خبر وتعليق النظام السعودي يُسكِت المتفائلين
الخبر:
ولي العهد يعلن تقديم المملكة حزمة مساعدات بـ4 مليارات دولار لمصر (وكالة الأنباء السعودية 2015/03/13)
التعليق:
بعد تغير رأس النظام السعودي الحاكم علت بعض الأصوات المتفائلة ممن يظن أن مشكلة نظام الحكم هي شخص فلان أو تدخل فلان، وأن الموت أو العزل سيغير وجهة نظر نظام الحكم وسياسته تجاه الإسلام والمسلمين، ورغم أن الأصل في المؤمن أنه لا يلدغ من جحر واحد مرتين، ورغم أن نداءات المخلصين من أبناء بلاد الحرمين والمسلمين موصولة بأن تغيير وجه الحاكم لا يغير من نظامه شيئا إلا أن هذا النظام استطاع لوهلة أن يؤمل بعض المتأملين ويصوّر لهم أن تغيرا ما سيحدث..
حال استلامه، قام النظام باستقبال رؤوس التآمر العالمي على الإسلام والمسلمين، بكل حفاوة وكرم، وأكد في كل لقاءاته أنه ماضٍ على نهج من سبقوه..
بعد أيام قليلة من تغيير نظام الحكم أصدرت نيويورك تايمز تقريرا ذكرت فيه أن محمد بن نايف – وهو الركن الأساسي في النظام الحاكم الجديد – هو “العدو الأكبر للإخوان المسلمين” وكلنا يعلم أن استخدام عبارة “الإخوان المسلمين” ليس إلا إشارة للإسلام السياسي والجماعات الإسلامية..
بضعة أيام أخرى، وإذ بامرأة كاشفة الرأس تمثل السعودية في مجلس الأمن لأول مرة، لتوجه صدمة حقيقية لكل من ظن أن للوجوه الجديدة في نظام الحكم “توجها دينيا”!..
بعدها بأيام معدودة أقام النظام مؤتمره السنوي لـ”مكافحة الإرهاب” والذي أكد فيه من جديد على نهج محاربة الإسلام والمسلمين بحجة “الإرهاب” وكأن مشكلتنا ليست مع أمريكا أو بريطانيا أو من يقتل المسلمين في كل مكان وإنما المشكلة المستعصية لأهل الأرض هي “المسلمون المتطرفون”، وأكد المؤتمر على وجوب التزام نهج المملكة في “الحوار” و”أدب الاختلاف”! تماما كما كان النظام السابق يؤكد دائما…
قبل أيام قليلة ألقى الملك سلمان خطابا للشعب، لم يحمل جديدا، بل أكد فيه كل ما كان يقال في السابق حول وجوب التزام المعاهدات الدولية، ووجوب مكافحة الإرهاب، وطبعا التذكير بمنّة الأمن والأمان، فلم يحمل الخطاب أي تغيير أو توجه لتغيير..
حتى إن معرض الكتاب، وإن كان مجرد معرض للكتاب فإنه لم يخل من إثارة الجدل!، فعدا عن تسمية المؤتمر “الكتاب تعايش” في تأكيد واضح لنهج النظام في حوار الأديان ومكافحة التطرف الذي أكد عليه في مؤتمره وفي خطابه، فإن إحدى المحاضرات التي ألقيت في المؤتمر استخدمت كما العادة للهمز واللمز بمن يدافع عن أحكام الإسلام، فقد نسي صاحب المحاضرة دماء المسلمين التي تسيل في العراق وسوريا وفي كل مكان وأخذ بالتباكي على الأصنام والمباني الأثرية التي هدمت في العراق، وعندما تصدى له أحد المسلمين بتوضيح أن هدم الأصنام حكم شرعي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، تلقفت وسائل الإعلام الخبر – كعادتها في أيام النظام السابق – لمهاجمة هذا المسلم واتهامه بالدفاع عن “الإرهابيين”. وبما أننا تطرقنا لوسائل الإعلام لا بد أن نذكر أن المتابع لوسائل الإعلام السعودية في عهد الملك الجديد لا يجد أي تغيير في محاور اهتماماتها، فلا يمضي يوم إلا وتثار قضايا الحريات والمرأة والهيئة والابتعاث والإرهاب والإسلام السياسي… تماما كما كانت في عهد النظام السابق دون أي تغيير..
وأخيرا جاءت مشاركة ولي العهد (بالصفة الرسمية هو الرجل الثاني في نظام الحكم بعد الملك) في مؤتمر دعم وتنمية الانقلاب المصري ورجل أمريكا السيسي، ورغم التسريبات التي ظهرت مؤخرا التي ظن الكثيرون أنها ستوتر العلاقة السعودية المصرية، ورغم تفاؤل المتفائلين بصفحة جديدة مع الإسلاميين وضد المجرم السيسي، جاءت المشاركة في هذا المؤتمر لتؤكد استمرار المملكة في موقفها الداعم للنظام المصري العميل، ولنهجه الخادم لأمريكا الحامي لدولة يهود، ولعل كيري لم يكن مخطئا حين قال في المؤتمر نفسه “نسعى جميعاً من أجل مستقبل إسرائيل” فيما ادعى بعدها أنها مجرد زلة لسان، رغم أنه استغل المؤتمر نفسه للتأكيد على التزام أمريكا بحل الدولتين بين كيان يهود والفلسطينيين، بحضور ولي العهد السعودي ودون أن يشعر ولي العهد بأي خجل.. ولم يكتف ولي العهد بالإعلان عن الدعم المادي بل عبر عن ارتياحه للخطوات التي يسير عليها السيسي وطالب المجتمع الدولي بدعمه وأكد أن المملكة مستمرة في النهج الذي بدأه الملك عبد الله من قبل…
فهل تكون هذه المشاركة وهذا التبرع وهذه التصريحات هي القشة التي ستقصم ظهر كل المتفائلين في النظام الجديد؟
وهل يقتنع أبناء بلاد الحرمين الشريفين وعموم المسلمين أخيرا أن تغيير وجه الحكم في هذه الأنظمة لا قيمة له، ولا يؤدي إلى تغيير، وأن التغيير الحقيقي هو تغيير أنظمة الحكم هذه نفسها، وإقامة الحكم الراشد الذي يرضي الله ورسوله؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد بن إبراهيم – بلاد الحرمين الشريفين