خبر وتعليق تتعدد الأساليب والهدف واحد
الخبر:
أوردت جريدة اليوم التالي السودانية في عددها ليوم 25 آذار/مارس 2015 الخبر التالي: “دشن مركز البورد الدولي الكندي للتدريب واعتماد الجودة برامجه في السودان بمدارس الجودة التربوية والتعليمية بالخرطوم. وقال الدكتور محمد القاضي بالبورد الدولي الكندي إن المركز يستهدف تدريب مليون معلم عربي خلال خمس سنوات منهم مائة ألف معلم سوداني…” انتهى
التعليق:
يعرف هذا المركز عن نفسه بالقول إنه مؤسسة دولية مركزها القاهرة ويعمل في عدة دول منها تركيا والعراق والأردن وليبيا والسعودية. نظرة سريعة للاسم والبلاد التي يعمل فيها المركز تجعل المرء يتوجس خيفة ويشتاط غضبا، إذ كيف يسمح لهكذا مراكز أن تعمل في بلادنا من أجل صياغة العقول وبناء الفكر؟ فها هو مسئول المركز سابق الذكر يزيدنا من الشعر بيتا بقوله:
“البرنامج يهدف أيضا لإخراج الطالب المبدع المبتكر ليقود البلاد إلى التقدم والتطور في شتى المجالات من خلال تنمية قدراته العقلية ويخص المعلم لإكسابه المهارات اللازمة لإدارة العملية التعليمية بنجاح ليصل الطالب المبتكر حتى يقود مسيرة الإصلاح والتغيير”.
عادة ما تغلف المنظمات والهيئات الدولية أهدافها بكلمات منمقة محببة للنفس لتأسر بها القلوب التي تتوق لشيء من الرفعة والريادة المعرفية والإنسانية، فتجدهم يقولون التطور والإبداع والابتكار والتنمية والرقي، وهلم جرا! وفي الحقيقة فهم يدسون السم في الدسم ويقدمونه لنا بمن وأذى ظاهرين. فنتناوله فنسقط صرعى لغفلتنا وعدم مبالاتنا.
تسعى الدول الغربية للسيطرة على كل مفاصل الحياة في بلاد المسلمين بشتى الوسائل ويتم ذلك بالدرجة الأولى بالسيطرة التامة على العقول والفكر. فالإنسان يتصرف في هذه الحياة الدنيا بما يحمله من مفاهيم عنها. ومَنْ أفضل من المعلمين في المدارس يقومون بصياغة عقول وفكر الأجيال الناشئة، هم الأفضل قطعا.
فلذلك تؤهلهم هذه المراكز الغربية المبنى، العربية/الإسلامية الشكل والمظهر وتصوغ أفهامهم ليقوموا بالتالي بصياغة عقول أبنائنا بفكر غربي هدام يسمم البلاد والعباد ويوقعها في براثن التبعية للغرب الكافر. ودولنا وحكامنا في سبات عميق لا يكترثون لكل ذلك. والأدهى والأمر أن هذه المراكز تتلقى منا الأموال نظير هكذا تدريب!
إن العملية التعليمية والمدارس الأولية والثانوية هي القاعات التي تبنى فيها الشخصيات وتشكل العقول والنفوس، ويبدأ فيها بإعطاء المعارف الدنيوية الأخرى التي تعين الإنسان في عمارة الأرض. ولذلك كان تنظيمها وترتيبها ووضع مناهجها وخطط التدريس فيها من أوجب واجبات الدولة، فالإنسان وما يحمل من فكر هي الثروة التي لا تضاهيها ثروة، وإنما تقوم الأمم وتنهض بالفكر الذي تحمله عقول أفرادها والذي يسيطر على المجتمع في كل مناحيه. تكتمل هذه العملية لاحقا في المعاهد العليا والجامعات بتعميق الفكر الديني والدنيوي. ولذلك وجدت في دستور دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة المواد التالية:
“المادة 172: الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية الإسلامية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة. فتجعل طرق التعليم على الوجه الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية.”
“المادة 174: يجب أن يفرق في التعليم بين العلوم التجريبية وما هو ملحق بها كالرياضيلت، وبين المعارف الثقافية. فتدرس العلوم التجريبية وما يلحق بها حسب الحاجة، ولا تقيد في أي مرحلة من مراحل التعليم. أما المعارف الثقافية فإنها تؤخذ في المراحل الأولى قبل العالية وفق سياسة معينة لا تتناقض مع أفكار الإسلام وأحكامه. وأما في المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعارف كما يؤخذ العلم على شرط أن لا تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم وغايته.”
“المادة 179: تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون في مواصلة الأبحاث في شتى المعارف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير، ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء، ومن اختراعات واكتشافات وغير ذلك، حتى يوجد في الأمة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين.” منقول من مقدمة الدستور أو الأسباب الموجبة له – القسم الثاني -منشورات حزب التحرير.
لكل ما تقدم فنحن نحذر الحكام والحادبين على أمتهم من هكذا فعل وفكر (إسناد أمر التعليم والتدريب لغيرنا)، ونطلب منهم إحداث ثورة تحريرية في الفهم والإدراك تخرجنا من القوالب النمطية الرأسمالية فيهما، فلا نفكر كجورج واسمنا عبد الرحمن، ولا ندرك كبيتر واسمنا مصطفى، لنخرج للعالم بأنظمة حياة الإسلام العظيم التي أنزلها رب العالمين هدى ورحمة.
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو يحيى عمر بن علي