيهَا مِنْ صَيدِ البَحْرِ يَملِكُهَا مَنْ يَصِيدُهَا، كَمَا هُوَ ‏الحَالُ فِي صَيدِ الطَّيرِ وَالحَيوَانِ، وَمَا إِلَيهَا مِنْ صَيدِ البَرِّ فَإِنَّهَا مِلْكٌ لِمَنْ يَصِيدُهَا كَذَلِكَ. قَالَ تَعَالَى: (أُحِلَّ لَكُمْ ‏صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا). وَقَالَ: (وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا) ‏وَقَالَ: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ‏فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ).‏

وَرَوَى أبُو ثَعلَبَةَ الخُشَنِّيُ قَالَ: «أتَيتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ, إِنَّا بِأرْضِ ‏صَيدٍ، أصِيدُ بِقَوسِي، وَأصِيدُ بِكَلْبِي المُعَلَّمِ، وَأصِيدُ بِكَلْبِي الَّذِي لَيسَ بِمُعَلَّمٍ، فَأخْبِرْنِي مَاذَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: أمَّا ‏مَا ذَكَرْتَ إِنَّكُم بِأرضِ صَيدٍ فَمَا صِدْتَ بِقَوسِكَ وَذَكَرْتَ اسمَ اللهِ عَلَيهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ المُعَلَّمِ وَذَكَرْتَ ‏اسمَ اللهِ عَلَيهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيسَ بِمُعَلَّمٍ فَأدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابنُ مَاجَه. ‏

 

رابعًا: السمسرة والدلالة:‏

السِّمْسَارُ اسمٌ لِمَنْ يَعمَلُ لِلغَيرِ بِالأجْرِ، بَيعًا وَشِرَاءً، وَهُوَ يَصدُقُ أيضًا عَلَى الدَّلالِ فَإِنَّهُ يَعمَلُ لِلغَيرِ ‏بِالأجْرِ بَيعًا وَشِراءً. وَالسَّمسَرَةُ نَوعٌ مِنْ أنوَاعِ الأعْمَالِ الَّتِي يُملَكُ بهَا المَالُ شَرعًا. فَقَدْ رَوَى أبُو دَاوُدَ عَن قَيسِ بنِ ‏أبِي غَرْزَةَ الكِنَانِيِّ قَالَ: كٌنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نُسمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى ‏اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسمٍ هُوَ أحسَنُ مِنهُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ البَيعَ يَحضُرُهُ اللَّغْوُ وَالحَلْفُ فَشُوبُوهُ ‏بِالصَّدَقَةِ». وَمَعنَاهُ أنَّهُ يُبَالِغُ فِي وَصْفِ سِلعَتِهِ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِمَا هُوَ لَغْوٌ، وَقَد يُجَازِفُ فِي الحَلْفِ لِتَروِيجِ سِلعَتِهِ، ‏فيُنْدَبُ إِلَى الصَّدَقَةِ لِيَمْحُوَ أثَرَ ذَلِكَ. وَلا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ العَمَلُ الَّذِي استُؤْجِرَ عَلَيهِ لِلبَيعِ وَالشِّرَاءِ مَعْلُومًا، إِمَّا ‏بِالسِّلْعَةِ وَإِمَّا بِالمُدَّةِ. فَإِذَا استَأجَرَهُ لِيَبيعٍ لَهُ، أو لِيَشتَرِيَ لَهُ الدَّارَ الفُلانِيِّةَ، أوِ المَتَاعَ الفُلانِيَّ صَحَّ، وَكَذَلِكَ إِذَا ‏استَأجَرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ، أو لِيَشتَرِيَ لَهُ يَومًا إِلَى اللَّيلِ صَحَّ، وَأَمَّا إِذَا استَأجَرَه لِعَمَلٍ مَجْهُولٍ فَهُوَ فَاسِدٌ. وَلَيسَ مِنَ ‏السَّمْسَرَةِ مَا يَفعَلُهُ بَعضُ الأُجَرَاءِ، وَهُوَ أنْ يُرْسِلَ التَّاجِرُ رَسُولاً عَنهُ لِيَشتَرِيَ لَهُ بِضَاعَةً مِنْ آخَرَ، فَيُعطِيهِ الآخَرُ ‏مَالاً مُقَابِلَ شِرَائِهِ مِنْ عِندِهِ فَلا يَحسِبُهَا مِنَ الثَّمَنِ بَلْ يَأخُذُهَا لَهُ بِاعتِبَارِهَا سَمْسَرَةً مِنَ التَّاجِرِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى ‏عِندَهُمُ القُومِسيُونَ. فَهَذَا لا يُعتَبَرُ سَمْسَرَةً، لأنَّ الشَّخْصَ وَكِيلٌ عَنِ التَّاجِرِ الَّذِي يَشتَرِي لَهُ، فَمَا يَنقُصُ ‏مِنَ الثَّمَنِ هُوَ لِلمُشتَرِي، وَلَيسَ لِلرَّسُولِ. وَلِذَلِكَ يَحرُمُ عَلَيهِ أخْذُهُ، بَلْ هُوَ لِلمُرسِلِ الَّذِي أرْسَلَهُ إِلاَّ أنْ يُسَامِحَ بِهِ ‏المُرسِلُ فَيَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَو أرْسَلَ خَادِمَهُ أوْ صَدِيقَهُ لِيَشتَرِيَ لَهُ شَيئاً، وَأعطَاُه البَائِع مَالاً، أي قُومُسيُونًا مُقَابِلَ ‏شِرَائِهِ مِنْ عِندِهِ، فَإِنَّه لا يَجُوزُ لَهُ أخْذُهُ لأَنَّهُ لَيسَ سَمْسَرَةً، وَإِنَّمَا هُوَ سَرِقَةٌ مِنْ مَالِ الشَّخْصِ المُرْسِلِ، إِذْ هُوَ ‏لِلمُرسِلِ، وَلَيسَ لِلرَّسُولِ المُشتَرِي عَنِ المُرسِلِ.‏

 

ونَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَ هُوَ جَنَّتَهُ: تَحضُرُنِي فِي هَذَا المَقَامِ حَادِثَةٌ كَمْ هِيَ مُؤسِفَةٌ ‏ومُؤلِمَةٌ!! عِشْتُهَا وَاقِعًا مَحْسُوسًا, بَلْ كُنتُ أحَدَ ضَحَايَاهَا, وَقَدْ وَصَفْتُهَا بِأنَّهَا مُؤسِفَةٌ وَمُؤلِمَةٌ؛ لأنَّهَا وَقَعَتْ مِنْ ‏أُنَاسٍ مُعَلِّمِينَ وَمُرَبِّينَ, يَنبَغِي أنْ لا تَقَعَ مِنهُمْ؛ لأَنَّهُمْ فِي الأُمَّةِ مَحَلُّ تَأَسٍّ وَاقتِدَاءٍ, حَيثُ خُدِعْتُ كَمَا خُدِعَ مَنْ ‏سَبَقَنِي, فَكُنَّا فَرِيسَةً سَهْلَةً لِطَمَعِ شَخْصٍ مِنْ ذَوِي العُقُولِ المَرِيضَةِ, وَأصْحَابِ النُّفُوسِ الضَّعِيفَةِ, الَّذِينَ لا ‏يَصمِدُونَ أمَامَ إِغرَاءِ المَالِ, لَقَدْ لَقَّنهُ اللهُ دَرسًا قَاسِيًا لَكِنَّهُ لَمْ يَستَوعِبْهُ, وَلَمْ يَتَّعِظ بِمَا ابتَلاهُ اللهُ بِهِ, فَقَد رَزَقَهُ ابنَةً ‏شَلَّاءَ لا تَتَحَرَّكُ, بَلْ تَبقَى سَاكِنَةً عَلَى حَالِهَا الَّذي كَانَ يَضَعُهَا عَلَيهِ, لا فَرقَ بَينَهَا وَبَينَ الوِسَادَةِ غَيرُ وُجُودِ ‏الرُّوحِ, وَنَبضِ القَلْبِ, وَخُرُوجِ النَّفَسِ!! وَلكِنَّنَا لَمَّا عَلِمْنَا أنَّ لَهُ زَوجَةً مُعَلِّمَةً صَابِرَةً مُحتَسِبَةً يَضرِبُهَا وَيَشتُمُهَا, ‏وَيَأخُذُ رَاتِبَهَا الَّذِي لا تَدرِي كَمْ هُوَ, فَأجْبَرَهَا وَأكْرَهَهَا عَلَى عَمَلِ تَوكِيلٍ لَهُ بِقَبضِهِ رَغمًا عَنهَا, وَهُوَ يَعْلَمُ قَولَ ‏النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: «لا يَحِلُّ مَالُ امرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنهُ». ‏

 

لَمَّا عَلِمْنَا ذَلِكَ لَمْ نَستَغْرِبْ مَا بَدَرَ مِنهُ تِجَاهَنَا! جَلَسْتُ إِزَاءَهُ فِي المَسجِدِ ذَاتَ مَرَّةٍ لِنَتلُوَ القُرآنَ فِي شَهْرِ ‏رَمَضَانَ! وَفَجْأةً صَارَ يُفَكِّرُ بِصَوتٍ مَسمُوعٍ وَيَتَسَاءَلُ قَائِلاً: هَلْ هَذَا مَعقُولٌ أمْ غَيرُ مَعقُولٍ؟ وَيُكَرِّرُ كَلِمَةَ ‏مَعقُولٍ: تَارَةً يُثبِتُهَا وَتَارَةً أُخْرَى يَنفِيهَا, وَلَفَتَ سُؤَالُهُ انتِبَاهِي, فَقُلْتُ: مَا هُوَ المَعقُولُ وَغَيرُ المَعقُولِ؟ وَإِذَا بِهِ ‏يُحَاوِلُ أنْ يُوجِدَ مُبَرِّرًا لِتَصَرُّفَاتِهِ, وَيَستَدِلَّ عَلَيهَا بِآيَةٍ مِنَ القُرآنِ, فَقَالَ لِي انظُرْ لِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَ‌ةً عَن تَرَ‌اضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ ‏كَانَ بِكُمْ رَ‌حِيمًا).(النساء 29) قُلْتُ لَهُ: مَاذَا فَهِمْتَ مِنهَا؟ قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ أكْلَ المَالِ بِالبَاطِلِ ‏جَائِزٌ بِشَرطَينِ: أنْ يَكُونَ المَالُ مَالَ تجَارَةٍ, وَأنْ يَكُونَ عَنْ تَراضٍ بَينَ الطَّرَفَينِ! وَيَا لَهُ مِنْ فَهْمٍ عَجِيبٍ وَغَرِيبٍ, ‏بَل وَفَرِيدٍ مِنْ نَوعِهِ!! قُلتُ لَهُ: هَلْ تَدَبَّرْت مَا قَبلَهَا وَمَا بَعدَهَا؟ يَقُولُ المُفَسِّرُونَ: الاستِثنَاءُ مُنقَطِعٌ فِي هَذِهِ الآيَةِ ‏الكَرِيمَةِ, فَمَا قَبلَ “إِلَّا” لا دَخْلَ لَهُ بِمَا بَعدَهَا. فَأكْلُ المَالِ بِالبَاطِل مُحَرَّمٌ شَرعًا قَولاً وَاحِدًا, وَلِلمُبَالَغَةِ فِي التَّحرِيمِ ‏نَجِدُ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ قَرَنَهُ بِقَتْلِ المَرءِ نَفسَهُ, فَمَنْ أكَلَ مَالاً بِالبَاطِلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَمْن قَتَلَ نَفسَهُ, ثُمَّ انظُرِ التَّهدِيدَ ‏وَالوَعِيدَ الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارً‌ا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ ‏يَسِيرً‌ا). لَقَد كُنَّا فِي دِيَارِ الغُربَةِ فِي إِحدَى دُوَلِ الخَلِيجِ نَسعَى لِطَلَبِ الرِّزقِ, حَيثُ تَمَّتْ إِعَارَتُنا لِتَدرِيسِ الطَّلابِ ‏هُنَاكَ, وَكَانَ الأستَاذُ السِّمْسَارُ قَدْ سَبَقَنَا إِلَى تِلْكَ المِنطَقَةِ بِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ, وَلِذَلِكَ فَهُوَ أعرَفُ مِنَّا بِتُجَّارِهَا, وَمَا ‏إِنْ يَصِلُ أستَاذٌ جَدِيدٌ, حَتَّى يُهرَعَ السِّمْسَارُ إِلَى استِقبَالِهِ, وَيُبَالِغُ فِي إِكرَامِهِ وَالتَّرحِيبِ بِهِ بِأجْمَلِ العِبَارَاتِ ‏وَأحلَى الكَلامِ,مُستَشهِدًا بِبَعضِ الآيَاتِ وَالأحَادِيثِ؛ مِمَّا يُظهِرُهُ بِأنَّهُ مُتَسَربِلٌ بِلِبَاسِ التَّقْوَى, وَيَضَعَ نَفسَهُ ‏وَسَيَّارَتَهُ تَحْتَ تَصَرُّفِ ضَحِيَّتِهِ, وَيَظْهَرُ كَأنَّهُ حَرِيصٌ عَلَيهِ وَمُتَفَانٍ فِي خِدْمَتِةِ, حَتَّى يَطمَئِنَّ الأُستَاذُ وَيَنخَدِعَ بِهِ ‏فَيَأمَنَهُ عَلَى مَالِهِ, إِلَى أنْ يَأتِي اليَومُ المَوعُودُ الَّذِي يَقبِضُ فِيهِ الأُستَاذُ الجَدِيدُ المَبلَغَ الضَّخْمَ نِسبِيًّا, ذَلِكَ المَبلَغَ ‏الَّذِي تُعطِيهِ الحُكُومَةُ إِيَّاهُ لِشِرَاءِ أثَاثٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ الَّذِينَ يَنتَظِرُ قُدُومَهُمْ, وَيَكُونُ السِّمْسَارُ قَدْ نَسَّقَ مَعَ تُجَّارِ ‏الأثَاثِ عَلَى نِسبَةٍ مَعلُومَةٍ وَمَبلَغٍ مَعْلُومٍ يَأخُذُهُ خِلْسَةً وَسَرِقَةً دُونَ عِلْمِ الأُستَاذِ المَخدُوعِ! ‏

 

 

وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:‏

 

‏1.‏ صَيدُ السَّمَكِ وَالَّلآلِئ وَالمَرجَانِ وَالإِسفَنجِ مِنْ صَيدِ البَحْرِ يَملِكُهَا مَنْ يَصِيدُهَا.‏

‏2.‏ صَيدِ الطَّيرِ وَالحَيوَانِ، مِنْ صَيدِ البَرِّ مِلْكٌ لِمَنْ يَصِيدُهَا.‏

‏3.‏ السِّمْسَارُ وَالدَّلالُ اسمَانِ لِمَنْ يَعمَلُ لِلغَيرِ بِالأجْرِ، بَيعًا وَشِرَاءً.‏

‏4.‏ لا بُدَّ مِنْ أنْ يَكُونَ العَمَلُ الَّذِي استُؤْجِرَ عَلَيهِ لِلبَيعِ وَالشِّرَاءِ مَعْلُومًا، إِمَّا بِالسِّلْعَةِ وَإِمَّا بِالمُدَّةِ.‏

‏5.‏ القُومِسيُونُ لَيسَ مِنَ السَّمْسَرَةِ, وَهُوَ أنْ يُرْسِلَ التَّاجِرُ رَسُولاً لِيَشتَرِيَ لَهُ بِضَاعَةً مِنْ آخَرَ، فَيُعْطِيهِ الآخَرُ مَالاً ‏مُقَابِلَ شِرَائِهِ مِنْ عِندِهِ فَلا يَحسِبُهَا مِنَ الثَّمَنِ, وَيَأخُذُهَا عَلَى أنَّهَا سَمْسَرَةٌ مِنَ التَّاجِرِ.‏

‏6.‏ مَا يَنقُصُ مِنَ الثَّمَنِ هُوَ لِلمُشتَرِي وَلَيسَ لِلرَّسُولِ. وَيَحرُمُ عَلَى السِّمْسَارِ أخْذُهُ، إِلاَّ أنْ يُسَامِحَ بِهِ المُرسِلُ ‏فَيَجُوزُ.‏

‏7.‏ لَو أرْسَلَ رَجُلٌ خَادِمَهُ أوْ صَدِيقَهُ لِيَشتَرِيَ لَهُ شَيئاً، وَأعطَاُه البَائِع مَالاً، أي قُومُسيُونًا مُقَابِلَ شِرَائِهِ مِنْ عِندِهِ، ‏فَإِنَّه لا يَجُوزُ لَهُ أخْذُهُ لأَنَّهُ لَيسَ سَمْسَرَةً، وَإِنَّمَا هُوَ سَرِقَةٌ مِنْ مَالِ الشَّخْصِ المُرْسِلِ.‏

 

أيها المؤمنون: ‏

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, ‏فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن ‏يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في ‏القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ.

نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ ‏استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.‏