خبر وتعليق الأمم المتحدة ليست وسيطاً نزيها، ولا يجوز إشراكها في المفاوضات بين الفرقاء الليبيين
الخبر:
اختتمت يوم السبت 2015/03/07م جولة الحوار بين الأطراف الليبية التي انعقدت بالصخيرات جنوبي الرباط. وعقدت المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وبحضور دبلوماسي أوروبي (ألمانيا، فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وسفيرة الاتحاد الأوروبي) بهدف التوصل إلى اتفاق على شخصية تقود حكومة وحدة وطنية. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت عن بنود المبادرة المطروحة للنقاش وتنص على التالي:
1. تشكيل حكومة وحدة وطنية، بما في ذلك التباحث بشأن رئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء المستقبليين.
2. الترتيبات الأمنية لتمهيد الطريق أمام وقف إطلاق نار شامل، والانسحاب التدريجي لجميع المجموعات المسلحة من البلدات والمدن، وتدابير مراقبة الأسلحة، وآليات ملائمة للرصد والتنفيذ.
3. استكمال عملية صياغة الدستور ضمن جداول زمنية واضحة.
التعليق:
التدخل المغربي في الملف الليبي ليس بريئاً. فقد جرت العادة منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم أن المغرب ينأى بنفسه عن التدخل في الصراعات الخارجية، ولكن لوحظ في السنوات القليلة الماضية تنامي التدخلات المغربية الخارجية في إفريقيا خصوصاً (مالي، الكونغو، إفريقيا الوسطى،…)، ثم التدخل المغربي مؤخراً في العراق والشام ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
باستعراض التدخلات المغربية يتبين أنها لا تخدم المصالح المغربية. ففي إفريقيا الوسطى مثلاً كان الجيش المغربي تحت إمرة الفرقة الفرنسية، والكل يعلم الدور الذي لعبته فرنسا في المذابح ضد المسلمين هناك حيث عملت القوات الفرنسية على تجريد المسلمين من أسلحتهم بينما سمحت للميليشيات النصرانية بالتسلح ما أدى إلى المجازر الرهيبة ضد المسلمين، فأي مصلحة للمغرب في دعم النصارى ضد المسلمين؟ وفي الكونغو، لا يفهم أحد ما مصلحة المغرب في الزج بجيشه في مطاردة ميليشيات ما يسمى “جيش الرب”، اللهم إلا مسايرة أميركا والحفاظ على عملائها. والشيء نفسه يقال عن العملية الأخيرة الجارية حاليا في العراق وسوريا، حيث يشارك المغرب استخباراتياً وعسكرياً في التحالف الدولي بقيادة أميركا لحرب تنظيم الدولة الإسلامية بدعوى “محاربة الإرهاب”، في حين لم يتحرك المغرب حين كانت دولة يهود أكبر دولة إرهابية تدك قطاع غزة وتقتل البشر دون تفريق بين مدني وعسكري ولا بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشيخ، وكذلك لم يتحرك المغرب حين أقدم المستوطنون اليهود على حرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حياً في تموز/يوليو 2014.
من هذه الأمثلة يتبين بوضوح أن التدخلات المغربية لا تمليها المصالح المغربية ولا النخوة الإنسانية وإنما يمليها الصراع الدولي، ويحددها الطرف الذي يريد المغرب إرضاءه من بين المتصارعين.
في هذا الإطار يجب فهم رعاية المغرب للحوار بين الأطراف الليبية، فالأمر ليس حرصاً على حقن دماء الإخوة في ليبيا بقدر ما هو إسهام في تثبيت الدور الغربي في الصراع. إن التدخل في الصراع الليبي لا يجوز أن يكون إلا تحت باب فك الاقتتال بين المسلمين والذي تؤطره الآيات القرآنية: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات، الآيتان 9-10]. والخطاب في الآيات ﴿فأصلحوا﴾ و﴿فقاتلوا﴾ موجه للمسلمين، ولا يجوز إدخال الكفار في الخلاف بين المسلمين لا على سبيل الاستقواء ولا على سبيل الصلح.
وعلاوة على حرمة إعطاء موضع قدم للكفار في أي خلاف بين المسلمين، فإن الواقع والتجارب التي نعيشها اليوم تؤكد أن الأمم المتحدة أبعد ما تكون عن الوسيط النزيه، وها هو مبعوثها المغربي إلى اليمن جمال بن عمر يعتبر المسؤول الأول عن الفلتان الأمني والتمدد الحوثي فيها، ومن قبله الأخضر الإبراهيمي الذي وطد النفوذ الأمريكي في أفغانستان وأعطى المهل تلو المهل لبشار لقتل المسلمين في سوريا حتى وصل الأمر أن يصرح المبعوث الأممي للنزاع السوري دي مستورا أن بشار هو جزء من الحل بعدما ملأ الدنيا ضجيجاً بوجوب رحيله.
نقلت كتب التاريخ أن هرقل أراد أن يستغل الخلاف الذي نشأ بين علي بن أي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما فأرسل رسالة إلى معاوية يقول له فيها: “لقد علمتُ ما كان بينَك وبينَ صاحبِك، فإن شئتَ أرسلتُ إليك بجيش قوي يأتي لك بعليٍّ مُكبَّلاً بالأغلال بين يديك!”، فلما وصل كتاب هرقل لمعاويةَ، طلب من كاتبه أن يخط على ظهر الرقعة الرد التالي: “من معاويةَ بنِ أبي سفيان إلى هرقلَ، أما بعد، فأنَا وعليٌّ أخوانِ، كُلٌّ منَّا يرى أن الحق له، ومهما يكن من أمرٍ فما أنت بأقربَ إليَّ من عليٍّ، فاكففْ يا هرقلُ عنَّا خُبْثَكَ وشَرَّكَ وإلا أتيتُ إليك بجيشٍ جَرَّارٍ، عليٌّ قائدُه، وأنا تحتَ إمْرَةِ عليٍّ حتى أُمَلِّكَهُ الأرضَ التي تحتَ قدميكَ”! ويقال أن هرقل الروم أرسل نفس الرسالة لعلي بن أبي طالب فرد بمثل ما رد به معاوية.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد عبد الله