إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
من العمل المساقاة, وإجارة الأجير (ح 50)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: “مِنَ العَمَلِ المُسَاقَاةُ, وإجارة الأجير”. نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 84) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
”وَمِنْ أنَواعِ العَمَلِ المُسَاقَاةُ، وَهِيَ أنْ يَدفَعَ الشَّخْصُ شَجَرَهُ إِلَى آخَرَ لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ، وَعَمَلِ سَائِرِ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ بِجُزْءٍ مَعلُومٍ لَهُ مِنْ ثَمَرِهِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُسَاقَاةً لأنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنَ السَّقْيِ. لأَنَّ أهْلَ الحِجَازِ أكثَرُ حَاجَةِ شَجَرِهِمْ إِلَى السَّقْيِ، لأنَّهُمْ يَستَقُونَ مِنَ الآبَارِ فُسُمِّيَتْ بِذَلِكَ. وَالمُسَاقَاةُ هِيَ مِنَ الأعْمَالِ الَّتِي نَصَّ الشَّرعُ عَلَى جَوَازِهَا. فَقَدْ رَوَى مُسلِمٌ عَنْ عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: «عَامَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخرُجُ مِنهَا مِنْ ثَمَرٍ أو زَرْعٍ».
وَتَجُوزُ المُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالكَرْمِ بِجُزءٍ مَعلُومٍ، يُجعَلُ لِلعَامِلِ مِنَ الثَّمَرِ، وَهَذَا فِي الشَّجَرِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ فَقَط. أمَّا مَا لا ثَمَرَ لَهُ مِنَ الشَّجَرِ كَالصَّفصَافِ، أو لَهُ ثَمَرٌ غَيرُ مَقصُودٍ كَالصَّنَوبَرِ وَالأَرْزِ فَلا تَجُوزُ المُسَاقَاةُ عَلَيهِ، لأَنَّ المُسَاقَاةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِجُزءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ، وَهَذَا لا ثَمَرَةَ مَقْصُودَةَ لَهُ. إِلاَّ أنْ يَكُونَ مِمَّا يُقصَدُ وَرَقُهُ كَالتُّوتِ وَالوَردِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ فِيهِ المُسَاقَاةُ. لأنَّهُ فِي مَعنَى الثَّمَر، لأنَّهُ نَمَاءٌ يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ، وَيُمكِنُ أخْذُهُ وَالمُسَاقَاةُ عَلَيهِ بِجُزْءٍ مِنهُ فَيَثْبُتُ لَهُ مِثلُ حُكْمِهِ.
إجارة الأجير:
أجَازَ الإِسلامُ لِلفَردِ أنْ يَستَأجِرَ أُجَرَاءَ، أي عُمَّالاً يَعمَلُونَ لَهُ. قَالَ تَعَالَى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا). وَرَوَى ابنُ شِهَابٍ فَقَالَ: أخْبَرَنِي عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ، أنَّ عَائِشَةَ أمُّ المُؤمِنِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: «استَأجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَأبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيشٍ فَدَفَعَا إِلَيهِ رَاحِلَتَيهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَورٍ بَعدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ». وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ).
وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلاثَةٌ أنَا خَصمُهُمْ يَومَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ استَأجَرَ أجِيرًا فَاستَوفَى مِنهُ وَلَمْ يُعطِهِ أجْرَهُ».
وَالإِجَارَةُ هِيَ تَملِيكٌ مِنَ الأجِيرِ لِلمُستَأجِرِ مَنفَعَةً، وَتَمْلِيكٌ مِنَ المُستَأجِرِ لِلأجِيرِ مَالاً، فَهِيَ عَقدٌ عَلَى المَنفَعَةِ بِعِوَضٍ. وَالعَقْدُ فِي إِجَارَةِ الأَجِيرِ إِمَّا أنْ يَرِدَ عَلَى مَنفَعَةِ العَمَلِ الَّذِي يَقُومُ بِهِ الأجِيرُ، وَإِمَّا أنْ يَرِدَ عَلَى مَنفَعَةِ الأجِيرِ نَفسِهِ، فَإِذَا وَرَدَ العَقدُ عَلَى مَنفَعَةِ العَمَلِ، كَانَ المَعقُودُ عَلَيهِ هُوَ المَنفَعَةُ الَّتِي تَحصُلُ مِنَ العَمَلِ، كَاستِئْجَارِ أرْبَابِ الحِرَفِ وَالصَّنَائِعِ لأعْمَالٍ مُعَيَّنَةٍ، كَاستِئجَارِ الصَّباغِ وَالحَدَّادِ وَالنَّجَّارِ. وَإِنْ وَرَدَ العَقْدُ عَلَى مَنفَعَةِ الشَّخْصِ، كَانَ المَعقُودُ عَلَيهِ هُوَ مَنفَعَةُ الشَّخْصِ، كَاستِئجَارِ الخَدَمَةِ وَالعُمَّالِ.
وَهَذَا الأجِيرُ إِمَّا أنْ يَعمَلَ لِلفَردِ فَقَط مُدَّةً مَعلُومَةً، كَمَنْ يَشتَغِلُ فِي مَعْمَلٍ أو بُستَانٍ أو مَزرَعَةٍ لأحَدِ النَّاسِ بِأُجرَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أو كَمُوَظَّفِي الحُكُومَةِ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِهَا. وَإِمَّا أنْ يَعمَلَ عَمَلاً مُعَيَّنًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِأجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَمَّا يَعمَلُ، كَالنَّجَّارِ وَالخَيَّاطِ وَالحَذَّاءِ وَمَنْ شَاكَلَهُمْ. وَالأوَّلُ هُوَ الأجِيرُ الخَاصُّ، وَالثَّانِي هُوَ الأجِيرُ المُشتَركُ أوِ الأجِيرُ العَامُّ”.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. المُسَاقَاةُ مِنْ أنَواعِ الأعْمَالِ الَّتِي نَصَّ الشَّرعُ عَلَى جَوَازِهَا.
2. المُسَاقَاةُ: هِيَ أنْ يَدفَعَ الشَّخْصُ شَجَرَهُ إِلَى آخَرَ لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ، وَعَمَلِ سَائِرِ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ بِجُزْءٍ مَعلُومٍ لَهُ مِنْ ثَمَرِهِ.
3. تَجُوزُ المُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالكَرْمِ وَالشَّجَرِ الَّذِي لَهُ ثَمَرٌ بِجُزءٍ مَعلُومٍ يُجعَلُ لِلعَامِلِ مِنَ الثَّمَرِ.
4. مَا لا تَجُوزُ المُسَاقَاةُ عَلَيهِ مِنَ الشَّجَرِ:
أ- مَا لا ثَمَرَ لَهُ مِنَ الشَّجَرِ كَالصَّفصَافِ.
ب- مَا لَهُ ثَمَرٌ غَيرُ مَقصُودٍ كَالصَّنَوبَرِ وَالأَرْزِ.
5. مَا تَجُوزُ المُسَاقَاةُ عَلَيهِ مِنَ الشَّجَرِ: هُوَ مَا يُقصَدُ وَرَقُهُ كَالتُّوتِ وَالوَردِ؛ لأنَّهُ يُمكِنُ أخْذُهُ وَالمُسَاقَاةُ عَلَيهِ بِجُزْءٍ مِنهُ.
6. أجَازَ الإِسلامُ لِلفَردِ أنْ يَستَأجِرَ أُجَرَاءَ، أي عُمَّالاً يَعمَلُونَ لَهُ.
7. الإِجَارَةُ: هِيَ عَقدٌ عَلَى المَنفَعَةِ بِعِوَضٍ.
8. الإِجَارَةُ: هِيَ تَملِيكٌ مِنَ الأجِيرِ لِلمُستَأجِرِ مَنفَعَةً، وَتَمْلِيكٌ مِنَ المُستَأجِرِ لِلأجِيرِ مَالاً.
9. العَقْدُ فِي إِجَارَةِ الأَجِيرِ نَوعَانِ:
أ- عَقْدٌ عَلَى مَنفَعَةِ العَمَلِ. وَالمَعقُودُ عَلَيهِ هُوَ المَنفَعَةُ الَّتِي تَحصُلُ مِنَ العَمَلِ كَاستِئجَارِ الصَّباغِ.
ب- عَقْدٌ عَلَى مَنفَعَةِ الأجِيرِ نَفسِهِ. وَالمَعقُودُ عَلَيهِ هُوَ مَنفَعَةُ الشَّخْصِ، كَاستِئجَارِ الخَدَمَةِ وَالعُمَّالِ.
10. الأجِيرُ نَوعَانِ:
أ- الأجِيرُ الخَاصُّ: وَهُوَ مَنْ يَعمَلُ لِلفَردِ فَقَط مُدَّةً مَعلُومَةً، كَمَنْ يَشتَغِلُ فِي مَعْمَلٍ أو بُستَانٍ.
ب- الأجِيرُ المُشتَركُ أوِ الأجِيرُ العَامُّ: وَهُوَ مَنْ يَعمَلُ عَمَلاً مُعَيَّنًا لِجَمِيعِ النَّاسِ بِأجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالنَّجَّارِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.