الإسلام دين عالمي
إن كلمة العالمية تعني الكثير… وإن فُهمت على وجهها فهي فلاح في الدنيا وعز وجاه وفخر ثم جنة في الآخرة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن لم تفهم على وجهها فإنها ذل وهوان في الدنيا… ونار في الآخرة مقامعها من حديد والعياذ بالله، وهنا نريد في عُجالة أن نبرز أهمية هذا الدين (الإسلام) وعالميته التي فيها هذا الفلاح والعز إن شاء الله في الدنيا والآخرة…
إن الله تعالى رب لكل الناس، وليس ربًا للعرب أو المسلمين فقط، وقد جاءت آيات القرآن الكريم لتؤكد تلك العالمية كما هو بيّن واضح في سورة الفاتحة ﴿الحمد لله رب العالمين﴾، والتي بها يقرّ الله تعالى الحقيقة الكبرى بأنه رب العالمين والقرآن الكريم كتاب للعالمين وهو الذي أنزل القرآن على نبيه محمدٍ ﷺ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
فإن خطاب القرآن الكريم إلى الناس جميعًا يؤكد عالمية هذا الدين، وإن خطاباته وتوجيهاته تعم الناس كافةً، والقرآن هو وحي الله لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام وفيه أحكام الإسلام وهذا دليل على أن الإسلام لجميع البشر بل للإنس والجن. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
فكما أن الله هو رب العالمين، والقرآن كتاب جاء بالخير والصلاح لكل الناس فإن نبي الإسلام محمدًا ﷺ جاء رحمةً ونورًا لجميع الخلق، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
والكعبة المشرفة كذلك هي قبلة لجميع الخلق، وبركة وهداية لكل الناس قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾.
ومما يدلل كذلك على عالمية هذا الدين رسائل النبي ﷺ سنة 6هـ إلى الملوك والرؤساء الذين كانوا يحكمون البلاد في عهده صلوات ربي وسلامه عليه، مثل رسالته إلى الملك المقوقس.. وتابع رسول الله ﷺ حملته العالمية، فطفق ينتقي أفصح الخطباء والشعراء والدبلوماسيين من أصحابه، ويبعثهم رسلًا وسفراءً إلى الممالك والإمارات والدول والقبائل في آسيا وأفريقيا وأوروبا يدعو العالَم المظلم إلى الله.
ومن عالمية هذا الدين وانتشاره حتى يعم الأرض كلها بشارته ﷺ بانتشار الإسلام وفتحه للبلاد والعباد كما جاء في الحديث الشريف: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ».
لقد فهم المسلمون الأوائل عالمية الإسلام وعملوا على نشره وحمله للبشرية جمعاء وفتحوا الفتوح وساد حكم الإسلام، أكد رسولنا الكريم على عالمية هذا الدين ونشره في مكة المكرمة عندما خاطب عمه أبا طالب وقال له وعمه يفاوضه على ترك رسالته «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته». فهذا القول لرسولنا يؤكد أنّ هذا الدين هو لجميع البشرية، حتى بعد أن أقام عليه الصلاة والسلام دولة الإسلام في المدينة وكان صلح الحديبية أكد على نشر الإسلام حتى الموت في سبيل الله حيث قال: «فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة» (يقصد: الموت)، بل وحتى ورسولنا الكريم على فراش الموت أكد على نشر الإسلام بالجهاد حيث كان كثيرًا ما يردد وهو على فراش المرض: «أنفذوا بعث أسامة. أنفذوا بعث أسامة». وقوله أيضًا ﷺ: «أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى» وهذا دليل آخر على عالمية الإسلام وعالمية طريقته المعروفة بداهةً في الكتاب والسنة وهي الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام وتطبيقه عالميًا على البشرية جمعاء، ولكن هذا كان يوم كان للمسلمين دولة تطبق عليهم أحكام الإسلام، أما اليوم فإليكم ما حصل للإسلام ولعالميته…
ونبدأ القول أن للعالمية مدلولاً مهماً في منهج التغيير فنقول زيادةً على ما تم ذكره أن الإسلام عقيدة عالمية أرسلت إلى البشرية لتعالج مشاكل الإنسانية فعُمل على تشويهها وتغريبها من قبل دول عالمية، وقد تبصر حزب التحرير على طريقة تغيير ما ألصق بالعقيدة الإسلامية من أفكار غربية وما أدخل عليها من تشويهات واضطرابات فأخذ على عاتقه عزق ما علق بها لما له من قوامة فكر وحس بالمجتمع… فأصبح هذا الحزب حزبًا عالميًا يجوب قارات العالم ويضم الرجال والنساء ليكشف المؤامرات ويفضحها ويعري الأفكار ويصححها من خلال دروس.. ندوات.. حملات… محاضرات… مسيرات ومؤتمرات آخرها المؤتمر النسائي العالمي “المرأة والشريعة بين الحق والباطل” الذي عرض الحق عرضًا مميزًا تجلّى بأدلة قرآنية وسنة نبوية وما أرشدا إليه من قياس شرعي وإجماع صحابة؛ فأبرز المشاكل التي تتعلق بالمرأة وأوضح طريقة العلاج لكل ما يتعلق بقضاياها من زواج وطلاق ونفقة وحضانة، وبيّن ما للمرأة من حقوق ربّانية إن التزمت بها دخلت جنةً عرضها السماوات والأرض لأنها بذلك ترضي ربها عز وجل، وذكّرنا هذا المؤتمر بأم المؤمنين خديجة وهي أول من آمنت بربها وصدّقت رسوله، وبأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها، وبسميّة العفيفة الشريفة التي بشّرت بالجنة، كما بيّن مواقف الصحابيات الجليلات رضي الله عنهن جميعًا اللاتي ربّين الأولاد والبنات فصنعن الرجال والنساء بعقيدة سمحاء صلبة قوية تجعل من يعتنقها نارًا تحرق الكفر ونورًا يضيء بالإيمان ويبني صرحًا عاليًا هو دولة الإسلام التي لطالما طبقت الأمن والأمان وحمت النساء جميعًا بقضائها وعدلها حتى تمنت النساء غير المسلمات أن يعشن في كنفها… فكيف بالنساء المسلمات الملتزمات… يبذلن الغالي والنفيس ويضحّين بالمال والزوج والولد من أجل عودة هذه الدولة والمحافظة عليها، وهذا جزء من العقيدة الإسلامية إذ السعادة عندهنّ هي نيل رضوان الله… يسعين إليها في كل آن وحين، وها هنّ يصدعن بكلمات الحق ويعبّرن عن فكر واحد ومشاعر واحدة منبثقة عن عقيدة واحدة رغم اختلاف لغاتهن وبلدانهن جمعت بينهن هذه العقيدة ووحدتهن رغم الحدود والسدود… فنادت هؤلاء النسوة من بلدان متنوّعة ومن قارات مختلفة مطالبات بالخلافة مناديات بتحكيم شرع الله فيهن… جعلهن الله ممن يبايعن خليفة المسلمين… لقد بثّ هذا المؤتمر العزم والهمّة في النفوس المؤمنة التي تتوق لتطبيق أحكام الإسلام… وبعثت فيها ثقة أقوى في وعد ربها بالتمكين والنصر…
قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وقال رسول الله ﷺ: «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عزّ وجلّ»، وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات، بنبيِّها محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أشرف خلق الله وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يُعطَه نبيٌ قبله ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، هذا ما تقتضيه عالمية الإسلام، وفي الحديث: «وجعلت أمتي خير الأمم» وقال الإمام أحمد، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال النبي ﷺ: «عرضت عليّ الأمم بالموسم فراثت (تأخرت) عليّ أمتي، ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، قد ملأوا السهل والجبل، فقال: أرضيت يا محمد؟ فقلت: نعم! قال: فإن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون»، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «أنت منهم»، فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «سبقك بها عكاشة».. هذه هي الأمة التي تعمل على جعل الإسلام عالميًا مطبقًا بدولة تحمل العدل والأمان للبشرية جمعاء..
أفبعد ما تم ذكره من عالمية لهذا الإسلام العظيم ولحزب اتخذ من نفسه نذيرًا عريانًا لدحض ما علق بشجرة الإسلام ما ليس منه، وقد أكد عليه الصلاة والسلام أن ما أدخل على الإسلام وهو ليس من الإسلام أنه مردود على صاحبه لقوله عليه الصلاة والسلام «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أتعجب من الإنسان الذي لا يعمل على نصرة الإسلام لإعادة تطبيق حكم الله في الأرض…
ألا إن سلعة الله غالية ألا وهي الجنة فإلى هذا أيها المسلمون نناديكم…
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ماريا القبطية (أم صالح) – فلسطين